IMLebanon

“تكليف” دريان: “لبنان أولاً”

 

بأحرفٍ من ذهب تُسجَّل رسالة المفتي عبداللطيف دريان في مناسبة حلول شهر رمضان. وحبّذا لو يعتمدها البطريرك الراعي بعد أسبوعين “رسالة فصح” استثنائية لتضمُّنها كلّ عناصر الإرادة الصلبة والإيمان بـ”قيامة” لبنان. ثم، إن سيد بكركي لو شاء أن يضيف عليها لما وجد إلا مسألتي الحياد والمؤتمر الدولي، ولن يؤدي إلى تحقيقهما أو يغني عنهما إلا التكاتف والتزام إعلان سماحته باسم كل شعب لبنان: “انتهى زمن الخوف وانطلق وعد الثورة على المستبدين والفاسدين وسلاح الفتنة”.

 

شاملٌ ووافٍ ما باح به “مفتي الجمهورية” بعدما طفح الكيل من سلطة نعتَها بـ “الزمرة الفاسدة” ورسمَ خارطة طريق التخلص منها. لم يكن ينقصه سوى الإشارة إلى منظومة المافيا بالأسماء. وإن وضعنا مساهمة متواضعة في هذا الإطار، نقول: “مِن آثارهم تعرفونهم”، إنهم حرامية الأكثريات التشريعية والتنفيذية التي انقلبت على “اتفاق الطائف” منذ مطلع التسعينات، وتواطأت مع السلاح وضد السيادة بعد التحرير في العام 2000، ثم عاثت فساداً بالتكافل والتضامن مع حاكم مصرف لبنان ومصرفيين أوغاد.

 

يثير اجتماع البطريرك والمفتي على شعار “لبنان أولاً” الاحترام والتقدير. ففي الجملة الموجزة اختصار لسبب موت لبنان ولشرط قيامته في آن. وفي ضيق العبارة اتساع المعنى على امتداد المعاناة منذ تأسست دولة الاستقلال. وقلَّما تَطابقَ خطابُ أرفع موقعين دينيين ماروني وسني في تشخيص صادق وعميق كتطابق ما سمعناه في خطبة “لا تسكتوا” في 27 شباط 2021 في ساحة الصرح البطريركي، وفي “لن نسكت…” الصادرة من قلب عائشة بكَّار مع إطلالة هلال رمضان.

 

“كلّنا إلى الانتخابات”، قالها المفتي مرّة جديدة بالفم الملآن. وهو نداء استنهاض يدعم القيادات السنية التي اختارت المشاركة الفاعلة وعدم إخلاء الساحة للمتحالفين مع سلاح “حزب الله” تحت مجموعة مُسمَّيات، بقدر ما يشد عصب قوى التغيير التي ثارت في كل لبنان ضد سلطة نهبت البلد وأوصلت المواطنين إلى الهلاك. وإذ يورد الآية الكريمة “إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”، فإنه يرفع النداء إلى ما يشبه “التكليف الشرعي”، مقفلاً باب “الاجتهاد” في الاستنكاف على من أشاع روح الانهزام وفضَّل العبَثَ السياسي بديلاً من تحمل مسؤولية تاريخية موكلة إلى طائفة ـ أمَّة في اطار المصلحة الوطنية العليا.

 

موقفا البطريرك والمفتي الحازمان والمنحازان بالتمام والكمال إلى ثورة المواطنية ضد الفساد وإلى كلّ رافض للسلاح والمطالبَين بالإنخراط في الاستحقاقات الدستورية يصيبان في الصميم مافيا السلطة بتكويناتها جمعاء، ويحرجان القوى التغييرية كلها خصوصاً العلمانية الباحثة عن دور في الحياة السياسية عبر مئات الصفحات من التنظيرات. فما يسعى إليه رجلا الدين بترفع وفهم كامل لأسباب الإنهيار ووسيلة العلاج أوضح وأنقى وأرفع من البرامج “المدنية” كلّها لانتخابات 15 أيار، وهو برنامج 16 أيار أيضاً مهما كانت النتائج وبغض النظر عن أكثرية البرلمان. إنه المعيار الوطني لكل مؤمن بالقدرة على الخروج من حال الانحلال وبوجوب قيام الدولة.

 

“لبنان أولاً” هو “تكليف وطني” دائم كي يبقى لبنان.