IMLebanon

خطاب نصر الله والأصداء الكبيرة

ترابط الجبهات ورقة قوة في إعادة بناء الشراكة في الشرق الأوسط!

لم يسبق لأي خطاب من خطابات السيّد حسن نصر الله – على أهميتها – من استجلاب ردود فعل آنية، ومستقبلية، كما كان شأن خطاب يوم الجمعة الماضي، لدى الأوساط اللبنانية، قيادات، وأندية سياسية، وتجمعات، وحتى أفراد، فضلاً عن الترقبات الجارية في الأوساط الدولية والإقليمية، والإسرائيلية بالتأكيد..

وبصرف النظر عن طبيعة ردود الفعل هذه، ما ظهر منها، وما بطن، فإن مردّ الاهتمام الزائد عن الحدّ، يرتبط على نحو وثيق، بالآفاق البعيدة التي ذهب إليها حزب الله في صراعات المنطقة، والصراع العربي – الاسرائيلي..

إن إحاطة موضوعية بسياق الخطاب، مكاناً ومناسبة، وجدول أعمال، والوقت الذي استغرقه، وامتزاج مفاعيل العاطفة مع المواقف العقلية، والإنسانية، جعل الأمر يحتاج إلى إعادة تشريح، لا تنطلق من اليوميات السياسية أو حتى الإعلامية، التي غالباً ما تحاكي ما يحصل على الأرض، بين الجماعات المتعاطفة مع المقاومة أو المتباعدة عنها، بل يتعيّن أن تنطلق من سياقات تتخطى الحدث اللبناني، بشهدائه، أو جماهيره، أو طبقته السياسية..

 [1] مسألة التشابه واللاتشابه مع الإعتداءات أو السياقات الأخرى لحرب حزب الله ضد إسرائيل أو اعتداءات إسرائيل على لبنان وحزب الله: لم يكن ثمّة لبس لدى قيادة حزب الله، بأن الصاروخ الذي أصاب موكب مقاتلي الحزب الستة، والمسؤول العسكري الإيراني، الذي سقط في العملية نفسها، هو إسرائيلي، وأن قيادة الجيش أعطت الأمر بإطلاقه، وبصرف النظر عن مستوى الإيضاحات التي قدّمتها إسرائيل، بالوسائط الديبلوماسية، فإن الجريمة واضحة، والضحايا واضحون، والمجرم واضح، والردّ يتعيّن أن يكون واضحاً..

إلّا أن الفرق أن الجريمة وقعت على أرض سورية، ولم تقع لا في الحدث (كما جرى عندما اغتالت إسرائيل الشهيد حسان اللقيس) ولا في عدلون أو أية قرية أو مدينة جنوبية، وهي لم تقع في سياق اشتباك أو حرب، بل هي عملية إغتيال أمني، لعناصر قيادية أو جهادية في حزب الله..

الثابت هنا أن لا تشابه بين عملية القنيطرة العدوانية وسائر الإعتداءات الأخرى، الأمر الذي أخرج الصراع عن حدود متعارف عليها، ولم تعد المقاومة الإسلامية في لبنان، محصورة الأهداف بالعمل المسلح لتحرير الأرض اللبنانية، بل تخطتها إلى أراضٍ جديدة، في سياق الصراع المفتوح مع إسرائيل..

ومن المفيد، في هذا المجال، التأكيد أن «LOGO» الإحتفال بتأبين الشهداء، أو نعيهم، جاء فيه على طريق القدس، أي أن الإستشهاد حصل من أجل القضية الفلسطينية..

 [2] الزمان والمكان: كرّر السيّد نصر الله في خطابه «التاريخي» مرات عدّة، مسألة الزمان والمكان، «فالحزب له الحق في الردّ على العدوان الإسرائيلي في أي مكان وزمان».. وجاء في خطاب الأمين العام لحزب الله «من حقنا الشرعي والأخلاقي والإنساني والقانوني وبالقانون الدولي، أن نواجه العدوان أياً كان هذا العدوان وفي أي زمان وكيفما كان»..

ومضى السيّد نصر الله قائلاً: «من الآن فصاعداً أي كادر أو مقاتل يُقتل غيلة سنحمّل المسؤولية لإسرائيل ولدينا الحق بالردّ في أي مكان وأي زمان وبالطريقة التي نراها مناسبة»..

