IMLebanon

مصطفى علوش يروي (5 من 5)

 

أنا والرئيس سعد الحريري… “حاكيتو ما ردّ”… خرجت من “المستقبل” وتعرّضت لمؤامرة في الإنتخابات

 

 

للدكتور مصطفى علوش تجربة سياسية غنيّة بعضها حديث في السياسة وبعضها مخفيّ ولم يسبق أن كشف عنه إلا لماماً. النائب السابق ونائب رئيس «تيار المستقبل» قبل أن يستقيل من التيار كان منتظماً في العمل الأمني في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتحديدا في العمل الخارجي الذي كان يديره وديع حداد الرجل اللغز والمخطِّط للكثير من العمليات الأمنية وخطف الطائرات. بعد انتقاله إلى دراسة الطبّ في الجامعة الأميركية وبعدما أصبح طبيبا مقيما أعجبته ظاهرة ميشال عون في العام 1988 فأيّده وتردّد إلى قصر الشعب في بعبدا قبل أن يشعر بالأسى عليه في 13 تشرين. بعدها تعرّف إلى رفيق الحريري وكان عمل في الولايات المتحدة الأميركية وظهر عنده التحوّل من اليسار المتشدّد إلى الليبرالية الإجتماعية. أعجبه الحريري الذي أتى إلى لبنان من ضمن مشروع إقليمي ودولي كبير. ومن هناك سيبدأ مسيرته في تيار المستقبل. علاقته مع الرئيس سعد الحريري شهدت تباينات بقيت مضبوطة حتى حان موعد الخلاف الكبير مع انتخابات أيار النيابية وخروجه من تيار المستقبل.عن هذه المرحلة يتحدّث علوش في هذه الحلقة الأخيرة من روايته السياسية.

 

هل التقيت الرئيس سعد الحريري بعد ترشيح العماد عون؟

 

– بعد موافقة الرئيس سعد الحريري على ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، التقينا في إطار المكتب السياسي الذي لم يكن يجتمع إلّا نادراً وقال لنا: «من هلّق ورايح ما بدّي حدا يناقشني. أنا رئيس التيار ومش كل واحد يطلع لي بفكرة شكل. كلامي بدّو يمشي». صفّقوا له. طلبت الكلام وقلت: «اسمح لي دولة الرئيس. هل حضرتك تدير شركة خاصة أم حزباً سياسياً؟ أي واحد منّا لازم يناقشك ويعارضك ويعطي رأيو. هيدا واجبنا تجاهك وهيدا دورنا. لسنا جمعية خيرية. نحن تيّار سياسي وممكن كل واحد يكون عندو طموح حتى لينافسك على الرئاسة ومش عيب نعبِّر عن رأينا». قال: «مش هيدا قصدي. ولكن إذا أخذنا قراراً في المكتب السياسي يُطبَّق القرار». بعدها لم يعد يجتمع المكتب السياسي.

 

بعد أزمته في المملكة العربية السعودية نصحته بعد عودته أن يبقى على استقالته. قلت له: هذه هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع من خلالها أن تنقذ زعامتك. قال: كيف؟ قلت له: «هيك بتخلص من عبء ميشال عون وبتخلّي الناس ترجع تلتفّ حواليك وما بتكون زعَّلت السعودية وبترجع تفتح الباب لتصحيح العلاقة». ولكن كان قد سبق السيف العذل. طلب مني أن أبقى إلى جانبه. ولكن ما عدت أذهب لعنده إلّا إذا هو طلب ذلك. كان يطلب منّي أن أخفف عن ميشال عون، ولكن لم أتمكّن من التخفيف لا عن عون ولا عن باسيل.

 

هل عرض عليك أن تكون وزيراً؟

 

– في العام 2016 بعد انتخاب عون كان يفترض أن أكون وزيراً. زرته فقال لي: «مصطفى بدّك تبيعني ياها». قلت له: هل هي ملكي؟ قال: «لأ لأنّو أبو العبد كبّارة صار كبير بالعمر وبدّو ينهي حياتو السياسية وهو وزير». قلت: أي وزارة؟ قال: العمل. قلت: أنا أصلا لا أذهب إلى الضاحية. قال: المرة الجايي انشالله.

