IMLebanon

نصر الله وعقيدة بومبيو وسلاح “الحزب”: هل ينفِّذ التهديد بانقسام الجيش؟

 

في الحملة على قائد الجيش العماد جوزاف عون وفي معركة هدم آخر معالم الدولة المتمثلة بالمؤسسة العسكرية، ليس عجباً أن يلتقي «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر» بينما هما يختلفان على قضايا كثيرة تبدأ برئاسة الجمهورية وترشيح سليمان فرنجية وتمر بجلسات الحكومة التي تصرِّف الأعمال وبجلسات مجلس النواب التشريعية وبالنظرة إلى صلاحيات رئيس الجمهورية وشكل الحكم والدولة.

 

هي ليست معركة تقوم على المبادئ بل على المصالح. هذه المصالح حكمت العلاقة بين «التيار» منذ رئاسة العماد ميشال عون له ثم جبران باسيل، وبين «حزب الله» بقيادة الأمين العام السيد حسن نصرالله منذ تفاهم مار مخايل في 6 شباط 2006. هذه المصالح هي التي عطّلت الدولة ومؤسساتها وأوصلت لبنان إلى الإنهيار وتمنع القيام بأي عملية إنقاذ وتلتقي على الهجوم على آخر معالم هذه الدولة.

 

يتّهم النائب جبران باسيل «حزب الله» بأنّه لم يمشِ معه ومع الرئيس ميشال عون في معركة بناء الدولة بينما لم يتوانَ هو وتياره عن دعم «الحزب» وتغطية سلاحه. ويتّهم «حزب الله» التيار وباسيل وعون بأنه أمّن لهم التغطية الدائمة وعطّل الدولة والمؤسسات من أجل توزير باسيل وترئيس عون ولم يحصل في المقابل إلا على الطعن بالظهر بعد انتهاء عهد عون لأنّه لم يقبل بأن يرشِّح باسيل ليكون خلفاً له في رئاسة الجمهورية. ولكن «الحزب» وباسيل وعون يلتقون في الحرب على قائد الجيش العماد جوزاف عون وعلى الجيش.

 

معركة 17 تشرين

 

منذ 17 تشرين الأول 2019 تعاطى «حزب الله» وعون مع قائد الجيش وكأنّه أحد أركان الإنتفاضة الشعبية ضد العهد. عندما يُحكى عن العهد بهذه الصيغة وفي تلك المرحلة لا يُقصد فقط ميشال عون بل «حزب الله»، لأنّه عهد واحد وقرار واحد في تشكيل الحكومات وفي إدارة الدولة وتقاسم المصالح وتعميم الفقر والإفقار والعتمة والعزلة والإنهيار. ما لم يقُله السيد حسن نصرالله في مرحلة 17 تشرين قاله في إطلالات كثيرة في الفترة الأخيرة عندما اعتبر أنّ ثورة 17 تشرين صُنِعت في عوكر وأنّها كانت تستهدف «الحزب» ومحاصرته وصولا إلى ما قاله عن تعميم الفوضى وإعلانه أنّه سيتصدّى لهذه المؤامرة بتعميم الفوضى في المنطقة كلها ضد الأميركيين ولكن من دون أن يحدّد معالم الردّ وطبيعته وأماكنه. ومنذ 17 تشرين أيضا تعاطى العهد مع قائد الجيش بأنه شريك في المؤامرة التي صُنعت لتقويضه وهدمه، لا لسبب إلاّ لأنّه لم ينفذ الأوامر ويقمع الإنتفاضة الشعبية ويفتح الطرق بالقوة. وعلى رغم أنّ «الحزب» تحاشى استهداف العماد جوزاف عون بالمباشر سابقاً، فقد كشفت التسريبات بأنّه كان يركّز على تطويقه لإخراجه من اللعبة عندما يقرّر ذلك.

