IMLebanon

كلاكما على حق

 

بوسع المراقب أو المواطن الذي قرف من قدرة السلطة على الارتكاب والمراوغة والاحتيال أن يعلن عجزه التام واستنكافه عن سماع اثنين من أبرز ممثليها يتهاجيان ويتفاضحان، معتبراً حديثهما غير جدير بالاهتمام وأن عنوان المسخرة هو استعادة المواقف المثيرة للغثيان بذات اللغة والأدوات. لكن الفرق جوهري هذه الأيام، واستخلاص العبر من تشاتم شركاء الصحن الواحد ضروري للمحاسبة على الأقل في صناديق الاقتراع كوننا حُرمنا منها في الشارع وعلى يد القضاء.

 

بلُغة المعلقين الرياضيين المحبَّبة، ما جرى بين جبران باسيل وعلي حسن خليل “مباراة غير ودية انتهت بتعادل سلبي”. لكن، بفَهم اللبناني المتابع ظهيرة يومين متتاليين للمحاضرتين العرمرميتين، فإن الخصام مفتعل أو “ما بيحرز” بين نظيرين يتشاركان في السلطة ومغانمها منذ سنوات طويلة، وتنخر عظامهما الاتهامات بالفساد والعقوبات الأميركية نفسها، سوى أن المعاون السياسي لرئيس حركة “أمل” ومجلس النواب مدَّعى عليه في جريمة النيترات ومطلوب للتوقيف، فيما رئيس الظل في بعبدا متهم من أكثرية اللبنانيين بالهدر واستغلال النفوذ، وبتزوير ارادة المسيحيين و”استخدام المزوَّر”، وبإيصال عهد عمّه وتياره الى حضيض الحضيض، من غير مذكرة جلب ولا خضوع لتحقيق أو تدقيق جنائي.

 

يندر في تاريخ النزاعات بين الأطراف والأشخاص أن يقع “سيف الخلاف” بين جهتين وتكون كل واحدة منهما على حق في المجمل والتفصيل. فما جرى على لسان باسيل بالعامية اللبنانية الميسَّرة في حق حليف حليفه لا يقل صدقاً عمّا نعته به خليل بفصاحة عربية ملفتة وإيقاع يأخذ بألباب مريديه ومناصريه من “الثنائي الوطني العروبي”.

 

هذه جولة سبقتها حفلات “ردح” مشابهة كان الحزب “ضابط الكل” يتمكن في نهاية كل منها من تضميد جراح المتلاكمين وعقد صلح سرعان ما يُنتهك، لأن الزغل أساسُه ولأن “حزازات الصدور” وتعفُّن “جبنة” الدولة وشراهة المتحاصصين تحول دون استمراره. لكن يبدو ان تزاحم الاستحقاقات في ظل التراجع الشعبي الواضح للتيار العوني، وتضاؤل حظوظ التوريث بفعل فشل العهد وولي العهد، وذهاب “الثنائي” في مطالبه حدَّ “قبع” المحقق العدلي عاجزاً عن تحقيق مقايضة ترضي باسيل، قلصت سطوة “وسيط الخير” على حليفيه اللدودين وصعَّبت إعادتهما الى “بيت الطاعة” أو الى مساكنة بالاكراه، خصوصاً أن صاحب البيت عليلٌ باستحالة التقاء متوازيَين: الولاء لمشروع المحور الايراني، وإبقاء الدولة متماسكة لخدمة هذا المشروع.

 

مؤسف ان اللبنانيين مضطرون الى متابعة أركان المنظومة يتقاذفون بأبشع الاتهامات ويغسلون أيديهم من المنظومة نفسها والارتكابات بدل المثول أمام المحققين، حتى ليظن المواطن الذي سقط في حفرة الإفقار ونهبت ودائعه وانهارت ليرته وهاجر أبناؤه وفُجّر مرفأ عاصمته، أنه مقترف تلك الجرائم ويتوجب عليه الاستغفار ودفع الكفَّارات والاعتذار من خليل وباسيل لأنه لم يتركهما يتابعان ممارسة السلطة و”الانجازات”.

 

مخطئ من رأى صورتَي خليل وباسيل وظن انهما يمثلان نفسيهما او فريقيهما فقط. هما خلاصة عقود ثلاثة دمرت الأمل بدولة قانون، وعصارة تحالف جهنمي لا يزال مراهناً على سذاجة كثيرين.