IMLebanon

رسائل نصر الله تُحيي العلاقة مع التيار… لكنها لا تبدّد الغيوم

 

لم يكن كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، في ما يخصّ العلاقة مع “التيار الوطني الحر”، يحتاج الى الكثير من التفسير أو التحليل. بذكائه وحنكته السياسية المعهودة صوّب نصر الله بوصلة الخلاف مع التيار محاولاً الحفاظ على علاقة لم تتصدّع رغم المطبات التي تعترض طريقها بين وقت وآخر.

 

وبالفعل، لم يتأخر “التيار الوطني الحر” في التقاط الرسائل، إذ أكّدت المعلومات أن اتصالاً حصل بين “حزب اللهً وقيادة التيار عقب كلام السيّد. وكشفت مصادر واسعة الإطلاع في التيار الوطني أن “كلام نصر الله كان موضع إصغاء تماماً كما يصغي هو لصوت التيار”، وقالت: “سال الكثير من الحبر في الأيام الماضية حول العلاقة بين الطرفين، ولسان حال التيار يقول مهما تباينت وجهات النظر في ملفات بناء الدولة فإن المراهنين على سقوط التفاهم أو العاملين على خط التفرقة والتحريض سيصابون مرة جديدة بخيبة أمل لأن ما بين التيار والحزب أعمق من أن تصل اليه يد التخريب”.

 

يأتي هذا الموقف بعد تصعيد لافت، وارتفاع في منسوب الاتهامات التي توجّه بها نواب التيار ومناصروه إلى “حزب الله” عبر الإعلام، ما اضطر السيّد نصر الله إلى الردّ عبر الإعلام أيضاً. بدا الأمر وكأنه محاولة إبتزاز لا يستسيغها “حزب الله”. وكما لكل حزب او تيار جمهور لا بد ان يتماهى معه، فلا يشكل “حزب الله” استثناء هنا، ولو أنه الأقدر على ضبط انفعالات جمهوره ومناصريه.

 

جردة حساب

 

أكثر من رسالة خصّ بها السيد نصر الله رئيس التيار جبران باسيل على مستوى التحالف الثنائي ومكافحة الفساد. شكل هذا المحور الشق الأهم والأبرز من كلامه من دون أن يلبي طموح الخصوم بكسر الجرة، بل حمل تأكيداً على مسلّمة تقول: “لا نسمح للخلاف بأن يؤدي إلى فرط التحالف”. هذا لم يمنع من التحذير بلغة ناعمة “لا نزال نتصرف بالعلاقة على أساس أن لها نفَسَاً وطنياً واخلاقياً ولذلك كل ما مرّ علينا من خلافات لم يؤد إلى تصدع”، والمفترض “أننا لسنا نسخة طبق الأصل”، لأن “التحالف المحترم يعني عدم وجود تبعية”، ناصحاً “القيادات السياسية بعدم الإنجرار إلى المواقف الخلافية”.

 

وكمؤشر الى فائض الانزعاج فتح الأمين العام “جردة حساب طويلة” مع رئيس “التيار الوطني الحر”، عائداً إلى موسم الانتخابات النيابية قبل عامين والخلاف الذي بدأ على توزيع المقاعد بين الحلفاء، ليعيد التأكيد من هذا الباب: “نحترم تحالفات حلفائنا وهم عليهم ايضاً احترام تحالفاتنا”، أي أنه يقول لحليفه: أنت لست الحليف الوحيد، ولن نتخلى عن حلفائنا لأجلك، ولن نقف على خاطرالعلاقة مع التيار على حساب مصلحة علاقتنا مع حلفاء آخرين.

 

وبمعنى آخر أكون معك حيث يمكن أن أكون. ولم يفته التذكير بيوم أعلن “حزب الله” تأييده للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، تحت ضغط قواعد التيار الوطني فتلقى لوماً على هذه الخطوة، ما يعني أن لا إعلان التأييد يرضيه ولا إلتزام الصمت، ما يضع الحزب في حيرة من أمره حيال التصرف معه.