 

الشراكة في القيادة

 

عندما كان السيد حسن نصر الله يتحدّث أكثر من مرّة عن «الضباط والخبراء الأميركيين الذين يسرحون ويمرحون في اليرزة»، وعن السفيرة الأميركية التي يخيّم ظلّها على القيادة، وعن شحنات الأسلحة والمساعدات والطائرات التي تهبط في مطار بيروت أو في مطار حامات العسكري، كان يتحاشى اتهام القائد بأنّه يمكن أن يكون منفِّذاً للسياسة الأميركية التي يعتبر أنّها تخطّط للصدام بين الجيش و»حزب الله». إذا كان هذا الكلام الذي كان يصدر عن نصر الله يشكِّل قناعة فلماذا هذه المعركة التي تُشنّ اليوم على الجيش وقائده والمتعلِّقة باحتمال ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية؟ ولماذا هذا التهديد المتكرِّر من مقرّبين كثر من «الحزب» بأنّ الجيش ليس سلاحاً بيد قائده ولا يمكنه أن يستخدمه في معركة استعادة الدولة لأنّه لا يمكن أن يبقى موحّداً، وبالتالي يمكن أن ينقسم خلال أيام. هذا الكلام يراد منه القول لقائد الجيش بأنّه ليس وحده من يقود الجيش، وبأنّ هناك شركاء له في القيادة، وبأنه لا يمكنه أن يتوهّم بأنّ الدور الذي لعبه منذ تولّى القيادة يمكن أن ينقله من اليرزة إلى القصر الجمهوري في بعبدا.

 

هذه التهديدات لا تنحصر بموضوع الهجوم على قائد الجيش ولا في موضوع رئاسة الجمهورية بل تتعلّق بآخر مداميك الدولة وبآخر الأعمدة التي لا تزال تمثّل وحدة الدولة والمؤسسات، بينما يشمل الإنهيار والإنقسام كل المؤسسات الأخرى. فهل هذا الهدم هو من آخر معالم تعميم الفوضى والردّ على المؤامرة الأميركية؟ وهل يعقل أن تصل الأمور إلى هذا الحدّ من انعدام وجود أي رادع لمثل هذه الأفكار التي يمكن وضعها موضع التنفيذ؟ وهل هذه التهديدات هي من أسلحة المواجهة التي يمكن أن يستخدمها حزب الله؟ وهل باستطاعة الحزب اليوم أن يصل إلى حد تقسيم الجيش من أجل منع وصول قائده إلى رئاسة الجمهورية؟

 

معركة الرئاسة هي السبب

 

منذ بدأت معالم معركة رئاسة الجمهورية بالتبلور قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، تعاطى «حزب الله» وباسيل مع الإستحقاق على قاعدة أن المرشّح الجدّي الأكيد هو قائد الجيش العماد جوزاف عون على رغم أنّهما تحاشيا استهدافه بالمباشر واعتبرا أنّ ترشيح النائب ميشال معوّض ليس إلا مرحلة أولى قبل الإنتقال إلى المرحلة الثانية. واشتعلت الحرب على هذه الجبهة مع تطورين أساسيين: الأول عندما طرح رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط اسم عون من ضمن ثلاثة أسماء في لقائه مع المستشار السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين الخليل ومسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا. والثاني عندما حصل اللقاء الخماسي في باريس بين ممثلين عن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر والسعودية وتواترت معلومات عن أنّ المرشح الجدّي الذي تمّ التوافق عليه هو قائد الجيش جوزاف عون. وبعد ذلك استعرت الحملة عليه. اتّهمه باسيل مباشرة بأنّه فاسد ويتصرّف بالمساعدات التي تصل إلى الجيش من دون حسيب أو رقيب.

 

وهذا الإتهام تُوِّج بهجوم من وسائل إعلام، ناطقة باسم «الحزب»، أو تابعة له، تحدّثت عن تحويل الجيش إلى منظمة غير حكومية من منظمات المجتمع المدني وعن صفقات بيع أسلحة متهالكة مع التهديد المباشر بأنّ هذا الجيش يمكن أن ينقسم خلال أيام. وهذه الإتهامات أتت بعدما كان ظهر الخلاف بين وزير الدفاع العميد موريس سليم وبين قائد الجيش وتناول أيضاً من خلال التسريبات، مسائل تتعلّق بالإدارة المالية للجيش وبصفقة صواريخ غراد غير صالحة أعادها الجيش إلى مصدرها واستعاد الأموال التي كانت دُفِعت ثمناً لها، وصولاً إلى التشكيك بمصادر تمويل الجيش وبطريقة صرف المساعدات والتصرف بها للقول أنّ قائد الجيش يتولّى توزيعها من دون رقابة أيضاً، على رغم أن هذه المساعدات توزّع على العسكريين من مختلف الرتب بالتساوي وبشفافية وبمراقبة من الدول المانحة.

