IMLebanon

«حرب وزاريّة»… بعد قرار العقوبات!

 

هل يهدف قرار العقوبات الأميركية الى إخراج أسماء نواب محدَّدين من الحياة السياسية اللبنانية، أو أنه يندرج في إطار الضغط على إيران وحلفائها في المنطقة؟ وهل لتوقيت صدور القرار علاقة باقتراب صدور أحكام المحكمة الدولية؟ وهل يرتبك المشهد الداخلي، ولاسيّما حكوميّاً ويحشر «حزب الله» داخليّاً؟

 

بدا لافتاً تريّث رئيس البلاد، الذي فضّل في تعليقه الأوّل على قرارالعقوبات «ملاحقة الموضوع مع السلطات الأميركية المختصّة ليُبنى على الشيء مقتضاه»، فيما أنّ التعليق الأول لرئيس الحكومة سعد الحريري لم يخف أنّ التوجّه الأميركي يتبدّل. فهل من الممكن مثلاً للحكومة الطلب من نواب الأمّة الأستقالة؟

 

تؤكّد أوساط مطّلعة أنّ الحكومة ستكون مُحرجة، ولكنّها لن تذهب الى حد الطلب من نائبي «حزب الله» الاستقالة. ولكن الولايات المتحدة الأميركية تحاول إفهام الدولة اللبنانية رسميّاً انها تضع اليوم الحزب كله في وتيرة واحدة، وتستعرض التهم بالتفصيل ولا تخفي أنها تخبىء المزيد. وتلفت الاوساط نفسها، الى انّ إجابات الحكومة اللبنانية ستكون حكماً الإلتزام بكل القرارات المتعلقة بمحاربة الارهاب وتبييض الاموال…وما شابه.

 

وإذا اقنع الجواب المجتمع الدولي ام لم يقنعه، فأنّه يعلم انّ الحكومة اللبنانية لا تملك حرّية التصرّف، لأنّ الحزب بالنتيجة هو جزء من حكومته ومن الحياة السياسية اللبنانية، ولأنّ المجتمع الدولي يعلم الامر، لكن الجديد اليوم هو انّ الولايات المتحدة لم تعد تريد التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري للحزب.

 

الحكومة مربكة

بعد القرار يتساءل البعض: هل يسرّع قرار العقوبات الاميركية عودة الأطراف الى الاجتماع في مجلس الوزراء، ام يزيد الشرخ؟ ويلفتون الى أنّ القرار الاميركي قد لا يسرّع بالضرورة إجتماع الحكومة بقدر ما قد يزيد ارتباكها، فترتئي التمهّل والتبصّر والتدقيق قبل الرد داخليّاً وخارجيّاً، فيما يشير هؤلاء الى احتمال «نشوب حرب وزارية» لو اجتمعت الحكومة، وستكون الجلسة صاخبة إذا قَدِم الأطراف اليها «في حالة تأهّب» متوقعة. فعين المستقبل على صلاحيات رئاسة الحكومة وعين التيار على المجلس العدلي، وعين القوات على التعيينات، وعين «حزب الله» على العقوبات وعين الاشتراكي على الإقصاءات وعين «أمل» تراقب تماسك الحكومة خوفاً من الانهيار.

 

وفي السياق، يترقّب الخبراء الدستوريون موقف لبنان الرسمي، الذي غالباً يندرج في إطار النأي بالنفس عن هذه القضية أسوة بالقضايا الاقليمية. ويعتبر هؤلاء، أنّ هذا الموقف ليس أمراً بارعاً، لأنّ التعامل معه متأخّراً، كما حصل مع قانون مكافحة تمويل الحزب الصادر عام 2015 او قانون مكافحة تمويل الحزب الثاني الذي صدر عام 2018، لم يكن محترفاً، حيث كان اقصى المجهود الرسمي التمثل بوفد نيابي بزيارة للولايات المتحدة، ولكن ذلك لم يكن كافياً، والامر لا يجعل التحرّك فاعلاً، لأنّه عند صدور هذه العقوبات يصبح التحرّك دون مفعول ويمكن وصفه «بالمتأخّر»، في وقت دأبت الحكومة اللبنانية في عدم اتخاذ أي موقف من صدور عقوبات تُدرج دورياً في مكتب مراقبة الاصول والموجودات الاجنبية في الولايات المتحدة الاميركية «OFAC» التابع لوزارة الخزانة الاميركية.

 

ويلفت الخبير الدستوري بول مرقص لـ«الجمهورية» أنه تمّ تقدّيم منذ عشرة ايام مشروع قانون أميركي يتعلق بتقييض تسليح الجيش اللبناني، وكانت الحكومة اللبنانية أيضاً شبه غائبة عن التواصل الاستباقي والاستدراك والتحوط لمثل هذه القوانين والعقوبات، ولا يستغرب مرقص ان يكون موقف الحكومة مماثلاً هذه المرة ايضاً.

 

ويضيف، انّ على الارجح ستعمد السلطات اللبنانية، وقياساً على تجارب سابقة الى ممارسة هجينة تتمثل ببدعة «النأي بالنفس» عن هذه القضية، اي دفن الرأس في الرمال، بسبب هشاشة الوضع الداخلي والتوازن الدقيق للسلطة فيه، لعلّها تنجح في التوفيق بين «متناقضات»، أي من جهة مشاركة «حزب الله» السلطة وتولّيه الوزارات، وبين التعاون مع الولايات المتحدة والافادة من مساعداتها للبنان.

 

المصارف والنأي بالنفس

في المقابل، تعتبر أوساط مصرفية انّ هذه العقوبات لها رمزية معنوية وسياسية اكثر منها إجرائية، لأنّ أعضاء الأحزاب العسكريتارية في العالم لا يفتحون لهم حسابات مصرفية ولا يتداولون الدورة الاقتصادية التقليدية، بل تكون لهم ردائف وأنظمة بديلة يتعاملون بها تفادياً للخضوع للعقوبات.

 

كما أنّ المصارف والمؤسسات اللبنانية تحاذر التعامل اساساً مع النافذين سياسياً وأمنياً، خصوصاً اذا كانوا مشمولين بقانون مكافحة تمويل «حزب الله» وارتُقِب صدور أسمائهم على اللائحة الاميركية المذكورة، فلن يكون مرجحاً وجود أي حسابات مصرفية لهؤلاء. وللدلالة على موقف النأي بالنفس عن هذه القضية، ان القانوني الانتخابي الاخير لحظ فتح حساب لدى وزارة المال مخصص للحملات النيابية للنواب تفادياً للإحراج لدى المصارف اللبنانية التي تحاذر فتح حسابات لهم.

 

في الخلاصة، لا يمكن نسيان أن تكوين الحكومة أساساً صعب ودقيق، وهي غير قادرة حالياً على الإجتماع، فكيف إذا جاءتها مصيبة جديدة وكبيرة كالقرار الأميركي المباغت، والذي لا يبدو أنّه سيكون الأخير، لأن قرارات الرئيس الأميركي الخاصة بالعقوبات تتواتر.

 

والسؤال: كيف ستَتَناقش الحكومة مع موقف حاد؟ وهل هي معرّضة لانقسامات جديدة؟ وهل تستطيع الاجتماع واتخاذ موقف جامع من القرار الأميركي؟