IMLebanon

مصطفى علوش يروي (2 من 5)

استقلت من “الجبهة الشعبية” وتحوّلت من يساريّ إلى ليبرالي

 

للدكتور مصطفي علوش تجربة سياسية غنية بعضها حديث في السياسة وبعضها مخفيّ ولم يسبق أن كشف عنه إلّا لماماً. النائب السابق ونائب رئيس «تيار المستقبل» قبل أن يستقيل من «التيار» كان منتظماً في العمل الأمني في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وتحديداً في العمل الخارجي الذي كان يديره وديع حداد الرجل اللغز والمخطط للكثير من العمليات الأمنية وخطف الطائرات. بقي مع «الجبهة الشعبية» حتى العام 1983 بعدالإجتياح الإسرائيلي عندما بدأ يطرح تساؤلات حول جدوى العمل المسلح. بعد انتقاله إلى دراسة الطب في الجامعة الأميركية وبعدما أصبح طبيباً مقيماً أعجبته ظارهة ميشال عون في العام 1988 فأيّده وتردّد إلى قصر الشعب في بعبدا قبل أن يشعر بالأسى عليه في 13 تشرين. بعدها تعرّف إلى رفيق الحريري وكان عمل في الولايات المتحدة الأميركية وظهر عنده التحوّل من اليسار المتشدّد إلى اليبرالية الإجتماعية. أعجبه الحريري الذي أتى إلى لبنان من ضمن مشروع إقليمي ودولي كبير. ومن هناك سيبدأ مسيرته في «تيار المستقبل».

 

كيف تابعت تعليمك في الجامعة؟

– عندما أنهيت البكالوريا أردت أن أتابع تعليمي الجامعي. لم أستطع أن أتدبّر أموري المادية. حاولت الذهاب إلى العراق عن طريق حزب البعث. كان ردّهم أنّك لست حزبيًا ولم تنتظم معنا ويمكن إرسالك لدراسة التاريخ ولكن ليس الطبّ. قصدت الحزب الشيوعي أيضاً قالوا لي لست حزبيًا وعلى كل يجب أن تدفع 5 آلاف دولار مقابل المنحة. لم أستطع تأمين المبلغ. حاول أحد الرهبان الذين كنت أعرفهم من أيام المدرسة، تأمين منحة لي في بلجيكا ولكن عن طريق النائب وقتها طوني فرنجية. رفضت لأسباب سياسية فتوجّهت إلى الجامعة اللبنانية في الحدث وبقيت هناك حتى اندلعت حرب «الميّة يوم» بين «القوات اللبنانية» والجيش السوري. تركت ومشيت على خط التماس حتى ساحة البرج وقد تعرّض لي أحد الحواجز السورية، وذهبت من هناك إلى طرابلس. بعدها ذهبت إلى فرنسا مع شقيقتي التي تسجّلت لدراسة الطبّ في مونوبوليه وبقيت شهرًا وتسجلت في ecole de droit في تولوز وكانت هناك تسهيلات. اتصل بي والدي وقال لي إن الجامعة الأميركية في بيروت فتحت باب التسجيل بعدما كانت أقفلت فعدت وتسجّلت فيها لدراسة الطبّ.

«الجبهة الشعبية»إلى متى بقيت علاقتك بالجبهة الشعبية؟

– خلال هذه المرحلة بقيت على علاقة مع الجبهة الشعبية وقمت بثلاث مهمات تدريبية في بغداد. كنت أذهب الجمعة وأعود الأحد وأنقل تعليمات ومعطيات ومعلومات. كانوا يعتبرون أنّه لا يجب أن أقوم بمهمات تُعرِّضني للخطر المباشر وكوني في الجامعة الأميركية وأدرس الطب كان هذا الأمر يسهِّل حركتي. في اجتياح 1982 كنت في طوارئ مستشفى الجامعة الأميركية. بقيت في مخيم شاتيلا تحت الحصار نحو عشرة أيام. بعد خروج الفلسطينيين عدت إلى الجامعة قبل أن تحصل المجزرة. تجربة الإجتياح خلقت لديّ تساؤلات عن جدوى المواجهة المسلّحة. صرت أسأل: هل هذه هي الطريق الصحيحة والحقيقية لتحقيق الهدف والإنتصار على إسرائيل؟ لذلك تقدّمت باستقالتي ولكن بقيت علاقة الصداقة. كانت هناك رسائل أرسلتها إلى جورج حبش. مرّة طلب منّي عدم الإساءة إلى النظام السوري وأن أكون متساهلًا معه. رددت عليه برسالة منتقدًا «وزعلت بعدها لأنني زعّلته». كنت أحبّه كثيرًا ويبقى من الشخصيات التي احترمتها جدًّا.

