IMLebanon

آن الأوان لاتخاذ الموقف الحكومي المناسب

 

مع كل الحزن والأسف، ها نحن في هذا البلد المنكوب والمغلوب على أمره وعلى حقيقته الأساسية التي مهما طاولها الخلل، فإن ما يواجهنا على مرّ هذه الأيام اللعينة، جملة من الوقائع الفضائحية، مركزين بصورة خاصة على كل ما تردّد عن شهادات جامعية صادرة عن «جامعات لبنانية»، متقنة التزوير، ومرتفعة الثمن والكلفة، مكّنت الآلاف ممن أنعمت تلك «الجامعات» عليهم بالزور والبهتان، بمراتب وألقاب يدور معظمها حول لقب «دكتورا» وهي قد كانت مرتكزا لكثيرين منهم لتبوؤ مواقع ومناصب رفيعة، وعلى وجه الخصوص، في بلدٍ شقيق، تربطه بلبنان، بكلّ مساوىء هذا البلد ومخازيه القائمة، علاقاتٌ ما زالت تزخر بتعامل معطاء، ومساهمة أخوية في تقليص حجم المآسي التي نمرُّ بها، وملطّفةً مدى المعاناة التي تدفع باللبنانيين إلى أقصى مهاوي الفقر والعوز والإذلال، «فضلا عن الهجرة المكثفة» نتيجة لما تعرّض له هذا الوطن المنكوب من أحوال السوء والإنهيار ومن نهب لثرواته من قبل زمر حاكمة لا همّ لها إلاّ تكديس الثروات الطائلة والدفع بها إلى الخارج المشبوه، منتهجة كلَّ أساليب الغش والخداع والبلطجة، ومعرضة شعبها إلى شتى صنوف الفقر والحاجة والإذلال، ومبتلعة أموال المواطنين والإخوة العرب في زواريب الودائع المصرفية، فإذا بجملة من الخزعبلات المحلية الإجرامية تتمكن بالنتيجة من أكلها وسلبها بملياراتها وجزيئاتها الصغيرة، التي وثق أصحابها بسمعة ما لدينا من نظام مصرفي، تبين بالنتيجة أنه أحد كبار المساهمين في نهب أموال المواطنين والأشقاء والأصدقاء مع هروبٍ مقصود وموصوف من مسؤولية سداد تلك المليارات المودعة، وهي مسؤولية قانونية لا مهرب منها إلاّ بطرق الفرض والتلاعب وقضم ما تبقى بشتى الطرق والمناورات التي باتت معروفة ومكشوفة.

 

وبعد: ثلاث «جامعات» مرخصة أصولياً من المراجع الوزارية والنظامية المختصة، هي عماد هذه الفضيحة المستجدة التي لم تلقَ حتى الآن، المعالجة الرسمية المطلوبة بكل ما تتطلبه من دقة وعناية، وكأنما ما هو حاصل يشكل امتدادا لا يتجزأ من وضعية الفساد التي أكلت البلاد وشربت كلَّ طاقاتها وخيراتها، وتركت بقايا الوطن والمواطنين، لهذا الوضع المستمر في تهاويه، وهو ما زال يتدحرج في مهاوي المصائب والكوارث.

 

نتساءل أولا: عن حاجة لبنان إلى كلّ هذا العدد المرتفع من الجامعات التي يزخر بها لبنان دفعت بالمسؤولين إلى إعطاء المشبوه والمرتكب منها، تلك الإجازات التي سمحت بالوجود وبالتلاعب على خطوط المستوى العلمي والجامعي وفي مسالك التزوير والمتاجرة بما تبقّى من سمعة العلم والتعليم في لبنان ونقله من موقع التفوّق والمستوى الرفيع إلى موقع الإساءة إلى مستوى لبنان العلمي والثقافي والحضاري، بما فيه الإساءة إلى ألوف الشهادات الجامعية التي حاز عليها لبنانيون ومواطنون عرب على مدى أجيال وسنوات كانت حافلة بالخير العميم، خاصة في ما تعلقّ بالمستويات العلمية والثقافية، حتى لنخال أن كثيرين من أولئك الذي نالوا مواقعهم العلمية بعرق الجبين وجهد السنوات الحافلة بالكدّ والدرس والكفاح، قد بات يساورهم بعض من التهيّب والتحسب بصدد تحصيلهم العلمي الذي باتت جامعات التزوير والمتاجرة وجني المال الحرام، تعطّل عليهم صفاء ونقاء أوضاعهم وتضيف إليها على مستوى الخارج، بعضا من التساؤلات المؤذية والبعيدة عن واقعها السليم.

