IMLebanon

مع محمد بن سلمان

 

تلقيت صورة وتعليقاً من صديق عزيز عن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في القاعة الكبرى بعد تجديدها بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين على تأسيس الجامعة العربية في ٢٢ آذار، وكانت الغاية من الصورة والتعليق التذكير بمبادرة الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر العربي، بدعوة نخبة فكرية رفيعة ومجموعة شبابية متخصصة إلى مؤتمر حول التكامل العربي وثقافة السؤال الكيفي الاستشرافي بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس الجامعة ٢٠١٥ برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي في الطريق الى مصر الحديثة والقاهرة الجديدة عاصمة الوجدان العربي. والدعوة لإحياء الذكرى السبعين انطلقت من الصخيرات في المغرب حيث التجربة الملكية الدستورية العريقة والمتجددة بالإنصاف والمصالحة وحسن الإصغاء مع الملك محمد السادس، وصولا الى السعودية الفضاء الوجودي العربي الحاضن لأوسع عملية تعارف وتفاعل بين المكونات العربية المجتمعية من المحيط الى الخليج.

 

إن المفاضلة بين تجديد القاعة الكبرى وبين تجديد المنظومة العربية وتفعيلها واستعادة دورها المعطل يحتم علينا المراجعة الدقيقة لتجربة التحول الاستثنائية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان على أساس تجديد القواعد والمعايير وحسن التمييز بين تجديد القاعات وتجديد الأفكار والدول والمجتمعات، وأتوقف عند حديثه الواضح والمباشر عن القاعات الفخمة ذات الخمسة نجوم المرصعة بالرخام والأثاث الفاخر في القواعد العسكرية في ظل تراجع تصنيف أدائهم العسكري وفعاليته نسبة لضخامة أرقام الإنفاق العسكري، ولقد شاهدت هذه المقاربة الموضوعية والشجاعة للأمير محمد بن سلمان خلال إطلاق رؤية ٢٠٣٠ على قناة العربية قبل سنوات والتي اختصر فيها كل ما يحتاجه الشباب العربي من قادتهم، وهو رفض تجديد القاعات على حساب تجديد الدولة والأفكار وتحديث المجتمعات، وتحدث الأمير عن ضرورة الخروج من السياسات الانكفائية الريعية، ودعا الى الانخراط في العالم على أساس التنافسية الإنتاجية الاقتصادية والاجتماعية والإبداعية والى تحرير الأجيال الصاعدة من مركبات النقص المتراكمة بين الهويات الداخلية والخارجية، بالإضافة الى مواجهة تداعيات المجتمعات العربية الممزقة جراء تحويل المنطقة الى ساحة نزاعات بديلة مدمرة وتشريد عشرات الملايين من مدنهم وقراهم وتركهم فريسة للتعصب والاستتباع والتخلف والاضطهاد والغرق في البحار أو سحق عنفوانهم في خيم النزوح البغضاء.

 

لبنان إحدى الدول المؤسسة للجامعة العربية يشهد في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها موت نظامه السياسي، ويشهد موت نظامه المصرفي مع عدم قدرة الدولة على سداد الديون والودائع، ويشهد موت نظامه الاجتماعي مع انتشار وباء كورونا والقضاء على كل أشكال الحميمية والتماسك الاجتماعي، ويشهد لبنان أيضا تلاشي خصوصيته الوطنية مع تعاظم النزوح بما يزيد عن نصف سكانه، ويشهد زوال خصوصيته العربية مع تعاظم الادعاء والوهم الإيراني والتركي الموجع لشعوب المشرق العربي، ويشهد لبنان فقدان خصوصيته الدولية مع غموض التحالفات والخصومات بعد الحضور العسكري الدولي المباشر في المنطقة، ويشهد لبنان انتظارات كارثية مالية وسياسية واجتماعية وصحية وأمنية وعسكرية، وتقود لبنان الآن مجموعة سياحية اغترابية استكشافية محررة من القواعد التمثيلية ومعايير المسؤولية الموضوعية، وربما يكون لبنان قد دخل في مرحلة انتقالية بين الجمهورية البرلمانية والجماهيرية الشعبية بعد انتشار ما يشبه الخيام القذافية واللجان الشعبوية وربما نكون على مشارف حكومة عسكرية.

 

بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الجامعة العربية ورغم هول الكوارث الوطنية والعربية، أجدد اعتزازي بالخصوصية اللبنانية وبهويتي العربية ولكن بين تجديد القاعة أو تجديد الفكرة  أنا… مع قواعد الأمير محمد بن سلمان.