 

اجتياح 1982

«انحطّ على راسي» عشرة آلاف ليرة بالجبهة الشعبية بطرابلس سنة 1976. حصل خلاف داخل الجبهة بين القيادة والجناح الخارجي وتحوّل إلى خلاف دموي. وقتها تمّ فصل وديع حداد والمجال الخارجي عن الجبهة الشعبية. حصل الخلاف مع اليساريين العقائديين في الجبهة الذين اعتبروا أنّه لا جدوى من العمليات الخارجية وأنّ هناك أموالًا تدفع لقاء هذه العمليات ولا تدخل ضمن حسابات الجبهة وموازنتها. واعتبروا أنّها صارت تخدم أجهزة مخابرات معيّنة وتقبض مقابل الخدمات مكافآت مالية وليس من خلال التنظيم. جورج حبش ووديع حداد بقيا محافظين على العلاقة حتى مرض جورج حبش ففصلت القيادة المؤقتة وديع حداد وحصلت اشتباكات وتصفيات سيئة على طريقة الكاوبوي لا أحبّ أن أتذكرها وبقيت بعيدا عنها. تركت الجبهة سنة 1983.

كيف عشت تجربة حرب طرابلس وسيطرة حركة «التوحيد الإسلامي» عليها؟

– خلال معارك طرابلس بين الجيش السوري والفلسطينيين بعد عودة ياسر عرفات إلى المدينة كنت في بيروت. تجربة حركة التوحيد الإسلامي عشتها بمساوئها. لم أكن أحبّ المجيء إلى المدينة. ما كنت أرتاح إلى الزيّ الأفغاني وراكبي الخيول. لم اقبل أن تكون مدينتي على هذه الصورة المتشددة. عائلتي انتقلت إلى المنية والضنية وربما كانت هذه من أسوأ التجارب التي مرّت على طرابلس. ولكنّني كنت متعاطفًا مع الفلسطينيين ضد النظام السوري. اعتبرت أن هناك تحالفًا موضوعيًا بين هذا النظام برئاسة حافظ الأسد وبين إسرئيل ضد ياسر عرفات والقضية الفلسطينية. ارييل شارون أخرج عرفات من بيروت والأسد أخرجه من طرابلس. قناعاتي السياسية بقيت يسارية ولكنني بدأت التحوّل نحو الليبرالية الإجتماعية. نظرتي إلى الحرب تغيَّرت. صرت أعتبر أننا كنّا كلّنا ضحية خصوصًا أنّ كل الذين قُتِلوا على الجبهات كانوا من أفقر الناس من الجهتين. أبناء القرى. كانت الحرب طائفية وكان ضحاياها من الفقراء الذين بدل أن يكونوا متضامنين مع بعضهم كانوا يقتلون بعضهم من أجل الأغنياء.

 

كيف تدبّرت أمورك المادية في الجامعة الأميركية؟

– كنت جدِّيًا في التعليم. انتقلت من برنامج فرنسي إلى برنامج أنكليزي في الجامعة الأميركية وسكنت في الحمرا وتعرفت إلى زوجتي في الجامعة. حاولت أن أنجح في مهنتي وأن أتعلّم وأكمل. سنة 1984 مررت بأزمة مادية. أصيب أخي في طرابلس مما أدى إلى شلله. توجهت كل مقدّرات العائلة لمساعدته ولعلاجه على مدى ستة أعوام. سمعت وقتها أن رفيق الحريري يقدّم مساعدات للطلاب قدّمت طلبًا وحصلت على منحة. ولكن بعد ذلك كان بعض من هم في مؤسسة رفيق الحريري في طرابلس يكرهون والدي فحالوا دون حصولي على منحة أخرى وكذلك منعوا أخوتي. ولكن لم أنسَ هذا الجميل. السنة التالية دفَعَت عنّي زوجتي ثم صرت أتقاضى راتبًا كطبيب مقيم واشتغلت كجراح حرب في مستشفى الجامعة الأميركية وصرت أعتبر الحرب الأهلية شرًّا مطلقًا.

لهذا السبب أيّدت ظاهرة العماد عون عام 1988؟

– عندما وصل العماد ميشال عون إلى رئاسة الحكومة العسكرية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل عام 1988 كنت من أشدّ المتحمسين له لدرجة أنّني عرّضت حياتي للخطر في «المنطقة الغربية» لأّنني كنت أدافع عنه تجاه حركة «أمل» و»حزب الله» وبدأت أتحدّث عنه كمنقذ.

