IMLebanon

ميقاتي و”الثنائي” واستراتيجية “الضوء الأخضر”… بالقطّارة

 

تُعتبر الحكومة اللبنانية أكثر جهة بعيدة من التأثير في أحداث الجنوب، ويمتلك «حزب الله» وحده «زرّ» الميدان. ويخوض الحرب وفق أجندته. وأضاءت الأحداث الجنوبية على ضعف الدولة اللبنانية وخطف قرارها الإستراتيجي، لذلك لا تستطيع الحكومة الحالية فعل أكثر ممّا تفعل.

 

لا يمكن تحميل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أكثر ممّا تحمله الحكومات اللبنانية. فهذه الحكومة أصلاً مبتورة في غياب العدد الأكبر من الوزراء المسيحيين، وهي حكومة تصريف أعمال وصلاحياتها محدودة على رغم تجاوز ميقاتي صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، خصوصاً في ظلّ غياب رئيس الجمهورية.

 

ويشكو المكوّن المسيحي، سواء المشارك في الحكم أي «التيّار الوطني الحرّ»، أو المعارض أو حتى المرجعية الروحية الأعلى التي هي بكركي من التفرّد بالقرار واتخاذ قرارات تضرب الميثاقية وتجعل البلاد تسير كأن وجود الرئيس أو غيابه سيّان.

 

ولا يزال الرئيس ميقاتي يستند إلى عضلات «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، وإذا كانت البلاد دخلت مدار خطر الحرب الكبرى وهناك مخاوف من توسّعها، تبقى إجتماعات حكومة ميقاتي أو القرارات التي تتّخذها إستنسابية، وليست في إطار تصريف الأعمال أو تسيير شؤون الناس.

 

وعلى سبيل المثال، هناك استحقاق إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية، ويبدو الإتجاه إلى تأجيلها مع أن الدستور واضح في هذا الإطار، ويسمح لحكومة تصريف الأعمال في ظلّ غياب رئيس الجمهورية بإجراء الإستحقاقات الدستورية واحترام المواعيد، وهذا الأمر لا يُعتبر خرقاً للمعنى الضيّق لتصريف الأعمال أو ضرباً للميثاقية في ظل غياب رئيس الجمهورية.

 

ما يتّضح من الصورة العامة، هو عدم قدرة حكومة ميقاتي على مجاراة التطوّرات الجنوبية، فقرار الحرب والسلم هو في يد «حزب الله»، وما كان يفعله ميقاتي هو التفاوض باسم «الحزب» قبل أن يسحب «الحزب» هذا الإمتياز.

 

يحاول ميقاتي الذي نجح في عقد جلسة حكومية أمس إمرار المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة فهو حتى لو اتّخذ قراراً كبيراً، لا تستطيع الدولة تطبيقه في الواقع بفعل قوة الأمر الواقع، وبالتالي يعطي «حزب الله» ميقاتي هامش القرار في بعض الملفات الصغيرة التي تُصنّف معيشية.

 

وتؤكّد مصادر وزارية من «الثنائي الشيعي» الثقة بإدارة ميقاتي للمرحلة رغم بعض الملاحظات، ولا يزال الموقف واضحاً بضرورة إجتماع الحكومة طالما دعت الحاجة، والغطاء من «الثنائي» مستمرّ لأنّ البلد لا يحتمل مزيداً من الفراغات. وتكشف المصادر الإستمرار في تأمين نصاب الجلسات الحكومية عندما يدعو ميقاتي، وهذا القرار متّخذ منذ مدّة. وظهر واضحاً في جلسة الأمس.

 

لا يريد «الثنائي» أن تتخذ الحكومة قرارات تزيد الإنهيار المالي، بل الإستراتيجية هي الإستمرار في ضبط الأوضاع ومنع سعر صرف الدولار من التفلّت، وبالتالي زاد تأثير «الثنائي الشيعي» على القرار المالي بعد سيطرته على وزارة المال ومن ثمّ حاكمية مصرف لبنان بعد تعذّر تعيين حاكم أصيل بدلاً من الحاكم السابق رياض سلامة.

 

تعيش الدولة اللبنانية أسوأ مرحلة من الإنهيار والتفكّك وفقدان الدور، وصار «حزب الله» المتحكّم الأول بقرار السلم والحرب، ومن ثمّ بالقرار المالي عبر حركة «أمل». ولا يمكن تقليص هذه السيطرة من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإعادة تكوين السلطة وفق منطق التوازن الوطني.

 

يواظب الرئيس نجيب ميقاتي على محاولته حلّ بعض الملفات المعيشية ودعوته الحكومة إلى الإجتماع عندما يمنحه «الثنائي الشيعي» الضوء الأخضر لعقد جلسة. ولم يستطع إتخاذ قرار بإقرار أي زيادة للمتقاعدين بلا موافقة حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ووزير المال يوسف خليل. ولا يمكن تأمين النصاب من دون مشاركة وزراء «حزب الله» و»أمل»، وبالتالي أمام الإعتكاف المسيحي والضعف الدرزي والتشرذم السنّي، نجح «الثنائي» في وضع ميقاتي تحت جناحيه، ولم يعد هناك من هامش للتحرّك إلا بما تفرضه إرادة «الثنائي».