يوم الإثنين الفائت، أطلَّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، في الذكرى السنوية الثامنة «لاستشهاد القائد الجهادي السيد مصطفى بدر الدين (السيد ذو الفقار)»، كما نصَّت الدعوة. السيد نصرالله أسبغ على بدر الدين جملةً من الصفات المجيدة، فتحدَّث عن الأوسمة الحقيقية التي نالها السيد ذو الفقار: «وسام المقاتل في سبيل الله وأمته وأهله وشعبه، وسام الجريح، وسام الأسير، وسام القائد الذي يتحمل المسؤولية وصانع الانجازات والانتصارات، وختم الله له بالوسام الأرفع وهو وسام الشهيد»، «كما أننا نستذكره في مختلف مواقع وعمل المقاومة، في عملياتها والمفاوضات لتحرير الاسرى وتفكيك شبكات عملاء العدو الاسرائيلي والعدو التكفيري، وأخيراً في معركة سوريا».
لكنّ للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي حكمت في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، توصيفاً آخر لمصطفى بدر الدين، فهو، في نظرها، يُعدّ المتهم الرئيسي و»العقل المدبر» لجريمة اغتيال الحريري. وجاء في مذكرة توقيفه أنه «خطط للجريمة وأشرف على تنفيذها». وبعد اغتياله في دمشق، أعلنت المحكمة الدولية التوقف عن ملاحقته بعدما تأكدت من مقتله.
وفي السردية المغايرة للسردية التي قدَّمها السيد نصرالله، أنّ بدر الدين انخرط في تنفيذ هجمات عدة، طال أبرزها في عام 1983 السفارتين الفرنسية والأميركية في الكويت حيث اعتقلته السلطات هناك. وفي عامي 1985 و1988، تعرضت طائرتان واحدة تابعة للخطوط الكويتية وثانية تابعة لشركة خطوط جوية أميركية للخطف، وتغيير مساريهما. وطالب الخاطفون بالإفراج عن المدانين بالاعتداء على السفارات الأجنبية وبينهم بدر الدين الذي تمكن عام 1990 من الهروب من سجنه خلال الغزو العراقي للكويت.
لكلِّ من السرديتيْن عن مصطفى بدر الدين، الجمهور الذي يتبنَّى واحدة منها: جمهور «حزب الله» يتبنى سردية السيد نصرالله، ويعتبر بدر الدين «شهيداً»، وجمهور «تيار المستقبل» والمكوِّن السني في البلد، وغيره من المكوِّنات، يتبنون سردية المحكمة الدولية، ويعتبرون بدر الدين «قاتلاً»، وبين السرديتين بالإمكان تصوّر كيف كان الجمهور غير التابع لـ»حزب الله»، يستمع إلى كلمة السيد نصرالله وهو يمجِّد مَن يعتبرونه قاتلاً.
تطرح إشكالية السرديتين، التباين في توثيق الأحداث التي مرَّت، وكذلك الرموز لدى كلّ مكوِّن في البلد، فحالة مصطفى بدر الدين عيِّنة أساسية عن هذا الواقع، بدليل أن مكوِّنات رسمية تُظهِر انحيازاً واضحاً لسردية من السرديتين، مثال على ذلك أن رئيس بلدية الغبيري أعلن عن «درع خاصة باسم الشهيد (مصطفى بدر الدين) تقديرا لتضحيات الشهيد وخدمته للوطن. هذا الدرع سوف يُمنح مستقبلاً وبناء على توصية وقرار من مجلس بلدية الغبيري للأشخاص المتميزين بإنجازاتهم وعطاءاتهم. وتم تقديم الدرع الأولى إلى والدة وعائلة الشهيد السيد مصطفى بدر الدين خلال زيارة المجلس البلدي في الغبيري ومخاتير الغبيري الى منزل عائلة الشهيد».
بين «الدرع» و»أصابع الإتهام»، كيف سيدوَّن تاريخ لبنان؟