هكذا تعرّفت إلى الحريري

 

كنت تعرفت إلى رفيق الحريري؟

– لم أتعرّف إليه في تلك الفترة. حصلت على المنحة الوحيدة فقط. نظمن تجمعًا للأطباء المقيمين بين الشرقية والغربية وكنّا نجتمع في مكان قرب نهر بيروت مع أطباء عونيين. حضّرنا مجموعات وطلعت أكثر من مرة على قصر الشعب حتى أتتني نصيحة من أستاذتي الدكتورة نهى السلطي «شو بدّك بهالشغلة». ما عدت طلعت. في هذا الجوّ كنت. اعتبرت أنه يمثّل الشرعية والدولة والجيش ضدّ الميليشيات وأنّ حربه مع «القوات» كانت كذلك. تحمّست له وزعلت عندما حصلت عملية 13 تشرين. قصة هروبه المذلّ غيّرت نظرتي إليه. تراجعت إلى الوراء. اعتبرت أنه لا يجوز أن يترك أهله وجيشه وناسه ويهرب بهذا الطريقة وأنه لا يستحق أن يكون قائدًا. انتهت هذه المرحلة. سافرت بعدها إلى أميركا حيث حصل عندي التحوّل من يساري متعصِّب إلى الليبرالية الإجتماعية خصوصًا بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين. بدأت أنظر إلى الشعب الأميركي بطريقة مختلفة. الذين اشتغلت معهم علّموني كيف تكون المهنية والتواضع وكيف يكون الصدق، وبعدما كنت عانيت كثيرًا مع أطباء واساتذة في لبنان كانوا فاسدين تعرّفت إلى نخب محترمة جدًّا. يهود وكاثوليك وبروتستانت… كلهم يتصرّفون معك كإنسان. يحترمون عملك ويعطونك بالمقابل على قدر ما تعمل وما تتعب وما تعطي. يحترمونك إذا كنت صريحًا معهم حتى لو كان رأيك ضدّهم أو انتقدتهم. نظرتي إلى العلاقات الإجتماعية والرأسمالية تغيّرت.

 

متى بدأت العلاقة مع رفيق الحريري؟

– عندما وصل رفيق الحريري إلى الحكم في العام 1992 اعتبرت أنه وقت العودة إلى لبنان مع أنّه كان لديّ عمل هناك. حصلت حرب 1993 في الجنوب وشعرت أنني بعيد من المواجهة. كان يأتينا مرضى من كل الجنسيات ونجري لهم العمليات ومن بينهم يهود وإسرائيليون. قلت لماذا لا أخدم أبناء بلدي؟ أكثر من ذلك، اتصل بي والدي وقال لي: هل تريدني أن أموت وحيدًا؟ قدّمت استقالتي وعدت. كانت هناك صعوبات أمامي لكي استطيع العمل في مستشفيات طرابلس. كانت التسهيلات تعطى أكثر لأبناء العائلات. صرت أعمل في مستشفيات عكار. عام 1994 قرّرت أن أردّ المنحة التي حصلت عليها من مؤسسة رفيق الحريري. ذهبت إلى مكتبهم في طرابلس قابلت المسؤول وقلت له إنني أريد أن أردّ المنحة و»أشكركم لأنّكم ساعدتموني». قال لي «هذه منحة وليست قرضًا». كان المبلغ 26 ألف ليرة ولم تبقَ له قيمة في ذلك الوقت. بعدها اتصل بي بلال حمد رئيس جمعية «متخرجي مؤسسة الحريري» وقال لي: «سمعت أنك تريد أن ترد المنحة التي حصلت عليها. هذه مبادرة جيّدة ومحترمة هل نستطيع أن نلتقي؟». أتى إلى طرابلس والتقينا. بعد أيام اتصل بي وقال إنّه أخبر الرئيس رفيق الحريري عنّي وسألني إذا كنت أحبّ أن التقيه. قلت له لي الشرف طبعاً. كان موعدي الساعة 8 صباحا في قصر قريطم. وصلت الساعة 7 ونص. كان المكان كخلية نحل. عجقة زوّار وناس. الساعة 8 وتلت حصل اللقاء بحضور بلال حمد. لم أجد فيه ذلك الرأسمالي الذي يريد أن يشتري الناس بماله ولا ممثل السعودية صرت أرى فيه المسؤول الذي يحمل مشروعًا. سألني عدة أسئلة وانتقدته في بعض الأمور. مثلًا قلت له إنه لا يمكنه أن يحلّ الأمور دائمًا من كيسه و»إذا كنت تعتقد أن الأمور بتمشي دايما بهذه الطريقة فأنت مخطئ لأن السياسيين في لبنان كلّما أعطيتهم كلّما طلبوا المزيد واعتبروا أن هذا عرف وحقّ لهم». انتهى اللقاء وقال لي «انشاء الله ستكون لنا لقاءات أخرى».

يتبع الجزء الثالث:

اغتيال الحريري هزّنا و8 آذار أحبطتنا

و14 آذار أنقذتنا

(الأربعاء 9 تشرين الثاني)