IMLebanon

تناقضات في خطاب نصر الله لا تنتهي

 

 

لا أعرف لماذا استحضرت بعد مقابلة السيد حسن نصرالله، مقابلة أجريتها مع أحد أبرز قادة الأمن العراقيين وأكثرهم احترافاً، كان موضوعها معركة الموصل. فحين سألته عن القوى التي دعمت القوات العراقية للقضاء على «داعش» في الموصل وسائر العراق لم يتردّد بالقول إنّ قوات التحالف كانت سنداً أساسياً بالدعم الجوي والاستخباري، ساهم بإنجاح المعركة.

 

سبب استحضار هذه المقابلة بالتزامن مع كلام الأمين العام لـ»حزب الله»، عن نشأة «داعش» وريثة «قاعدة» الزرقاوي، يعود إلى أنّ السيد نصرالله الذي اعتاد الكلام مع رأي عام يظنّ أنّ الثقب في ذاكرته أبديّ ودائم، يتعمّد تحريف التاريخ الحديث والذي لم يكتب بعد، لاعتقاده أنّ الكلام مع جمهوره يبقى الأساس، وأنّ الاستهتار بذكاء خصومه قد يأتي بنتيجة في النهاية.

 

يقدّم نصرالله رواية نشوء «داعش» ودورها المشبوه، بانتقائية مسيّسة تجافي الحدّ الأدنى المقبول من المنطق، ويتعمّد تشويه الحقائق من فترة الولادة إلى النهاية، ويقلب الأدوار، فيصبح الأبطال أشراراً، وتختفي مآثم الأشرار، والأبرز منها، الخروج المسالم والسهل لكوادر وقادة «داعش» من سجني أبو غريب وصيدنايا، كي يشكّلوا نواة التنظيم الإرهابي الذي نجح بجدارة في تحويل ثورة سوريا إلى إرهاب، كما نجح في العراق في «دعشنة» السنّة، وأدلجة الشيعة واصطفافهم الى حين وراء الحماية الإيرانية.

 

من يسمع القادة الأمنيين والسياسيين العراقيين يتحدثون عن هروب قادة «داعش» من سجن أبو غريب، وكان ذلك في فترة حكم نوري المالكي، يدرك كم كان ذلك التهريب (لا الهروب) حدثاً محورياً يفترض أن يكتب فيه التاريخ عن مرحلة «داعش»، بالاستناد إلى فاجعة ومهزلة أبو غريب، حيث دخل مسلحون السجن، وأخرجوا بهدوء حوالى ألف مقاتل متشدّد، وانسحبوا في هدوء، وكانوا في ما بعد جزءاً من النواة الصلبة لـ»داعش».

 

يبتسم القادة العراقيون كلما سئلوا عن تلك الواقعة، فما لا يقال عن دور المالكي وأجهزته أكبر بكثير ممّا يقال، لكن الحقائق لم تكن مخفية، كما لم يكن مخفياً أنّ الاستثمار الايراني في «داعش»، قد بلغ ذروته، في التعاون عسكرياً وأمنياً مع الأميركيين في العراق، وهو ما فعله قاسم سليماني عن جدارة، في الموصل والأنبار، كما في حلب وباقي المدن السورية، وكلّ ذلك يناقض تأريخ نصرالله للأحداث حتى درجة الطلاق البائن.

 

لم تقتصر التناقضات المستعادة والمكرّرة في خطاب نصرالله على سرد روايات الإنتصار التي لا تنتهي، وعلى اختراع أحداث لتبرير كل ما يقوم به «الحزب»، كاختراع وجود نية لإسرائيل لشنّ الحرب في خريف 2006، ذلك لو لم يقم «حزب الله» بعملية الخط الأزرق. كذلك لم تقتصر بالأمس حين تمّ اختراع مهمات أسطورية لقاسم سليماني، تبدأ بمنع أميركا من السيطرة على المنطقة، ولا تنتهي بادّعاءات هي أقرب الى الخيال، في حين كانت إيران في حالة تكامل مع الدور الأميركي في المنطقة بعد العام 2003، سواء في أفغانستان أو في العراق الذي أبدت فيه قبل اجتياحه، كل الاستعداد للتعاون، وترجم ذلك بتركيب مجموعة مشتركة الولاء لأميركا وإيران، حكمت العراق لأكثر من عشر سنوات، فعن أية مقاومة عراقية يتحدث نصرالله.

 

لا تقتصر التناقضات على القراءة للوضع الإقليمي، بل تكتسب بعداً أشمل حين يتطرّق نصرالله للملف اللبناني. هو ليس تابعاً لإيران بل فقط يأخذ المال والسلاح والصواريخ من الجمهورية الإسلامية، وهو يعمل من أجل لبنان السيد المستقل، لكنّه جزء من محور المقاومة، وهو أخيراً لا آخراً، لا يريد رئيساً يحمي المقاومة، بل لا يطعنها في الظهر، هذا يعني أن السلاح يعلو على لبنان، وهو الأساس، كما يعني أن البؤس الممتدّ من الضاحية إلى الدورة، وصولاً الى عكار وبريتال وشبعا، مسألة فيها نظر، فالأولوية لحماية مشروع السلاح، وبعد ذلك فليكن الطوفان.