IMLebanon

“بركة جبور” والعلم الإيراني

 

لا تملك الدولة اللبنانية القول سوى أنّها غير مضطرة للتعليق على إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن وجود المطار العسكري في منطقة «بركة جبور» فوق إحدى تلال قرية كفرحونة القريبة على مسافة ربع ساعة بالسيارة من بلدة جزين، مستخدمة ذرائع عدة:

– يمكنها القول إنّها لا تملك مقومات التأكد من صحة ما «يزعمه» وزير الدفاع الإسرائيلي، أي أنّها لا تملك السلطة على المنطقة التي قال إن المطار أقيم فيها. وإذا قيل لها إن الجيش اللبناني قادر على التأكد من صحة الأخبار الإسرائيلية فباستطاعتها أن تنتظر مدة لامتناهية كي تأتيها التقارير حول ذلك من الجيش. وبالتالي ليس لديها القدرة لا على تأكيد ولا على تكذيب «الادعاءات» الإسرائيلية. وفي الطريق، بإمكان بعض القوى السياسية المحلية أن توظّف أيضاً الواقعة ضد الجيش وصولاً إلى استثمارها في إطار الخيال اللبناني الذي يتحكم بمعركة رئاسة الجمهورية…

– يمكنها أيضاً القول إنها ليست مضطرة لتصديق كل ما يقوله العدو، ما يوحي بأنّ الصور التي عرضها غالانت هي من صنع تقنية الفوتو شوب.

– يمكنها في نهاية المطاف أن تبلغ الدبلوماسيين الغربيين الذين قد يراجعونها في هذا الشأن أن المنطقة التي يقع فيها هذا المطار، إذا صح أنه موجود، تابعة لـ»حزب الله»، وأن قوى الجيش لن تصطدم مع «الحزب» الذي أخطأ بإقامة هذه المنشأة بهذا الشكل العلني، خصوصاً أنّها ستكون هدفاً عسكرياً محتملاً وبإمكان الدولة العبرية تدمير مدرجه والمنشأة القائمة على أرضه بغارة واحدة. ولأنّ الدولة اللبنانة تتجنب أي «صدام أهلي» في البلد، فإنّها تفضّل صداماً عسكرياً مع إسرائيل إذا كانت الأخيرة متأكدة من ذلك، على حصول هذا الصدام في الداخل اللبناني. هذا على جري الحجة اللبنانية التي سيقت حين نقل الأميركيون والأمم المتحدة إلى السلطة اللبنانية مطلب إسرائيل بإزالة الخيمة التي أقامتها المقاومة في أراضي مزرعة بسطرة في مزارع شبعا المحتلة قبل زهاء ثلاثة أشهر…

– إذا طرح الجيش الإسرائيلي مسألة إقامة المطار في إطار آلية الاجتماعات الثلاثية غير المباشرة مع الجيش اللبناني في الناقورة والمعتمدة لمعالجة الإشكاليات الحدودية وفق منطوق القرار 1701، بإمكان وفد الجيش اللبناني القول إنّ منطقة «بركة جبور» تقع شمال نهر الليطاني وبالتالي لا تشملها مندرجات القرار الدولي المذكور ولا منطقة عمليات القوات الدولية (يونيفيل)…

باستطاعة أي مسؤول لبناني أن يتصرف وفق منطق طمر الرؤوس في الرمال، فيشيح النظر ويدير أذناً طرشاء عما سمعه أو رآه. وهذا أمر يتمتع بعض المسؤولين بقدرة فائقة على إتقانه، وفي الغرف المغلقة يمكنهم القول إنّ عمل المقاومة يجب ألا يكون مكشوفاً بإقامة مواقع ثابتة على الشكل الحاصل، وإنّه ينقص لبنان هذا القدر من الانكشاف أمام المجتمع الدولي، خصوصاً قبيل توجه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الأمم المتحدة لتمثيل لبنان في اجتماعات الجمعية العمومية في نيويورك وإلقاء كلمة باسمه فيها، حيث لديه جدول لقاءات مع مسؤولين كبار في بعض الدول الفاعلة لطلب المساعدة على الخروج من الأزمة التي يغرق فيها البلد.

قد يقفز بعض ممثلي الدول والهيئات الدولية فوق التهرّب اللبناني من التصرف كدولة لها سيادتها على أرضها، لإدراكهم أنّه ليس في يد المسؤولين حيلة، لكن ماذا عن صحة ما قاله الجانب الإسرائيلي حول ظهور العلم الإيراني في الصور الجوية للمنشأة العسكرية المخصصة للمسيّرات؟

كل ما سبق، سواء أصحّ أنّ هناك علماً إيرانياً أم لم يصح، فإنّ هذا لا يلغي أنّ هوية المنشأة إيرانية بحتة، وأنّ ظهور العلم ليس إلا رسالة بأنّ من لا يريد أن يفهم بأنّ القرار في لبنان هو لطهران، عليه أن يقتنع بذلك ولا يضيِّع البوصلة. وإذا صدقت التقارير الإعلامية الإسرائيلية بأنّ جيش العدو يرصد تأسيس المطار منذ العام الماضي وانتظار طلاء مدرجه من أجل الكشف عنه، فإنّ «التخاطب» الإسرائيلي- الإيراني على الأرض اللبنانية بات من حقائق الحياة اليومية، منذ مدة. فالأشهر الماضية، حسب قراءة بعض العارفين، وتحديداً بعد إجازة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، مليئة برسائل طهران و»حزب الله» إلى الأميركيين، عبر الاحتكاك بإسرائيل، أن «إحكوا معنا». فقيادة «الممانعة» تبحث عن حصد أثمان التسويات التي يجري ترتيبها في المنطقة، في لبنان وغيره، من دون أن تلقى الجواب الذي ترغب به حتى الآن..