IMLebanon

الحكومة في مواجهة الخيارات الإيرانية

 

من السابق لأوانه وضع تقييم للوضع الحكومي الراهن، حيث ما زال من المبكر جداً استقراء امكانية وقوع حكومة ميقاتي في نفس حالة العجز التي ظهرت عند حكومة حسان دياب من الأيام الأولى لانطلاقاتها، حيث ظهر بوضوح بأنها لا تملك أية رؤية إصلاحية، بالاضافة إلى عدم امتلاكها لآليات القرار، والتي بقيت في يد القيادات السياسية التي شكلتها.

 

أكتب هذا المقال قبل ساعات من انعقاد جلسة مجلس الوزراء والتي يقال بأنها مخصصة لكي يعرض الوزراء رؤيتهم الاصلاحية داخل وزاراتهم بالاضافة لمقترحاتهم لتفعيل العمل فيها لتضطلع الوزارات بدورها في خطة النهوض العام، وذلك من خلال تفعيل مساهمتها ضمن قطاع مسؤولياتها في العملية الاصلاحية المطلوبة، والتي من المفترض ان تبدأ مع انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

 

لكن حرصي على عدم إبداء أية مشاعر تشاؤمية تجاه قدرة الحكومة على الوفاء بالوعود التي حملتها لبيانها الوزاري او التصريحات والتحركات الخارجية التي قام بها رئيسها وبعض وزرائه، وأسفارهم باتجاه باريس والقاهرة وعمان، لن يمنعني من رؤية التحديات والعقبات التي تواجهها الحكومة داخلياً وخارجياً، والتي يمكن أن تؤخر أو تعطل تطلعاتها الاصلاحية.

 

من المؤكد ان الحكومة ستواجه مجموعة كبيرة من التحديات التي يمكن ان تهدد وحدتها وقدرتها على الحكم وتحقيق الإصلاحات الملحة المطلوب إنجازها داخلياً وخارجياً. وتكمن الخطورة في كون الحكومة هي حكومة محاصصة، يتجاذبها تياران، الاول اقليمي يتمثل بحزب الله، والثاني داخلي يتمثل بالتيار الوطني الحر ومصالح رئيسه جبران باسيل وطموحاته لتأمين طريقه لخلافة عمه الرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية. وأن الخطورة المتأتية من خلال هذا التحدي الكبير تكمن في عدم قدرة رئيس الحكومة على مواجهة الارادة الجامحة التي يعبر عنها كل من السيد حسن نصر الله الامين العام لحزب الله كراع ومدافع عنيد عن المشروع الايراني في لبنان، وجبران باسيل بصفته الوكيل المفوض عن رئاسة الجمهورية، وخصوصاً لجهة استمرارية نهجها في السلطة من خلال الإعداد بقوة للاستحقاق الرئاسي المقبل عام 2022.

 

في ظل العراقيل والتعقيدات الناتجة عن مواقف وتصريحات كل من السيد نصر الله وجبران باسيل يبقى التحدي الاساسي الذي تواجهه الحكومة منذ نيلها الثقة وحتى اليوم متمثلاً في إثبات مجلس الوزراء في ظل كل التناقضات القائمة على التوافق على رؤية إصلاحية موحدة تتجاوب مع المطالب الاصلاحية للمجتمع الدولي ولأصدقاء لبنان والتي باتت معروفة من خلال مقررات مؤتمر «سيدر» وقبل حدوث الانهيار الراهن بسنتين على الأقل. وبصراحة كاملة لم تجرؤ الحكومة حتى الآن على لسان رئيسها أو عبر مقررات مجلس الوزراء أن تعبر عن الخطوط العريضة لهذه الرؤية المنتظرة.

 

في الوقت الذي يدرك فيه رئيس الحكومة أهمية وأولوية البدء بمفاوضات سريعة وهادئة مع صندوق النقد الدولي، وبعد الاعلان عن تشكيل الوفد لهذه المفاوضات لا يبدو ان هناك تحضيرات فعلية، وعلى نار حامية، لوضع عناصر موقف لبناني موحد يواجه به الوفد الرسمي مفاوضيه الدوليين.

 

سيتطلب النجاح في المفاوضات أن تسرّع الحكومة الخطوات لإقرار قانون «كابيتال كونترول»، بالاضافة إلى فتح مفاوضات مع الدائنين الخارجيين، ووضع خطة واضحة لعملية إعادة هيكلة الدين العام، والتي يجب ان تسير جنباً إلى جنب مع اجراء اصلاحات بنيوية للقطاع المصرفي بمعزل عن كل ما هو لازم وضروري للدخول في مفاوضات هادئة مع صندوق النقد الدولي، فان الحكومة تدرك دون شك، اهمية المبادرة للقيام بعدد من الاصلاحات المطلوبة من الخارج وخصوصاً في قطاع الكهرباء حيث جرى ربط تقرير المساعدات والقروض بوقف الانهيار الحاصل في هذا القطاع الحيوي. ونحذر من توجه المسؤولين للاكتفاء بالمفاوضات الجارية مع الأردن ومصر وسوريا لتحسين الوضع من خلال استجرار الغاز لمعمل دير عمار او استجرار التيار الكهربائي من الأردن، حيث يعتبر هذا الأمر معالجة جزئية فرضتها الظلمة شبه الكاملة.

