IMLebanon

لبنانيون أساؤوا الأمانة و50 ألف إثيوبية يغادرنَ قريباً!

 

حين يختلط “الحابل بالنابل” على أبواب الصيارفة فئة (أ)

 

لا يجتمع إثنان إلا ويحلّ الوجع بينهما، من تعاميم “خنفشارية” وإهمال لم يسبق له مثيل وفساد يستشري كما المرض الخبيث في العظام وجوع كارثي، فكيف إذا التقى المئات، في يومٍ تموزي حار، على قارعة الطريق أمام محل صيرفة مصنف فئة (أ)؟

 

البارحة، منذ يومين، تقاطر لبنانيون كثر يقطنون في محيط الدورة والمتن الشمالي نحو صراف معتمد من الفئة الذهبية المتاح لها تطبيق تعاميم مصرف لبنان. في منطقة الدورة عدد من هؤلاء الصيارفة والنقطة الجغرافية جاذبة. من وصل باكراً جداً حصل على رقم ومن ظنّ أنه تأخر قليلاً، الى حين شرب فنجان القهوة الصباحية، تأخر كثيراً.

 

ضجيجٌ هائل وتدافع وكلام من “الزنار ونازل”، وناس غاضبون وشمس قوية حارقة تُعطل كل شرايين الدماغ وأعصابه وتُقلص التفكير وتجعل مداه الأبعد حدود باب الصراف. أربعة أو خمسة أصنافٍ من البشر يحق لهم إرسال الدولار، بحدودٍ قصوى، بموجب التعميم رقم 6 تاريخ 3 تموز 2020 ينوون سداد الآتي: دفع أجور العاملات والعمال الأجانب. سداد أقساط الطلاب اللبنانيين في الجامعات، سكن طلاب لبنانيين في الخارج. ويحق للشركات التي تنوي تأمين طلبات شركات المواد الغذائية والمستلزمات الطبية التقدم أيضاً. شروط ومستندات وبيانات واختلاط “الحابل بالنابل” في محال على الأرصفة، مساحتها تنقص غالباً عن أربعة أمتار طولاً ومثلها عرضاً.

 

99 في المئة من المواطنين المساكين الواقفين على قارعة الطريق أتوا لسداد أجور الخادمات المنزليات، وبما أن أحد الشروط يوجب حضور الكفيل حضر عدد كبير من المسنين والمسنات، الذين أتوا ممسكين بعصيهم، ببعض العملة اللبنانية، وبكثير من الوجع. لا أحد يحترم أحداً. ولا أحد يقبل بأن يزيح سنتيمتراً من المكان الذي تمترس فيه. ولا “كورونا” ولا من يحزنون. نسي الكبار أنهم عرضة للإصابة ونسي الصغار كل اللياقات.

 

“أنا قبل. لا أنا قبل. لا لا أنا جئت من الصباح الباكر ولم أنتبه الى وجوب الحصول على رقم. لا أرقام. بلى هناك أرقام”. ويصرخ أحد المتجمهرين:” (…) على هالبلد وساعته”. ويضيف على ما قالت إحداهنّ: “ما بقا نحمل… حلّوا عنا… ملّا مزرعة”. يختنق رجل ثمانيني ولا يبالي به أحد سوى خادمته التي أتت معه. تصرخ “مستر مستر” وتأخذه بعيداً عن المتدافعين.

 

روني… هو الكلّ في الكلّ. ينادي بالأسماء. ينادي بالأرقام. وينادي الفتيات الجميلات اللواتي تعذبنَ وأتينَ ولهنّ في منطقه الأولوية. تتدلّل عليه إحداهن فيرميها ببيت شعر من تأليفه “الجمال بلا دلال متل الوردة بلا ريحة”. تبتسم له وتدخل الى محل الصيرفة. العرق يتصبب غزيراً. تأتي خادمة لتحويل الأجر الذي أعطاها إياه مخدومها فتُطرد من المتدافعين: “روحي جيبي كفيلك وتعي”. الناس ينفذون التعميم على سواهم. مواطنون يدخلون ثم يعودون ويخرجون لتصوير مستندات نسوها. هي ساعات لكنها تمرّ هناك كما الدهر. لا قانون ولا نظام ولا وقوف في الصف. هو نصيب اللبنانيين أن “يتبهدلوا” يومياً. هو نصيبهم أن يتبهدلوا حتى وهم يُسددون ما عليهم.