 

وهي تأتي خصوصاً من قطر ومن الولايات المتحدة الأميركية ومن خلال الصندوق الذي تشرف عليه الأمم المتحدة والقوات الدولية. فهل كان المطلوب من قائد الجيش أن يتفرّج على انهيار المؤسسة العسكرية ويكتفي بالبقاء في مكتبه في اليرزة من دون البحث عن مصالدر تمويل؟ وهل كان العماد ميشال عون مثلاً بعيداً عن تلقّي المساعدات في مرحلة قيادته للجيش ورئاسته للحكومة العسكرية واحتفاظه بمنصبه كقائد للجيش وكوزير للدفاع بين 23 أيلول 1988 و13 تشرين الأول 1990؟ وهل كان يخضع للمراقبة في تصرفه بهذه الأموال؟ وهل المطلوب اليوم تعميم حالات الإنقسام في الجيش كما حصل مثلا في القضاء بعد تهديد المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار؟

 

سلاح «الحزب» يحمي السلاح

 

في 7 أيار 2008 لم يتوانَ «حزب الله» عن استخدام سلاحه في الداخل. وهو كان قبل ذلك واستمرّ بعده يعلن أنّ هذا السلاح يحمي السلاح. فهل يعتبر «الحزب» أنّ القوة الوحيدة التي يمكن أن تقف في وجه سلاحه هو الجيش اللبناني ولذلك يتمّ التهديد بتقسيم الجيش كما حصل قبل ذلك في العام 1976 خلال الحرب ثم بعد العام 1984 أيضاً خلال الحرب وفي مرحلة قيادة العماد ميشال عون بين عامي 1988 و1990 عندما كانت هناك قيادتان للجيش وحكومتان؟

 

هدّد الأمين العام لـ»حزب الله» بتعميم الفوضى في لبنان والمنطقة بعد اتهامه واشنطن بمحاصرة لبنان وإسقاطه بالفوضى. وهو ما ذهب إليه أيضاً جبران باسيل عندما قارن بين رئيس يصل على ظهر الفوضى ورئيس وصل على ظهر الدبابة الإسرائيلية. وإذا كان باسيل لا يملك سلاحاً عسكرياً لاستخدامه في حربه الرئاسية بعد خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا، فإنّ «الحزب» يمتلك هذا السلاح وقد يصل مرة جديدة إلى استخدامه في الداخل على قاعدة المبدأ الذي كان يعلنه وزير خارجية أميركا على عهد الرئيس دونالد ترامب مايكل بومبيو الذي اعتبر في الكثير من خطاباته أنّه «لا يكفي أن تُظهر أنّك تملك قوة كبيرة رادعة، ولكن عليك أيضاً أن تُظهر أنّك على استعداد لاستخدام هذه القوة ضدّ من تعتبره عدواً لك». هذا التحوّل هو الذي قاد عقيدة القتل الأميركية الجديدة.

 

وهذا ما فعله ترامب مثلاً عندما نفّذ عملية اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ومن خلال الرسائل الكثيرة المماثلة التي كان يبعهثا لإيران منذ ألغى الإتفاق النووي الذي كان وقّعه سلفه باراك أوباما مع النظام الإيراني وانتقل إلى سياسة القوة والمواجهة. فهل هذا ما يريده الحزب اليوم؟ وهل المطلوب تعطيل المؤسسة العسكرية؟ وهل هذا ما يريده الرئيس السابق ميشال عون؟ وهل منع العماد جوزاف عون من الوصول إلى قصر بعبدا ورئاسة الجمهورية يقتضي تدمير الجمهورية؟ وهل هكذا يتمّ التصدّي للفوضى بالفوضى الشاملة والإنهيار التام؟ وهل هذا التهديد يخدم الحزب أم يقضي عليه؟ وبالتالي هل يكون ينفِّذ ما يتَّهم الولايات المتحدة الأميركية بأنّها تقوم به أو تريده؟