 

أما التحدي الرابع الذي يجب ان تواجهه الحكومة فيتركز على ضرورة معالجة الأزمة المعيشية والتي تتفاقم مع الانهيار النقدي وجنون أسعار السلع الضرورية بالاضافة إلى انهيار كل الخدمات الصحية وفي قطاع الطاقة والمحروقات والمياه. ويبدو ان المشكلات الناتجة عن ذلك ستبقى خارج امكانية وقدرة الدولة على تقديم اية معالجات جزئية. ويبدو ان تخلي اصدقاء لبنان عن تقديم أية مساعدات لتحسين الاوضاع ومنع حدوث مزيد من الشلل والارباك في وظائف الدولة سيستمر. ويتلقف حزب الله هذا الغياب للمساعدات الدولية من اجل اتخاذ المبادرات للحلول مكان الدولة، وهذا ما فعله في اكثر من قطاع، كان أبرزه استحضاره لناقلات النفط الإيرانية، ونقلها عبر الممرات غير الشرعية، والبدء بسد حاجات السوق المحلية، في الوقت الذي تقف فيه الحكومة عاجزة عن القيام بأية خطة للاستدراك او للتصحيح، حيث اكتفى رئيس الحكومة بالتعبير عن حزنه لما يجري وذلك رداً على سؤال عن رأيه في ذلك من قبل محطة CNN.

 

والتحدي الخامس الضاغط بالدرجة الأولى على رئيس الحكومة يتركز حول اصلاح العلاقات بين لبنان والدول الخليجية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، وبالتالي كمقدمة لعودة الاستثمارات العربية والسياحة الخليجية والحصول على المساعدات والقروض والودائع اللازمة لدعم النقد اللبناني ووقف الانهيار الحاصل في مستوى معيشة الشعب اللبناني. لا يكفي هنا أن يعبر الرئيس ميقاتي من بكركي بأن السعودية هي قبلته التي يتوجه نحوها في صلواته الخمس، فإصلاح العلاقات يتطلب من الحكومة قراراً واضحاً بالتصدي للأسباب «الجوهرية» التي تسببت بهذه القطيعة وأبرزها تصحيح سياسة لبنان الخارجية ومواقفه من الدول الخليجية، والتي خربتها مواقف سيطرة حزب الله على الحكومات منذ بداية عهد ميشال عون، بالاضافة إلى خروج لبنان عن الاجماع العربي، مع تكرار حملات الشتيمة للعائلات الحاكمة في الخليج من قبل قيادات الصف الأول في حزب الله.

 

تعتبر المملكة وبعض الدول الخليجية الأخرى ان السلطة اللبنانية هي خاضعة للهيمنة الايرانية، وذلك من خلال سيطرة حزب الله وحلفائه على قرارات الدولة، بالاضافة إلى تفلت الحزب من اية ضوابط للحد من تدخله المباشر في كل صراعات المنطقة.

 

في مواجهة هذا التحدي الاخير يبدو بوضوح بأن الحكومة سواء من خلال تكوينها القائم على المحاصصة، وعلى التسليم بدور مهيمن لحزب الله وحلفائه على خياراتها وقراراتها، فان الحكومة سواء من مقرراتها أو من خلال مواقف وتصريحات رئيسها لا تملك الإرادة أو الشجاعة أو الجرأة على المطالبة بوقف عمليات التحدي والهدم المستمرة لسلطاتها، سواء عبر الانتهاك السافر لسيادة الدولة على حدودها بعد اختراقها من قبل قوافل صهاريج المازوت بقيادة حزب الله، او من خلال خطاب السيد هاشم صفي الدين الذي طالب بتصفية مواقع النفوذ الأميركي داخل المؤسسات الحكومية او من خلال العروض التي قدمها وزير خارجية ايران حسين أمير عبد اللهيان اثناء زيارته للبنان الاسبوع الماضي، وخصوصاً لجهة عرضه بناء محطات توليد للكهرباء وإعادة إعمار مرفأ بيروت، وبما يتعارض مع توجه الحكومة في مشاريعها الاصلاحية بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية او مع كل من فرنسا والمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

 

ستؤدي العروض التي قدمها عبد اللهيان إلى ارباك خطط الحكومة ومقاربتها للبدء بأية عملية إصلاحية، بدءا من قطاع الكهرباء بالاضافة إلى قبول اية دراسات او عروض غربية لإعادة اعمار مرفأ بيروت. وظهر جلياً في اليومين الماضيين من خطاب السيد نصر الله اصراره على الحكومة للأخذ جدياً بالعرض الايراني، وبما يؤشر إلى وجود نية للتصعيد في اية خيارات للحكومة بالتوجه غرباً، وبما يوحي بأن هناك قراراً لكسر نظام العقوبات ضد ايران، والعمل على تجميد مفاعيل قانون قيصر الأميركي الخاص بسوريا. يضاف إلى ذلك وجود محاولة واضحة وصريحة لسيطرة حزب الله على قطاع المشتقات النفطية لصالح ايران، حيث صرح نصر الله مؤخراً «سمعنا ان الدولة تريد ان تشتري المازوت من ايران، نحن نؤيد ذلك، ونضمن التسهيلات اللوجستية».

 

في النهاية، ان كل المؤشرات الراهنة الصادرة عن حزب الله والتيار بالاضافة إلى مواقف ايران الرسمية تصب كلها في اتجاه واحد هو ان الحكومة لا تملك التفويض او القوى لوضع او تنفيذ أي برنامج اصلاحي فعلي.