 

هناك، في قلب المكتب، يكاد يختلط أيضاً “الحابل بالنابل”. يعبئ المرء ورقة تتضمن اسمه ورقمه ومكان سكنه والمبلغ المنوي إرساله، وحدّه الأقصى 300 دولار، والهدف من ذلك. والأوراق المطلوبة لإرسال أجر الخادمة هي: صورة عن جواز السفر وصورة عن هوية الكفيل، ولا يقبل أبداً إخراج القيد، وصورة عن إقامة العامل أو العاملة الأجنبية. إحداهن لم تأتِ بالصور المطلوبة لكنها وجدت جنباً ماكينة تصوير وصورت المستندات وحين وجدها رافي، الموظف، صرخ بها غاضباً، قائلاً: من سمح لكِ بهذا؟

 

300 دولار تساوي 1.170.000 ليرة لبنانية. يدفعها الناس بفرح عظيم وكأنهم حازوا جائزة اليانصيب الأولى. على هذا يراهن المسؤولون الفاسدون، على اعتياد الناس على الذلّ واعتبارهم أي “حسنة” ذلّاً أقلّ وفرحاً أكثر. يدفع المواطنون ويأخذون قسيمة تضم تاريخاً ورقماً وقيمة المبلغ ويتوجهون الى “ويسترن يونيون” ملاصق لمكتب الصراف لإرسال المال. هناك تبدأ جلجلة ثانية وانتظار آخر.

 

موظف في بلدية برج حمود أتى لإرسال المال و”ربّح الواقفين جميلة” بعدم استخدام نفوذه للدخول قبلهم. وراح يسرد الأخبار ويُحلل في السياسة والأسعار والدولار. إحداهن تحدثت عن سعر سندويش الفلافل “أكلة الفقراء” الذي وصل، في المحل الشهير القريب، الى 8000 ليرة وعن سعر سندويش الشاورما 12000 ليرة… وعن الخادمات الأجنبيات اللواتي أتينَ بهنّ لمساعدتهن فإذا بهنّ عالة. إحداهن تريد ان ترحّل خادمتها البنغلاديشية لكن سعر التيكيت أربعة ملايين و500 ألف ليرة (…) رجل مسنّ يكاد يهوي أرضاً أخبرهم عن حاجته لبقاء الخادمة، فهو يعيش وحيداً مع زوجته والأولاد “مهاجرون”. هموم وتحليلات وقصص وبعض الإبتسامات. حين يتشارك الناس نفس الهمّ يشعرون ببعض الراحة.

 

 

يحاول أحدهم أن يقوطب للدخول أولا فيُرمى بسيول من دروس التربية ويقول له أحدهم: “إذا لم نستطع نحن هنا الوقوف في الصف وإحترام القانون فكيف نطالب به”؟ يتابع الموجودون تسليتهم في دردشات الغلاء والفساد وحسان دياب وإيران وأميركا و”حزب الله”. إحداهن سألت عن كيفية التقدم لشراء تيكيت فقيل لها “توقفنا… لا بطاقات سفر”. إمرأة راحت وعادت، ثم عادت وغادرت، ثم رجعت وهي تتصبب عرقاً وتتذمر: “أعصابي بالويل… هيدي مش شغلة صيرفي، هيدي شغلة مصرف… الله ينجيني من لحظة تخلّي”. في داخل محل تحويل العملات فتاة واحدة فقط لا غير تقوم بإرسال الحوالات. تُخطئ مراراً في تدوين الأسماء وتعود وتصححها. هي باردة والناس تغلي. وبمجرد أن تكبس: إرسال. يتنفس الناس، بعد ساعات الأشغال الشاقة، الصعداء مردّدين: “ظمطنا”. اللبنانيون ما عادوا يثقون أن ما أنجزوه اليوم وفق تعميم ما سيصمد الى يوم آخر.