 

إختلاف المقاربة

 

ثمة هوة في طريقة عمل كلّ من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”. كلاهما يعمل وفق أجندة مصالحه ورؤيته. ربما هي مسألة السباق مع الزمن التي تجعل التيار على عجلة من أمره لتحقيق انجازات تعوّم عهد رئيس الجمهورية، فيلقي بالملامة على “حزب الله” الذي لا يسانده في معركة مكافحة الفساد. معركة لكلّ منهما نظرته لخوضها. يريد التيار أن يضرب بسيفه مسجلاً نقاطاً لصالحه على هذا المستوى امام المجتمع الدولي، بينما يراها “حزب الله” معركة طويلة الأمد يلزمها المزيد من الوقت والتروي، والأهم فيها إزالة الألغام من الطريق قبل السير عليها خصوصاً وأن “المقاومة على رأس لائحة الاستهداف”، وهو لذلك طلب من حليفه “السماح للحزب بمحاربة الفساد على طريقته، وداخل الخطوط الحمراء”، معترفاً “لدينا فوبيا الحرب الأهلية وهذه مفخرة لنا”.

 

يدرك “حزب الله” أن الحرب على الفساد بالطريقة التي يريدها التيار قد تفتح على حرب أهلية حقيقية، وإلا من يمكن ان يتحمل وزر فتح ملفات قد تدين شخصيات وأحزاباً سياسية تحظى بحيثية طائفية. قالها السيد بصريح العبارة: “الأولوية لمعالجة الوضع الاقتصادي، أما محاربة الفساد فيلزمها وقت”.

 

تعويم باسيل

 

المتابعون لأساس التباين بين الحليفين يرون أن “حزب الله” لا يريد حرق المراحل، وإشعال البلد الذي لم يعد يحتمل أعباء اضافية وخلافات وتباينات. ويعتبر ان مسار تصويب الأوضاع شاق ويحتاج الى صبر وتأنّ، بينما يريد رئيس الجمهورية تعبيد الطريق أمام باسيل خلال ما تبقى من عهده وهو قالها في مجلس خاص: “هريوه بكير ولازم نعوّمو”. يعتبر عون ان لا وقت لتهيئة بديل عن باسيل، ولا توجد شخصية بديلة عنه أصلاً ويجب دعمه. ويتكل في ذلك على “حزب الله” في الخفاء، وفي العلن يعتبر ان مراضاة الأميركيين ضرورة ملحة لسببين:

 

الأول، أن تحقيق نتائج على المستوى الاقتصادي وإنجاح المفاوضات مع صندوق النقد يلزمهما رضى أميركي، ما يعني التسليم بالشروط الاميركية حكماً، ومن ضمنها مسألة ترسيم الحدود والابتعاد تدريجياً عن “حزب الله”. وينقل هنا أن السفيرة الاميركية دوروثي شيا خرجت من زيارة باسيل الأخيرة بانطباع مفاده ان رئيس التيار ينظم انسحاباً تدريجياً من العلاقة مع “حزب الله” لترتيب مستقبله الرئاسي، ويتخوّف من عقوبات اميركية تؤثر على وضعه مستقبلاً.

 

أما السبب الثاني، وبعد نكسة وقف التنقيب عن النفط في البلوك الرابع، لا يبدو ان شركة توتال وغيرها من الشركات تبدي حماسة للتنقيب بسبب تراجع سوق النفط. ولذا لا بد من التوجه صوب البلوك 9 و10، أي “خط هوف” حيث وجود النفط مضمون لنثبت للعالم ان لبنان بلد نفطي. ويفترض هذا الاتفاق مع الاميركيين على ترسيم الحدود، الأمر غير السهل في الوقت الراهن.

 

هذه الأجواء، مترافقة مع الهجوم المنظم لنواب “التيار الوطني” على “حزب الله”، ولّدت إنطباعاً لدى الكثيرين بأن باسيل يبحث عن ذريعة للابتعاد عن الحزب بناء على قراءة تولّدت لديه تقول إن ايران و”حزب الله” في حالة تراجع في المنطقة، وبناء عليه لا يجب حصر العلاقة مع “حزب الله” بل التوجه نحو الاميركيين. وبلغ هؤلاء حد القول ان باسيل تولى بنفسه وخلال اجتماع المجلس السياسي توزيع المهام على النواب لرمي الاتهامات. قراءات قد تتغيّر بعد كلام السيّد والاتصال الذي حصل ليبقى السؤال: إلى أين تتجه العلاقة بين الطرفين؟