IMLebanon

اتهامات متبادلة بالاختلاس والقضاء يتفرّج: أموال بلدية الحدت سائبة

اتهامات واتهامات متبادلة حول عمليّات اختلاس وسرقة أموال عامّة بين رئيس بلدية الحدت وأمين الصندوق فيها. يتهم الأول الثاني باختلاس 548 مليون ليرة، فيرد الثاني باتهام الأول بأنه ونجله وأعضاء آخرين في المجلس صرفوا مئات الملايين من صندوق البلديّة. هذه الاتهامات المتبادلة أعادت إلى الواجهة ملف الفساد المفتوح في هذه البلديّة منذ أكثر من عامين، والذي كان موضوع شكوى أمام النيابة العامّة الماليّة التمييزيّة. يومها تضمّن تقرير الخبير شبهات حول هدر الأموال العامّة، إلا أن الشكوى حُفظت!

تعترف بلدية الحدت بوجود عمليّات اختلاس أموال عامّة من صندوقها. المبلغ الذي كُشف عنه هو بقيمة 548 مليون ليرة، وثّقت البلدية العمليّة بإنذار أرسلته، عبر محاميها ربيع الخوري، في 8 آب الماضي، إلى أمين الصندوق في البلديّة، أنطوان يزبك، تحمّله فيه مسؤوليّة هذا النقص، وتطالبه بـ«إعادة كامل المبالغ والأموال المُختلسة، خلال مهلة أسبوع من تاريخ تبلّغ الإنذار، وإيداعها صندوق البلديّة، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونيّة كافة، الجزائيّة والمدنيّة والوظيفيّة».

ردّ يزبك على الإنذار الموجّه له، فأشار الى عمليّات اختلاس وهدر أموال عامّة مستمرّة منذ سنوات، تقدّر قيمتها بمئات ملايين الليرات، حصلت في عهد رئيس البلديّة جورج عون، معتبراً في كتاب الرد على الإنذار الموجه إليه أن اتهامه بالاختلاس هو «تلفيقات لتغطية الأعمال الشائنة، من سرقة أموال البلديّة، والتي كان يقوم بها أعضاء في البلديّة، في شكل متواصل، وبأمر من رئيس البلديّة شخصياً، عن طريق سحب أموال من الصندوق من دون أي مستندات، إضافة إلى تسطير فواتير وهميّة، وكلّها بغرض سرقة أموال البلديّة».

اكتشاف الاختلاسات!

تعود القضية إلى مطلع العام الحالي، ففي 24/1/2017 اضطر يزبك إلى التغيّب بداعي الاستشفاء، فتم الدخول إلى مكتبه، وأجريت جردة ماليّة، كشفت عن وجود نقص في الصندوق بقيمة 547.8 مليون ليرة. يقول عضو المجلس البلدي جورج حدّاد (وهو أحد المشاركين في الجردة) أن «البلديّة عيّنت أمين صندوق مؤقّتاً بديلاً لتسيير المرفق العام، فاكتشف وجود نقص في الصندوق، فتواصلنا مع زوجته وابنه لإعادة المبلغ، من دون نتيجة، وهو ما أدّى إلى إنذار يزبك في 8 آب الماضي، بوجوب ردّ المبلغ إلى صندوق البلديّة، قبل أن يتم ّرفع دعوى جزائيّة ضدّه أمام النيابة العامّة الماليّة».

يرد يزبك بأن ما حصل هو «تركيبة لتغطية ما يقوم به كلّ من رئيس البلديّة جورج عون، وأعضاء المجلس البلدي ج. ح. وز. ص. وف. د. من عمليّات مستمرّة لسرقة الأموال البلديّة، وتغطيتها بفواتير وهميّة، بعدما علموا أن بحوزتي كلّ المستندات التي تدينهم. فنحن أجرينا جردة على أموال البلديّة في نهاية عام 2016 مع المحاسب مارون كرم، وكانت الحسابات صحيحة وتم إبلاغها إلى المراقب المالي ورئيس البلديّة، علماً بأن هذه الجردة المزعومة غير قانونيّة لأنها تمّت بغيابي ومن دون وجود أي شخص من قبلي، ومن دون إذن من المحافظة أو وزارة الداخلية».

