IMLebanon

مأزق نصرالله في اليمن: فشل استخباراتي وحصار للحوثيين

الملك سلمان جمّد المشروع الإيراني في المنطقة

مأزق نصرالله في اليمن: فشل استخباراتي وحصار للحوثيين

ما بين «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» في اليمن، انتقلت الدول العربية والإقليم من حال إلى حال، وتبدّلت قواعد اللعبة، فاهتزّت أركان المشروع الإيراني في سوريا وبدأ يتعثر في العراق حتى داخل الحالة الشيعية.. مما جعل خطوة الملك سلمان بن عبدالعزيز بمثابة استعادة الروح للتضامن العربي، والبدء في تحرير العواصم العربية المستباحة من الهيمنة الفارسية.

سرّ أزمة إيران في اليمن

تلتقي المصادر المتوفرة المتابعة لحضور «حزب الله» في اليمن على أنه بعكس الضجيج الاعلامي لايران وحزبها فإن مشاركتهم الميدانية لا تكاد تذكر، وهي تقتصر على عدد محدود من النخب الاستشارية والتدريبية.

أما التدريب فهناك عدد محدود ايضا يسانده عدد من ضباط فيلق القدس الايراني، وبعد عملية الحزم اغلقت الابواب جواً وبراً وبحراً امام اي دعم لوجستي، ما جعل الإيرانيين يفقدون اتزانهم، لأنهم يرون حلمهم الذي بنوه طيلة عقدين من الزمن، ينهار بأسرع مما كانوا يتصورون.

أما تضخيم الحديث عن حضور الحزب، فيأتي في إطار حرب نفسية يظن نصرالله أنها تنجح مع المملكة، كما نجحت في سوريا عند أول تدخل لـ«حزب الله» في الحرب السورية، منذ سنتين تقريباً، تاريخ إطلالة نصرالله ليعلن دفاعه عن مقام السيدة زينب.

يومها، وبدون مبررات مقنعة، رأينا الثوار ينهزمون معنوياً، ويتقاتلون في ما بينهم، وبعدها كرت سبحة الانقسامات الداخلية والتقاتل، ونجح «حزب الله» في الحرب النفسية.

عندما أطلق «حزب الله» خطاباته النارية في ذلك الحين، لم يكن قد شارك في الحرب بفاعلية، لكنها كانت حربا نفسية، أوهنت الثوار في حمص، فانهزموا ظنا منهم أن جيشا جرارا قادم نحوهم، وأكملوا هزيمتهم في القصير ثم القلمون ويبرود.

أبعاد خطاب نصرالله

ما يفعله نصرالله في إطلالاته الإعلامية هو جزء من الحرب النفسية، تعويضاً عن خسارته لكاريزما الحوثي الذي لم يستطع أن يثبت حضوره في هذه الأزمة، كزعيم قادر على القيادة والمواجهة.

ومن أهداف الحملة السياسية الإعلامية لنصرالله، إضافةُ نكهة التهديد لإثارة المخاوف لدى المملكة العربية السعودية لعلها تتراجع، بالاستناد إلى السياسة السابقة للمملكة التي كانت تعتمد الخيار الهادئ في استيعاب الاستفزاز الإيراني.

ومن هنا تأتي أهمية دور السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري، عبر تصديه لخطاب «حزب الله»، وفي إعادة تصويب المسار، وتبديد غبار الحملات الإيرانية.

في كلمته الأخيرة، لم يقدّم أمين عام «حزب الله» أي إضافة في الملف اليمني سوى تكرار ما بات معروفاً من مفردات خطابه تجاه المملكة العربية السعودية، إلا ما جاء في كلامه من ادعاءات حول اتهام منظمات دولية حقوقية، للمملكة، بإحداث انتهاكات في اليمن، من دون أن يخبرنا عن طبيعة هذه المنظمات، متجاهلاً سلسلة المجازر التي ارتكبها الحوثيون في عدن وغيرها من مدن اليمن المنكوب.

انكشاف مشروع

التشييع الإيراني

من المرجح أن يكون مرجع الحوثيين الجعفري الاثني عشري عبد الملك الشامي قد لقي حتفه في انفجار صنعاء الكبير قبل «عاصفة الحزم»، فأوعزت إيران إلى الحوثي باجتياح عدن، ظنا منها أنها ستعوّض خسارتها للمرجع الشامي.

ومن هنا جاءت أهمية المفاجأة الاستباقية التي أحدثتها عملية «عاصفة الحزم».. فاستفاقت إيران صباح خميس «عاصفة الحزم» وحلمُها صار وهما، فانتقلت إلى المناورة السياسية للحصول على هدنة تسمح لأتباعها بالتقاط الأنفاس.

محاولات ايرانية

لقد أرادت إيران تخفيف التشنج والاشتباك الميداني مع المملكة في الجبهة السورية المشتعلة، ورأيناها تهادن وتدعو للحوار، ظنا منها أن تكون عملية الحزم «فشة خلق» سعودية عابرة، وتنتهي في بضعة أيام، لكنها صُدمت بالإصرار السعودي على استكمال عملية «عاصفة الحزم»، حتى تحقيق كل الأهداف التي أعلنتها القيادة السعودية، ولذلك أصبحت إيران في حالة ضعف ووهن، ولجأت إلى الشتائم بعد انعدام قدرتها على تغيير المعادلة وباتت في موقف المتفرج والمتكيّف معها.

