IMLebanon

بعد دياب “العاشق” وأديب “المشتاق”… ماذا يحلّ باللبنانيين؟!

 

لم يكد يتنفّس اللبنانيون الصعداء بعد توديع “العاشق” حسّان دياب حتّى أتاهم “المشتاق” مصطفى أديب. أوجه الشبه كبيرة بالشكل، مع الإختلاف بخلفية التسمية حيث حظي أديب بمظلّة دولية ومحلية تجعله يتفوّق على خلفه بالنقاط.

 

إسمان لشخصيتين أكاديميتين سنّيتين مغمورتين، نُفض عنهما الغبار السياسي لترؤس حكومتين في أكثر الظروف حراجة، ولم يتذوّقا طعم السلطة من قبل، فأقبلا عليها بعرفان الجميل، واستخدما الخطاب الرنّان الطنّان الشعبي والشعبوي في آن، مع فارق أنّ دياب عرف ما ينتظره من نهايته المدوية، فيما أديب لم يمت، ولا يريد أن يرى من مات.

 

قدرٌ أحمق الخطى ينتظر شريحة كبيرة من ثوّار لبنان وفقرائه وضحاياه. فبين ليلة وضحاها، سقط القناع البشع تلو القناع الأبشع أكثر فأكثر عن وجوه السلطة، لتضع حراكهم وتضحياتهم في مهبّ الريح وتُعيدهم الى المربّع الأوّل الأشدّ سواداً، وعليهم ان يستنهضوا قواهم الخائرة بفِعل السلطة الفاشلة والمارقة التي سلبتهم أرواحهم وعافيتهم وأرزاقهم، وأنزلتهم الى ما دون خطّ الفقر.

 

لم تكن تسمية السفير المعيّن مصطفى أديب رئيساً للحكومة نِتاج استجابة لانتفاضة اللبنانيين، بل حصيلة جهد فرنسي باركه أمين عام “حزب الله” السيّد حسن نصرالله، واستجاب له رئيس الجمهورية ميشال عون، وخضع له رؤساء الحكومات السابقين الذين استجابوا لمطلب أن تنطلق التسمية من قبلهم، في خطوة تزيد من ترسيخ أعراف مخالفة للدستور، مفادها أنّ تسمية رئيس الحكومة تتمّ قبل الإستشارات النيابية الملزمة، ويأتي تعيين موعد الإستشارات ليثبّت النواب هذه التسمية. واذا كان رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب، اختياراً صافياً لـ”حزب الله”، فإنّ مصطفى أديب، كما تشير المعلومات، هو اختيار فرنسي بالدرجة الأولى، اختيار لا يُزعج “حزب الله” طالما أنّ التسمية ترافقت مع اتصالات فرنسية مع ايران، وساهمت الدولة الألمانية في إنضاج القبول الإيراني ليس بتسمية أديب، بل بالدخول في مرحلة جديدة في لبنان، تقوم على إنضاج حكومة تضع مساراً إصلاحياً يقوم في الدرجة الأولى على المباشرة بإصلاح قطاع الكهرباء، والدفع بمسار التحقيقات المالية في مصرف لبنان، والإنخراط في مسار تعاون سريع مع صندوق النقد الدولي.

 

التفاهم الفرنسي ـ الإيراني بمظلّة المانية، ترى فيه مصادر سياسية انّه تفاهم الوقت الضائع، وهو يعكس حال الإستعصاء الذي يعانيه لبنان حيال التغيير في بنيان السلطة التي تعاند أي تغيير جدّي وإصلاحي.

 

الرهان الفرنسي يقوم على استثمار هذه اللحظة السياسية، من أجل استعادة زخم الفرنكوفونية، بالتقاط حاجة إيرانية لتخفيف الضغط الدولي والأميركي تحديداً، على منظومة السلطة التي تحكم بقوة “حزب الله” في لبنان من جهة، ومحاولة تنشيط دورها في لبنان في سياق حماية دورها في شرق المتوسط من جهة ثانية، في ظلّ احتدام المواجهة الإقليمية والدولية حوله.

 

وبالرغم من إعلان السفيرة الأميركية في بيروت أنّها غير معنية بالمبادرة الفرنسية، فإنّ الأوساط السياسية المتابعة للجهود الفرنسية، تلفت الى أنّ واشنطن ان لم تكن مؤيّدة، فهي غير معارضة، وترجّح وجود “قبة باط” أميركية لا تلزم واشنطن بدعم الحكومة، ولا تقوم بعرقلة مسارها اسوة بموقفها من الحكومة السابقة.

 

مصادر متابعة للقاء رؤساء الحكومات السابقين، تشير الى أنّ جوهر المبادرة الفرنسية لا يتوقّف عند تسمية رئيس الحكومة، بل يتعدّاها نحو خطوات عملية تتّصل بتشكيل الحكومة، لعلّ أبرزها الإتيان بحكومة تكنوقراط، يعيّن وزراءها الشيعة الرئيس نبيه بري، وليس هناك من وجود مباشر فيها لـ”حزب الله”، ويتراجع فيها نفوذ جبران باسيل، ولا سيّما في وزارتي الطاقة والاتصالات، اللتين يُعتقد انّهما ستكونان في عهدة وزيرين من خارج الإنقسام السياسي الذي كان وبالاً عليهما.

 

في المقابل، فإنّ الثابت في وسط هذه المبادرة الفرنسية، غياب أي حضور عربي يعكس وجود دور فاعل في عملية تخريج المشهد الحكومي الجديد، من دون أن نغيّب الدور المصري الذي بدا مشجعاً على دعم المبادرة الفرنسية، فيما غاب عن المشهد أي دور سعودي في هذه المبادرة، وهو ما يؤشّر الى انكفاء، أو عدم اقتناع بالمبادرة الفرنسية التي لا تلبّي السياسة السعودية تجاه لبنان، والتي لا ترى مجالاً للحلول من دون الذهاب الى صلب موقع لبنان في المعادلة الإقليمية.

 

ويبقى لبنان حقل تجارب إقليمية لاختبار “فأرة التوافق” المزمنة، التي أضيف اليها المكوّن الدولي لإنجاحها ولو بالترهيب والترغيب، بالرغم من تلوّع اللبنانيين من هذا التوافق الذي يأتي على حسابهم أولاً وأخيراً.. وعلى قاعدة ربما: “إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم”!