شاهد زور!

تعود الاتهامات بسرقة الأموال العامّة وهدرها في بلديّة الحدت إلى عام 2015، وهناك دعوى قضائيّة ضدّ البلديّة أمام النيابة العامّة الماليّة، حفظها النائب العامّ المالي، القاضي علي ابراهيم، بناءً على شهادة أمين الصندوق نفسه التي أتت لمصلحة البلديّة حينها.

يقول يزبك «أنا أعلم بكلّ السرقات التي يقومون بها منذ سنوات، وتحديداً منذ عام 2011، والتي كانت موضع شكاوى قضائيّة قدّمها روجيه لمع وهو عضو سابق في البلديّة، يومها أُجبرت على تقديم شهادات كاذبة. فأنا كنت مُجبراً على تنفيذ كل طلبات رئيس البلدية وكذلك قرارات الدفع الصادرة عنه، لأنني عبد مأمور، ولأنهم كانوا يهدّدونني بطردي من عملي. وإذا كنت مختلساً، فلماذا سكتوا عني طوال هذه الفترة؟». ويشير يزبك إلى أن «هناك مئات الملايين المسحوبة من صندوق البلديّة منذ ست سنوات، لقاء تنفيذ أعمال وجلب أغراض وهميّة، لا تقل الواحدة منها عن 30 مليون ليرة، وهذه المعلومات سأعرضها كلّها أمام النيابة العامّة الماليّة، من زينة عيد الميلاد، إلى دفع أجور عمّال لم يعملوا لمصلحة البلديّة، وصولاً إلى فواتير تغيير دواليب سيارات البلدية التي تصدر كل عشرة أيام، والأموال التي يطلبها الرئيس شخصياً من الصندوق، وفواتير التعهدات، وغيرها…».

يقول رئيس بلديّة الحدت جورج عون إن «كلّ الاتهامات التي تُساق بحقّي سببها الكيديّة والسياسة، ويخوضها عضو سابق في البلديّة وأحزاب مناوئة لخطّي السياسي». ويضيف عون «الحقيقة أننا حاولنا مراعاة ظروف أمين الصندوق أنطوان يزبك الصحيّة، وتواصلنا مع عائلته مراراً لإعادة الأموال العامّة إلى الصندوق البلدي، فوقّع ابنه على شيك لمصلحة البلديّة، كما أجرت زوجته وكالة قانونيّة بأموالها لمصلحة البلديّة أيضاً، كضمانة لحين إرجاع المبلغ كاملاً. لكنهم عمدوا لاحقاً إلى التنصّل من إعادة هذه المبالغ، فلجأنا إلى السبل القانونيّة والقضاء كوننا مؤتمنين على المال العام في الحدت. وهناك ملف كامل قدّم إلى القضاء مرفق بكل المستندات التي يحتاج إليها للقيام بتحقيقاته كاملة».

تقرير الخبرة: الهدر ثابت

في الواقع، تعيد هذه الواقعة التذكير بملفات الفساد في بلديّة الحدت التي أثيرت في عام 2015، والتي اتهمت رئيس البلديّة جورج عون باختلاس أموال عامّة، قدّرت وقتها بنحو 600 مليون ليرة أي ما يقارب 10% من قيمة الموازنة السنويّة للبلديّة، فضلاً عن القيام بعمليّات تزوير، كانت موضوع شكوى قدّمها عضو مجلس البلدية السابق روجيه لمع لدى النيابة العامّة الماليّة التمييزيّة. وهي بحسب لمع «تتضمّن ستة ملفات تتعلّق بإقامة حفلات وهميّة للمسنين، أعمال تعهّدات وهميّة تقوم بها مؤسّسة القهوجي، صفقة شراء زينة الميلاد من شركة أيانيان بفواتير مضخّمة وغير مسجّلة، صفقة شراء أدوات كهربائيّة من مؤسّسة مطر، وتقديم عروض وأسعار وهميّة بموجب ملفات إداريّة غير مستوفية الشروط».