تفاصيل الحضور الأمني

لـ«حزب الله» في اليمن

أصاب الرئيس سعد الحريري في رده على نصرالله كبد الحقيقة، عندما قال إن الأخير يتعامل مع اليمن وكأنه مسؤول شخصياً عن هذا الملف. فقد أقنع نصرالله فعلاً الإيرانيين بأنه يستطيع استنساخ حزبه في ذلك البلد الذي أنهكته حروب الحوثيين ومزّقه جنون علي عبدالله صالح.

وعلى هذه الخلفية تحوّلت ضاحية بيروت الجنوبية إلى مركز تدريب وإعداد تأهيل سياسي وإعلامي وأمني لكوادر الحوثيين الانقلابية، فانطلقت قناة «المسيرة» الحوثية من فضاء الضاحية، وبفريق رديف لقناة «المنار»، وتخرجت دفعات متتابعة من أتباع الحوثي في المجالات المختلفة، واستخدم الحزب مطار بيروت ليقيم جسراً جوياً طرفه الآخر مطار صنعاء، مستخدماً هيمنته الأمنية لإبعاد القيادات الأساسية عن الأعين الرسمية للدولة اللبنانية.

ولعل في دفن عبد الملك الشامي المرجع المعتمد لدى إيران في اليمن، في مقبرة الضاحية الجنوبية، أكبر دلالة على مدى الارتباط الوثيق بين «حزب الله» والحوثيين.

وقد ترجم «حزب الله» هذا الجهد في إنشاء حالة متطابقة مع نموذجه في لبنان، فاعتمد الحوثيون تسمية «أنصار الله»، وظهر عبد الملك الحوثي كنسخة طبق الأصل عن نصرالله في لبنان، من حيث طبيعة الظهور الإعلامي: شاشة عملاقة، رفع للإصبع، خلفيات إيرانية مصوّرة، بل وصل الأمر حد استخدام النوع نفسه من الميكروفون في الاستديو.

أما من حيث المضمون، فإن الحوثي اكتسب المفردات الاستعلائية والتهديدية ذاتها، فامتلأ فضاء اليمن بأفكار الفرض والإقصاء السياسي.. وميدانياً، نفذت عصابات الحوثي سيناريو الانقلاب وسيطرت بقوة السلاح على صنعاء، مطيحة بالعملية السياسية ومندرجات الحوار الوطني اليمني، حيث كان نصرالله يعتقد أنه يمكن أن يكرر نموذج انقلاب 7 أيار 2008 اللبناني في اليمن. 

وقد شكل «حزب الله» مجموعة عمل لإدارة المواجهة في اليمن، وحسب المعلومات المتوافرة، فإن الحزب اتخذ قراراً بإرسال مجموعات من المستشارين والنخبة من أجل تأمين دعم الحوثيين ومساعدتهم على المواجهة، والبحث جارٍ عن الطرقات والمسارات التي يتعين اتباعها لتأمين وصول هذه المجموعات.

وحسب المصدر، فإن القرار بإرسال هذه النخب يتضمن الإبقاء على سرية هذا التحرك وعدم الإفصاح عن الإعلان عن وجودها في اليمن، حيث للحزب مكتب تمثيلي، لكنه إداري، وليس له نشاط واسع.

الأرجح أن إيران و«حزب الله» لم يكونا يتوقعان إطلاقاً الانطلاق الاستباقي السريع لـ «عاصفة الحزم»، لذلك، فإنهم الآن في ورطة حقيقية، بسبب عجزهم عن تقديم الدعم لعملائهم الحوثيين، ولعل السبب الرئيس لهذه الغفلة الإيرانية، هو اطمئنانهم واغترارهم بالغزل الإيراني – الأميركي.

ولعل أخطر وجوه فشل حزب الله هو فشله المعلوماتي (الاستخباراتي)، حيث اعترف نصرالله أنه علم بـ «عاصفة الحزم» عبر شاشة التلفزيون.

بالمقابل، تعمل المملكة العربية السعودية بتوازن دقيق بين مستلزمات العمل العسكري وبين ضرورات الإغاثة والمساندة للشعب اليمني، ولذلك فإن مصير الهدنة الإنسانية هو بيد عصابات الحوثي، التي إذا لم توقف إطلاق النار، فلا يمكن التوصل إلى تلك الهدنة.

وَأَدتِ القيادةُ السعودية مشروع إيران في اليمن، وهي ستفعل كل ما يلزم لمنع إنباته بأي صورة من الصور، وجمدت تمدّد أذرع طهران في سوريا، وأحدثت إرباكات واسعة لها في الساحة العراقية، واستعاد العرب توازنهم المفقود منذ عقود، وبدأت رحلة استعادة دورهم ومكانتهم، بعد أن تحرروا من خيوط أميركا الوهمية ومن نمور إيران الورقية.