 

ما رأي رئيس الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله بالتعميم الصادر عن مصرف لبنان، بإرسال أجور العمال الأجانب وفق هذه القاعدة من دون أن يحق لهم تلمس الأوراق الخضراء؟

 

كاسترو عبدالله الذي طالما تكلم باسمِ هؤلاء العمال والعاملات يقول: وضعوا للأسف الناس في وجه بعضهم البعض. وضعوا تعميماً لم يلحظوا فيه حق العاملة الأجنبية في الإحتفاظ بخمسين دولاراً على الأقل، في يدها، من أجرتها الشهرية. ليس هذا فقط بيت القصيد، فالشكاوى التي في حوزتنا من هؤلاء العمال والعاملات كثيرة. وزودنا وزارة العمل بعدد كبير منها. وتتصل بالكفلاء، الذين يمتنعون كلياً عن السداد، من أجل إيجاد حلول. هذا القطاع “بدو حلّ”. نحن نتكلم عن 400 ألف عامل وعاملة بينهم 250 ألفاً يعملون في المنازل في ضياع شبه كامل. “بدنا حل” ومسؤولية الدولة إيجاد الحلول.

 

نُذكر كاسترو عبدالله بأن الدولة، هذه الدولة، التي تقوم بإنجازات نظرية لا تهتم بناسِها فكيف لها أن تهتم بمن هم أكثر ضعفاً!

 

يتحدث عبدالله عن 2000 عاملة جرى ترحيلهنّ في أثناء الأزمة، بعد إجراء تسويات لهنّ مع الأمن العام، أما المرحلة الثانية من الترحيل فتوقفت بسبب “كورونا” واضطرار الخادمة الى دفع 680 دولاراً لبطاقة سفر “وان واي”، عدا كلفة الحجر الصحي وهي جد مرتفعة. لكن، هذا الأسبوع سيُعاد فتح هذا الملف مجدداً. وهناك نقاش مع شركات الطيران التي تقلّ المواطنين من أفريقيا الى هنا من أجل أن تعود بمن يريد من العمال الأجانب الرحيل. وهذا يتطلب أن تتوقف الطائرة Escale في أثيوبيا. وهناك نقاش جدي، حول موضوع هؤلاء اليوم، بين منظمة العمل الدولية والجمعيات ووزارة العمل.

 

العاملات اللواتي وُجدنَ مرميات جنب السفارة الأثيوبية توزعن على كاريتاس ومؤسسة عامل والملاجئ المتاحة… ثمة أناس، بحسب عبدالله، خلوا من الإنسانية. هناك من كانوا يتركون معهم أموال الخادمة واليوم يريدون دفعها بالعملة اللبنانية، 200 دولار بثلاثمئة ألف ليرة، وهناك من رموا الخادمة على الطريق وراحوا واشتكوا في الأمن العام من أجل رفع المسؤولية عنهم. ويقول: أملك ثلاثين إسماً، سبعة منهم من جبل لبنان وإثنان من طرابلس وعشرة من بيروت وضواحيها… هؤلاء أساؤوا الأمانة مع الخادمات. وإساءة الأمانة تُعدّ سرقة. وسأعلن قريباً جداً أسماء سارقي أموال خادماتهم.

 

يتوقع كاسترو عبدالله أن يُرحّل، إذا سُهِّل أمر الرحيل والغرامات والتسويات، نحو خمسين ألف عامل وعاملة في الأشهر الستة المقبلة. ويقول: فتحنا “فيديو كول” الأحد الماضي مع اتحاد العمال الأثيوبي وعدد من العاملين من ابناء وبنات الجالية هنا، وتمّ الاتفاق المبدئي على فتح جسر جوي بين لبنان وأثيوبيا على حساب الدولة الأثيوبية، التي تعتبر أن أبناء وبنات الجالية ساهموا في الإقتصاد الوطني ولن تقبل الدولة بأن يهانوا.

 

“نيّال الأثيوبيين!”

 

ثمة عمال لا تمثيل لهم في لبنان، مثل عمال دولة مدغشقر، التي عينت أخيراً قنصلها الجديد ولم توقّع اوراقه، وهؤلاء أيضا محتارون بأمرهم. والقنصل الجديد وزع عليهم مساعدات… في كل حال، يبدو أن ملف العمال الأجانب، في الإقتصاد المهمش بالتحديد، يجب أن يفتح ملفهم في شكل جدي، مع الأخذ في الإعتبار أنهم يحتاجون الى بعض الدولارات بيدهم وهناك لبنانيون كثر يحتاجون، على عكس كل ما يُراد لهم.