IMLebanon

سعيدي لـ”نداء الوطن”: أطاحوا بمصداقية لبنان

 

“سمك، لبن، تمر هندي”…هذه كانت خلطة تعيينات الأمس الماليّة التي لم تكتفِ بعدم التناسق والعشوائية، بل تخطت ذلك بأشواط لتقضي على آخر باب لاستعادة الثقة دولياً، خصوصاً وقد ترافق ذلك مع “تطيير” ملف التشكيلات القضائية في سابقة جديدة على مستوى الرئاسة الأولى. حطمّت تعيينات الأمس لنواب حاكم البنك المركزي الأربعة، ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، كما وهيئتَي الأسواق المالية والتحقيق الخاصة بالإضافة الى لجنة الرقابة على المصارف، الأمل بأي مساعدة من صندوق النقد الدولي الذي كان واضحاً بطلبه من الحكومة أن تأخذ برأي الثوار والمجتمع المدني والمنتفضين ضد طبقة الفساد في البلد.

 

مرة جديدة، أثبت رئيس مجلس الوزراء حسان دياب ومعه وزراء حكومته مجتمعين عدم جديتهم في قيادة الإنقاذ المزمع. أثبتوا ولاءهم للطبقة السياسية التي أنتجتهم فرضخوا للمحاصصة.

 

وبحسب أوساط متابعة، بات من شبه المستحيل توقع أي مساعدة من صندوق النقد الدوليّ بعد فشل لبنان في البتّ في الملفات الإصلاحية العالقة وعلى رأسها التشكيلات القضائية وعدم مراعاة الشفافية المطلوبة في التعيينات المالية. وعن الموضوع، يشدد نائب حاكم مصرف لبنان السابق د. ناصر سعيدي على أنّ “ما حصل يؤكد أن السلطة السياسية تواصل عملها كالمعتاد رغم الاحتجاجات التي بدأت في تشرين الماضي. فلا نية صادقة أو رغبة في الإصلاح، وهو ما يشكل إهانة بحق الحراك ومطالبه وبحق الشعب اللبناني ومعه جميع الاصلاحيين”، مؤكداً أنّ ذلك “سيؤدي إلى تدمير أي مصداقية متبقية لحكومة حسان دياب دولياً فهي أثبتت افتقارها إلى الشجاعة لإجراء الإصلاحات المطلوبة”. وأضاف: “في الحقيقة، يطالب صندوق النقد الدولي وغيره من الجهات المعنية بالمفاوضات مع الجانب اللبناني بفريق عمل مستقلّ يكون بعيداً عن نظام مسايرة السياسيين وصَون مصالحهم الخاصة، وبعيداً من الدخول بالأسماء، أطاحت الآليّة التقليديّة التي اتّبعت في اختيار من سيشغل هذه المراكز بمصداقيّة لبنان دولياً، علماً أنّ حساسية الظروف الراهنة كانت تتطلب أشخاصاً مؤتمنين وكفوئين للقيام بالإصلاحات المالية المنتظرة أكان من صندوق النقد أم سيدر أم غيرهما من الجهات المانحة للبنان”.

 

ويلفت سعيدي إلى أنّ “إعادة هيكلة الدين العام ومعه ديون مصرف لبنان إلى جانب إصلاح القطاع المصرفي، تتطلب سلطة نقدية وتنظيمية مستقلة متحرّرة من براعم السياسة ومتخصّصة ذات خبرة وتقنية عالية في قضايا البنك المركزي”، ويتابع: “أضاع لبنان بالأمس فرصة تاريخية لإجراء إصلاحات في السياسة النقدية وتحديداً في سياسة تثبيت سعر الصرف التي أدت إلى انهيار اقتصادي ومالي ومصرفي وانهيار للعملة الوطنية وتضخم وركود خطيرَين، وكل ذلك في ظلّ الحاجة الملحة الى الانتقال لاعتماد أسعار صرف مرنة، ووقف هندسات مصرف لبنان المالية، والاتجاه نحو سياسة نقدية تهدف إلى محاصرة التضخم بدلاً من ربط سعر الصرف بشكل غير مستدام ومصطنع بتكاليف هائلة على الاقتصاد اللبناني”.

 

إذاً، شكّلت التعيينات المالية بالأمس إهانة لجيل من اللبنانيين المتخصصين والذين كان بمقدورهم تنفيذ اصلاحات عميقة لإنقاذ لبنان من التضخم وانهيارالعملة والسقوط المصرفي والمالي وصولاً إلى الفقر… والمجاعة. أكثر من 100 يوم انتظرها الشعب المنتفض حتى يشهد “انقلاب” رئيس الحكومة حسان دياب على نظام الفساد والمحاصصة (كما وعد في بيانه الوزاري)، بيد أنّّ محصّلة هذا الانتظار لم تُثمر سوى مزيد من اليقين بأنّ حالة “الفصام” مستحكمة بالأداء الحكومي بين الوعود والتطبيقات، وبين أرقام متخبطة قيل إنها تضرّ بالقطاع المالي، وبين من اختيروا لقيادة الإصلاحات المالية واختيارهم جاء بغالبيته وفق معيار المحسوبية لا الكفاءة.