بحسب تقرير الخبير داني بو هدير، الذي عيّنته حينها النيابة العامّة الماليّة للتدقيق بكلّ الوقائع الماليّة والمخالفات المذكورة في متن الشكوى، والإشارة إلى كلّ هدر أو اختلاس للمال العامّ، وبيان كيفيّة حصول هذه الأعمال وهوية القائمين بها والمستفيدين منها. يشير التقرير في خلاصته الى وجود مخالفات إداريّة وماليّة وأعمال وهميّة، ورغم ذلك، قرّر النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم حفظ الملف. ويتبيّن من التقرير الآتي:

1- أن بلدية الحدت لم تنفّذ حفلات لتكريم المسنين في أواخر سنة 2010 و2011، كما لا يمكن تحديد وجهة استعمال الأموال التي خصّصت لإقامتها والبالغة نحو 88.5 مليون ليرة، والتي صرفها أمين الصندوق لمصلحة عضو المجلس البلدي زياد صوما وليس إلى صاحب المؤسّسة التي تقول البلدية إنها تعاقدت معه لتأمين لوازم الحفلات.

2- القيام بتعهّدات واستئجار آليات وعمّال يوميين خلافاً للأصول المحاسبيّة والإداريّة والماليّة، بما يتضمّن هدراً للمال العام، وينطوي على صفقات وتلزيمات يتمّ إعدادها وتنفيذها وتسلّمها وتسديد قيمتها خلافاً للأصول. ووجود عروض أسعار محددة سلفاً ومطبوعة في البلدية بقيمة 112 مليون ليرة بأمر من مقرّر الأشغال عضو المجلس البلدي عبدو شرفان، بحيث يكون هذا المبلغ مدفوعاً بموجب قرارات مخالفة للأصول، وكذلك صرف أموال لأعمال لم تنفّذ.

3- عدم تقيّد البلديّة بتطبيق القوانين وتنفيذ الأحكام التي ترعى عمليّة عقد النفقة، عند التعاقد مع شركة «أيانيان» لشراء زينة الميلاد عام 2013 بقيمة 190 مليون ليرة، وذلك لناحية ضرورة تغطية المدفوعات بحوالات صرف، وعدم استخدام الحساب المصرفي الخاص بالبلدية لدى مصرف لبنان حصراً لتسديد مستحقاتها المالية من خلاله، إذ تبيّن أن حوالات الصرف الصادرة غير مطابقة من حيث تفاصيل الدفعات وتواريخها. كما لم يتوصّل الخبير إلى إمكانيّة تحديد من أين قبضت شركة أيانيان مبلغ 22.9 مليون ليرة من البلدية ومن دون حوالة صرف، وتسجيل دفعة بقيمة 18 مليون ليرة في حساب صاحب الشركة وليس في صندوقها، من بلدية الحدت، من دون أن تصدر الشركة إيصالاً بذلك، ومن دون أن تسجّل في محاسبة بلدية الحدت.

4- عقد نفقة مع مؤسسة مطر للأدوات الكهربائيّة بقيمة 19.8 مليون ليرة، في حين يفيد صاحب الشركة بأنه لم يوقع حوالة صرف، فيما سلّم البلديّة بضاعة بقيمة 3.9 ملايين ليرة فقط وقبض ثمنها نقداً من عضو المجلس البلدي عبده شرفان، خلافاً لما تظهره الحوالة.

ختم القضيّة

يقول رئيس بلديّة الحدت جورج عون إن «القاضي علي ابراهيم حفظ الدعوى المقدّمة، بعدما حقّق بكلّ الاتهامات التي أوردتها الدعوى وتقرير الخبير، علماً بأن المخالفة الوحيدة الثابتة هي المتعلّقة بملف حفلات المسنين التي لم تقم فعلاً، وكان روجيه لمع العضو المسؤول عن تنظيمها، إلّا أن الأموال التي خُصّصت لها وزّعت على شكل إعاشات على المسنين وهذا مثبت بفواتير قدّمت إلى القضاء، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الملفات الأخرى التي أظهرنا المستندات المتعلّقة بها، وتقرّر على أثرها ختم القضيّة. وتالياً إن الارتكاز على تقرير خبير بشكوى محفوظة، وربطه بما اكتشفناه اليوم من اختلاسات في صندوق البلديّة، أمر غير منطقيّ. وعلى الرغم من ذلك، نحن تحت القانون».