ماذا يعني هذا التشديد؟

 هو يعني ببساطة أن أيّ اعتداء في الجولان، أو غزة، أو أي مكان آخر، يستلزم ردّاً من حزب الله، وهو يعني أن مقاومة الحزب لم تعد محصورة بالأراضي اللبنانية، مما يستتبع تجدّد النقاش الداخلي، حول طبيعة المقاومة، وهويتها، والاستراتيجية الدفاعية، وما شابه..

 [3] الترابط بين الجبهات: لأول مرة، تبدو جبهة الجولان، موضوعة على طاولة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان، على أمل أن تولد «مقاومة شعبية» مماثلة لها في سوريا، ولتحرير الجولان نفسه. فبعد غزة، وجنوب لبنان، يتقدّم الجولان السوري كمحطة من محطات المقاومة، في سياق العودة إلى بناء محور الطوق، ولكن هذه المرة، ليس من خلال الأنظمة العربية الرسمية، بل من خلال تحالف محور المقاومة، الذي يشكّل حزب الله رأس الحربة فيه، وتشكّل المقاومة الإسلامية في فلسطين «حماس» قوة ضاربة، بالإضافة إلى «الجهاد الإسلامي» وسائر فصائل المقاومة المسلحة، في غزة..

وبصرف النظر عن الأهداف الكامنة وراء ترابط الجبهات، أو استراتيجية محور المقاومة، في المرحلة الجديدة من الصراع مع إسرائيل، ليس حول الشعارات التاريخية، بل حول نقاط النفوذ والمصالح في الحروب الدائرة.. فإن الصراعات مع إسرائيل، تتعلّق على نحو كبير بطبيعة الجيوبوليتا المترتبة على إخفاق الربيع العربي، وتحوّل سوريا، التي كانت تقف على رأس المواجهة تاريخياً مع إسرائيل، إلى تركة تتصارع عليها الدول والجماعات، ليس بهدف تفكيكها، بل بهدف بناء منصات للنزاعات المقبلة في الشرق الأدنى..

ليس موقف خارج السياق، أن يُعلن الحرس الثوري الإيراني أن إيران، بعد «عملية شبعا» تعتبر نفسها ردّت على اغتيال العميد محمد علي الله دادي، بل إن ترتيبات المواجهة الجارية، تتجاوز، بالتأكيد، الملف النووي الإيراني، إلى رسم طاولة المصالح بين الدول الكبرى عالمياً، والدول الكبرى إقليمياً..

وعلى فرض أن مفاوضات النووي الإيراني تتحكّم بمفاصل سياسة ما قبل وما بعد التوقيع على الإتفاق المرتقب في حزيران المقبل، فإن طهران التي ما تزال تبني خط دفاعاتها بالسلاح الروسي، في ضوء الإشتباك بين الكرملين والبيت الأبيض على أوكرانيا الروسية الهوى، والسكان والجغرافيا، فتحت قناة اتصال واسعة مع إدارة باراك أوباما، قبل أقل من عامين من خروجه من الولاية الثانية كرئيس لأكبر بلد في العالم، والأكثر نفوذاً وتأثيراً في السياسات المالية والعسكرية والسياسية على الكوكب..

فليس من قبيل الصدفة، أن تتفهّم واشنطن تطورات الوضع في اليمن في ضوء تحكّم حركة «أنصار الله» برئاسة عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، في مجريات إعادة بناء السلطة وتقاسم الثروات والمنافع في بلد القبائل والمساحات الواسعة والغنية بالثروات البكر..

وليس من قبيل الصدفة أيضاً أن تتحفّظ إدارة الرئيس أوباما على زيارة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل للتحدث أمام الكونغرس..

ثمّة مرحلة جديدة في إعادة بناء الشراكة الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، والشرق العربي، وفي المقدمة دولتان: الولايات المتحدة وإيران..

وفي المرحلة هذه، يُعاد ربط الجبهات المتقاتلة لإبعاد تأثيرات إسرائيل واللوبي الصهيوني عن العملية الجارية، بالدبلوماسية حيناً، وبقوة الحديد والنار حيناً آخر.. ولا بأس أن يلعب النفط واليورو وسائر العملات الأجنبية دوراً في حرب بناء الشراكة الجديدة؟