 

وبعد… أيضا وأيضا: هل تم التحقيق الرسمي بهذه الوقائع؟ هل نال مرتكبو هذه الجرائم المنظمة عقابهم؟ نعني عقابا حقيقيا يتناسب مع حجم الجريمة النكراء التي تمّ ارتكابها من قبلهم؟ هل تم استرجاع ولو لبعض الأموال المنهوبة من خلال هذا المسلك وهذا المطبّ المعنوي الكبير؟ أم هناك كالعادة، من ينصرهم ويحميهم ويشاركهم في «أرباحهم».

 

أسئلة نطلقها في أجواء غريبة عجيبة يمرّ بها لبنان، دون أن نغفل حقيقة لا بد من تردادها: دولتنا العليّة غير موجودة لا بالقول ولا بالفعل، بل هي دولة قيد التعطيل والترحيل إلى عالم مجهول حافل بالكوارث والمصائب، وإذا جزّأنا بين المسؤوليات، فإن الرأي اللبناني العام الذي يستعد لتوديع هذا العهد الذي بات في سنته الأخيرة والتي لم يتبقَّ منها في واقع الأمر الذي يسبق الإنتخابات النيابية والرئاسية والبلدية المقبلة، سوى بضعة أشهر ستكون حافلة، مع الأسف، بكلّ التوقعات السلبية، تضاف إلى سلبيات سنواته التي سبقت وتركت من الأثر والنتائج ما هو معروف ومكشوف.

 

لننتقل على الفور، إلى حكومة هذه الأيام التي بنى عليها المواطنون، آمالا واسعة الأفق، وتوقعا لبداياتٍ إصلاحية تهيىء لواقعٍ جديد وحكم جديد واهتمام إقليمي ودولي بأوضاع هذه البلاد المتدهورة، أملا في رفعها من المهاوي العميقة التي ما زالت البلاد وأهلها، يتابعون غوصهم في أعماق أعماقها. حكومة أغرقت البلاد حتى الآن بوابل من الوعود والعهود الكلامية المغرقة في فضفاضيّتها وتفاؤلها التي أطبقت على مواقعها جميعا كلّ مطبات العرقلة وتصرفات الإفشال والإغراق في صميم متجدد من المأساة الكبرى التي تطاول الوطن وتكاد أن تسحق كلَّ معالمه، وخاصة منه، كل بقايا بقاياه التي ما زال فيها نبضٌ ضئيل يوحي ببعض من الحياة.

 

أفظع الفظائع ما يواكب لبنان في هذه الأيام من أحداث: حكومة ممنوعة بقدرة القادرين وفرض الفارضين، من الإجتماع والإنتاج وإيصال البلاد إلى أي موقع متحرّك ومعطاء، حكومة شاءت أم أبت، تشارك العهد وتشارك الحزب في خضوعها لمطالبهما وإملاءاتهما، وللمقاطعة العربية- الخليجية وإبقائها لبنان خارج محطيه الطبيعي وتاريخه الحافل بالعون العربي والخليجي الذي لطالما أنقذه من مصائب جمّة كادت أن تغرقه في جملة من المصائب والملمّات.

 

حكومة جاءت أصلا على غير ما وعدت وما أعدت لها أوساطها من أهداف وطنية تتجنب آثار الوجود الإيراني، قد جاء تأليفها على شاكلة، ما أعدها له العهد والحزب، والرئيس ميقاتي غارق في ما اختاره واختير له من وضعية حاكمة مجمّدة وعاجزة عن العطاء ولو بحدودٍ دنيا معقولة ومقبولة، ولعلّ الرئيس ميقاتي ليس المسؤول الوحيد عن بعض هذه المساوىء، وقد آن الأوان يا دولة الرئيس والحال ما ذكر، أن تأخذ الموقف الذي يتناسب مع النهج الوطني الشامل الذي أنت في إطاره وتوجهاته، وقد شاءته أغلبية اللبنانيين، مواكبا لعروبة لبنان وأصالة قناعاته الوطنية، وأن تتبرأ بالنتيجة، وفي حال اسمرار الأوضاع على سوئها وتدهورها، من حكومة ترأسها حتى الآن… بالشكل لا بالأساس.