خسارة النظام وحلفائه لـ «قلعة الكلّيات» في الراموسة يجعل مناطق سيطرته هشّة
الحسم العسكري في حلب ممنوع… والبديل حرب استنزاف
التقارب الروسي – التركي قد يحلّ عقدة الأسد… وقبول المعارضة وحلفائها مشروط بخطة متكاملة
تجاوَزَ النظام السوري وحليفته إيران وأذرعها العسكرية من الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية بغطاء جوي روسي في الوقت الضائع الخطوط الحمر في حلب عبر تقدّم ميداني أدى إلى السيطرة على طريق «الكاستيلو»، فارضين الحصار على الأحياء الشرقية في حلب، ومندفعين في خطة تفريغها الممنهج عبر ما طرحته موسكو من 3 ممرات آمنة للمدنيين ورابع للمسلحين الذين يريدون إلقاء السلاح، وهو تقدّم أدرج في خانة التحوّل الاستراتيجي الذي دفع بالأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله إلى اعتبار أن أحلام الأمبراطوريات سقطت في حلب، وأن معادلات إقليمية جديدة ستنشأ في رحمها.
زهو نصر الله بتلك الانتصارات الاستراتيجية لمحوره الإقليمي التي كان من شأنها أن تترك ارتداداتها على ماهية التسوية السورية وعلى موازين القوى الإقليمية والدولية سرعان ما تبدّد مع معركة فك الحصار عن حلب التي خاضتها بشراسة فصائل المعارضة السورية، بعد توحّدها، موقعة بالنظام وحلفائه وراعييه الإيراني والروسي هزيمة فعلية تتعدى الانتكاسة مع خسارة النظام الكلية الجوية وكليتي المدفعية والتسليح في الراموسة التي تعتبر قلعة عسكرية محصّنة وخط دفاع قوي.
وفي رأي خبير سوري فإن سقوط الدفاعات يجعل من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وميليشياته مناطق هشة، ذلك أنها لا تحظى بالتحصينات العسكرية التي كان يشكلها خط الدفاع الذي نجحت المعارضة المسلحة في اختراقه ودحر قوات النظام من الكليات رغم كثافة غارات طيران النظام والطيران الروسي، واستطاعت فك الحصار عن الأحياء الشرقية، لا بل ذهبت إلى فرض حصار بالمقابل على النظام وحلفائه في الأحياء الغربية من المدينة.
على أن استقدام إيران وأذرعها العسكرية، ولا سيما «حزب الله»، تعزيزات عسكرية ومقاتلي النخبة إلى حلب من أجل احتواء صدمة الهزيمة واستعادة ما تمّت خسارته، وإعلان المعارضة عزمها على استكمال معركة تحرير حلب بالكامل، ينذر بأن معركة حلب لن تقف عند حدود ما جرى من تجاوز النظام وحلفائه للخطوط الحمر واستعادة المعارضة وحلفائها الإقليميين للتوازن الذي كان قد تمّ كسره في السابع عشر من تموز الماضي.
وفي رأي المتابعين أن الحشود العسكرية من الجانبين والاستعدادات الكبيرة التي يجري استحضارها يجعل حلب أمام احتمالين: الذهاب في اتجاه الحسم العسكري لطرف على حساب الآخر، أو الذهاب إلى معركة استنزاف طويلة الأمد تكون أكلافها كبيرة على عاصمة سوريا الاقتصادية تدميراً كلياً وتهجيراً وتفريغاً من أبنائها.
ويرجح المتابعون الاحتمال الثاني على الأول في ظل الاقتناع التام بأن انتصار فريق على آخر ممنوع في حلب، بعدما أضحت عنواناً لصراع إقليمي – دولي تدور رحاه راهناً على أرضها، معطوفاً على ساحات الصراع الأخرى الدائرة بدءاً من اليمن، حيث شهدت مفاوضات الكويت انهياراً لفرصة الحل السياسي واستعادة العمليات العسكرية وتيرتها التصاعدية، وصولاً إلى الموصل التي تعتري عملية تحريرها من داعش خلافات عميقة وتحفظات داخلية وإقليمية حول الحشد الشعبي الذي تديره إيران، في ظل رفض السنة والأكراد مشاركته في المعركة.
على أن استعادة العلاقات الروسية – التركية لكثير من زخمها السابق بعد لقاء القمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في سان بطرسبرغ، من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الملف السوري، في ضوء الرغبة المشتركة لدى الجانبين بالتوصل إلى تفاهم على آلية التسوية وحل يُرضي جميع الأطراف، رغم إقرار كل من موسكو وأنقرة بأن وجهات النظر لم تكن متطابقة دائماً.
وفي وقت تنظر المعارضة السورية بارتياح لتمسك أردوغان بالثوابت التي رسمها حيال مصير رأس النظام السوري، متفهمة مصالح تركيا حيال الملف الكردي وإمكان التوصّل مع موسكو إلى رؤية مشتركة ومفهوم موحّد في ما خص حزب «الاتحاد الكردي السوري» الذي تصنفه أنقرة حزباً إرهابياً تابعاً لحزب العمال الكردستاني، وسط قلق من طموح أكراد سوريا لحكم ذاتي يتماهى مع طموحات أكراد تركيا بدولة كردية، فإن متابعين للشأن الروسي يرون أن توجهات موسكو قبل الأزمة مع تركيا كانت واضحة باتجاه حل سوري مبني على حكومة مركزية مع إعطاء حقوق للأقليات، ولا سيما الأكراد عبر لا مركزية موسعة، وهي وإن دعمت أكراد سوريا عسكرياً كما دبلوماسياً، عبر السماح بفتح ممثلية لحزب الاتحاد الكردي السوري في موسكو، فإنها باستطاعتها أن تشكّل نوعاً من طمأنة لأنقرة في هذا الملف مقابل تعاون استخباراتي روسي مع تركيا يتناول «الجهاديين» الذين قصدوا سوريا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وانضووا في صفوف «داعش» وأضحوا يشكلون خطراً على روسيا إذا ما عادوا إليها، وهو تعاون ذهب بأنقرة إلى حدّ دعوة موسكو لعمليات مشتركة ضد «داعش» في سوريا.
ويذهب المتابعون للشأن الروسي إلى الاعتقاد بأن بوتين المنغمس في سوريا راغب في التوصّل لحل سياسي للحرب السورية في زمن الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، وأن مرتكزات الحل المبنية على بيان «جنيف واحد» والقرار 2254، والآيلة إلى حكومة انتقالية والتحضير لدستور جديد وانتخابات جديدة، تفتح الطريق أمام تسوية عقدة الأسد ببقائه في المرحلة الانتقالية، وهو أمر لم تستبعد مصادر في المعارضة السورية إمكان سيرها وحلفائها به في مرحلة أسمتها «المرحلة التحضيرية» للانتقال السياسي شرط أن يأتي ضمن خطة متكاملة بتفاصيلها ومهلتها الزمنية وضماناتها الدولية!