 

في العام 2018 لم أكن أريد أن أترشح إلى الإنتخابات النيابية. راجعت حساباتي، إذا ترشّحت ممكن أن يسقط سمير الجسر. قلت له إنني لن أترشّح. زارني وشكرني. وقال هذا قرار حكيم. لم أتِ على سيرة الإنتخابات. رشّح ديما جمالي. قلت له إنها «مش ممكن تقلِّع». قال: بدّي ياها. تكلّف تشكيل الحكومة بعد الإنتخابات وطالت القصة نحو 7 أشهر. كل الكلام كان أنه سيكون وزيراً للصحّة أو الداخلية. كنت ألتقيه وأسأله: أنا شو؟ ويقول لي: ما في شي بعد. وكان يقول لبعض المحيطين به: ما بيقطع معي مصطفى. ما بدّي جيب حدا متل معين المرعبي. ليش؟ لأنو الإتفاق اللي كان صاير مع جبران باسيل ما بيمرق فيه مصطفي علوش. ولكنه لم يكن يقول لي ذلك. زرته قبل أسبوعين من تأليف الحكومة. قلت له: دولة الرئيس إذا مش قادر توزّرني خبّرني. قال: بعد ما في شي. سألت غطاس خوري. قال نفس الشيء. صار كلام أنّني سأكون وزيراً لشؤون المهجرين محلّ معين المرعبي.

 

اعتقدت إنها توجيهات سعد الحريري. قبل إعلان الحكومة بربع ساعة زرته. وصلت وكانت خارجة من عنده ريّا الحسن. سلّمت عليّ وقالت: sorry مصطفى. ما فهمت ليش. دخلت لعنده بقي واقفًا ينظر إلى الأرض. سألته: بدّك تقلّي شي دولة الرئيس؟ قال: لا. قلت: أبداً؟ قال: لا. قلت: الله يوفّقك. طلعت بالسيارة وتألّفت الحكومة. عبّرت عن امتعاضي وهجم علي الذباب الإلكتروني. حصل جدال بيني وبين باسم السبع الذي قال لي: شو رأيك تعمل نائب رئيس «تيار المستقبل» محلّي بدل الوزارة؟ أنت عم تكذّب، سعد الحريري ما وعدك بشي. قلت له: ما حدا بيشتريني وأنا لا أكذّب سعد الحريري إذا كان يقول ذلك. اعترضت بعدها عند الرئيس سعد الحريري وأوصلت إليه عبر «الواتس أب» أنني لم أعد أريده ولا أريد «التيار». وانقطعت العلاقة لفترة. تدخّل المفتي مالك الشعّار ورشيد درباس الذي قال لي: الرئيس سعد بحاجة لك ولا يمكن أن تتركه. قلت له: هو الذي تركني. كان يتحدث معي على الهاتف وكنت أتعشّى في مطعم مقابل بيت الوسط. سألته: شو المطلوب؟ قال: هو حابب يشوفك. قلت له: أنا مقابل بيت الوسط. بعد دقائق اتصلوا بي من بيت الوسط وقالوا الرئيس سعد الحريري ناطرك جوّا. كانت الساعة 11 ونصّ بالليل. دخلت أنا وزوجتي. استقبلنا وحكاني كلاما معسولا. قال: شهر العسل بيني وبين جبران باسيل موقّت وأنت أوفى الناس إلى جانبي ولا أنسى مواقفك. أنا بحاجة لك وما فيك تتركني. كانت لا تزال لدي سيارة مصفحة كان وضعها بتصرّفي، قلت له إنني سأعيدها إليه. طلب مني أن أحتفظ بها. وقال: يمكن تحتاجها. أخذ صورة لي معه ونشرها مع عبارة «مصطفى علوش رمز الوفا». ولكنّني كنت أرى أن الأمور تتدهور.

 

القطيعة ثم الاستقالة

 

بعدها أصبحت نائبا للرئيس سعد الحريري في تيار المستقبل ثم حصلت القطيعة واستقلت؟

 

– بعد انتفاضة 17 تشرين نزلت لعنده. قلت له: بترجّاك دولة الرئيس استقل. قال: لماذا؟ قلت: لأنو حاطّينك بالواجهة. أنت تتبهدل وهنّي بيحكوا من وراك. عمول الخطوة اللازمة. قال: اعطيني يومين. خرجت من عنده وقلت إنني نصحته بالإستقالة وأعتقد أنه سيستقيل. بالفعل عاد واستقال وكنت سافرت إلى أميركا. ولكن اعتقدت أنه سيعود إلى مرحلة النضال وليس إلى التفاهم من جديد مع باسيل وعون ليعود رئيساً للحكومة.

 

اقترح أن ننشئ هيئة رئاسة للتيار وأكون أنا نائباً للرئيس للشؤون السياسية. قلت: عال. زعلوا الذين كانوا في المكتب السياسي. اعتقدت أنه اقتراح جدي. كان أحمد الحريري وجماعته وأحمد هاشمية وجماعته. ولكن اعتبرت أنّني يمكن أن أكون في هذا المنصب لعلّنا نستطيع أن نفعل شيئاً. بعد فترة اكتشفت أنّ المسؤولية مجرد صورة. أرسلت له أول رسالة أنّني مستقيل لأنّني في مكان لا يحمل أيّ معنى. قال: لا أقبل. أنت من عظام الرقبة. بعد ستة أشهر أصريت على الإستقالة وحصلت القطيعة. وترشّحت إلى الإنتخابات واشتغلوا ضدّي وعملوا عليّ لعبة سياسية. كان عاد من الإمارات وأعلن تعليق العمل السياسي. وكان على أساس أن لا نخوض الإنتخابات. كنت أتراسل معه وكان يقول: «انتظر شوي وبكرا منفرجيهم».

 

لما رجع اتفقنا على أساس أن يستمرّ «تيار المستقبل» يشتغل بالإنتخابات ولكن ما حدا بيترشّح من التيار وعلى الأقلّ نشتغل عمل حزبي. قال بوعدكم بهالشي. في اليوم التالي أعلن الإنسحاب. راح ورجع في 14 شباط. قلت أتواصل معه لنعرف ماذا علينا أن نفعل. طلبت مقابلته. لم يردّ علي. أرسلت له أنّني مؤيد لمبادرة الرئيس فؤاد السنيورة. وسألته: شو رأيك؟ ما ردّ. قلت له: دولة الرئيس ما بيصير تنسحب من الحياة السياسية. قلّ لنا شو البوصلة؟ ما ردّ عليي. طلعت عالإعلام وأعلنت تأييد مبادرة الرئيس السنيورة مع أنّني لم أتحدّث معه في هذا الموضوع. بدأ الذباب الإلكتروني لتيار المستقبل يهاجمني. أرسلت له أنّني مصر على الإستقالة فقبلها. قلت له: أَعلِن ذلك. أَعلَنَها بطريقة مهذّبة.

 

لماذا ترشّحت للإنتخابات؟

 

– ما كنت أريد أن أترشّح نظراً للكلفة المادية. صار أحمد فتفت يتّصِل ويشجعني. حكى معي الدكتور إيلي خوري من «القوات» وأشرف ريفي وكلهم في الجو نفسه. كنت لا أزال أفكّر أنّني لا يمكن أن أقدم على أيّ خطوة قد تؤذي سعد الحريري. آخر شي حكى معي الرئيس السنيورة. قال: ما عندك خيار؟ قلت له: غير وارد لا أريد خوض هذه التجربة. في أحد الأيام اتصل بي أحمد الحريري وأحمد هاشمية. قالا إنهما يتّصلان من ابو ظبي. وين كانوا يعني؟ عند الرئيس سعد الحريري. قالا: نحن عم نحكي معك من أبو ظبي بدّنا ياك تترشّح. سألت: يعني الرئيس الحريري بدّو ياني أترشّح؟ قالا: ما في هو يقلّك هيك. نحنا عم نقلّك. قلت: هناك شروط. قالا: نحن جايين ومنسهّلك الأمور. اعتقدت أنهما يتحدثان باسم سعد الحريري. ولكن كانت لعبة قذرة منعت التفاهم مع «القوات» واللواء أشرف ريفي مع أن الأمور كانت ماشية. شكّلنا لائحة وعدد من المرشحين دفعوا مالاً وحصل عليه أحمد الحريري على أساس أنه سيشغّل تيار المستقبل به ولكنّه لم يفعل. باعوني برنامج عاطل. إجت التوجيهات بالآخر من عند سعد الحريري وأحمد الحريري ما حدا ينتخبني. انتهت العلاقة. حاول غطاس خوري أن يصلح الأمور. قلت له: إذا أردت تصحيح الوضع فعلى أمين عام «تيار المستقبل» أن يردّ المال الذي أخذه وأن تتمّ محاسبته. ما صار هالشي. أعلنت إنها كانت لعبة من سعد الحريري وليس من أحمد الحريري.

 

كنت ناوي أخرج بالكامل من العمل السياسي ولكن قرّرت أن أكون في «المجلس الوطني لمواجهة الإحتلال الإيراني للبنان» مع فارس سعيد وأحمد فتفت. الرئيس فؤاد السنيورة لم يقبل أن أخرج من الحياة السياسية. شخصياً حتى لو رجع سعد الحريري سأكون ضده.

 

تعتقد أنه سيعود؟

 

– كلا. عندما أتى رفيق الحريري إلى السلطة كان من ضمن مشروع دولي وإقليمي. ما هو المشروع الإقليمي والدولي الذي قد يعيد سعد الحريري؟

 

هل من الممكن استعادة الدور السني؟

 

– أكيد هناك إمكانية. ولكن ما حدا بدّو يستحي. ليش السنيورة مستحي؟ يطلع يتحرّك. أنا. أحمد فتفت. الناس اللي بعدهم موجودين. هالشباب اللي عندهم قدرة. معظم النواب اللي طلعوا ما بيمثلوا الناس. لا أعتقد أن المفتي يستطيع أن يجمعهم لأن كثيرين منهم يفكرون بمصالحهم الشخصية أولاً. بالمال وبالوزارة وبعضهم ناطر يبيع صوتو بانتخابات رئاسة الجمهورية.