IMLebanon

خطاب نصرالله إنعكاس لتفاهمات أم مقدمة لها؟

بمقدار ما لاقى اللبنانيون خطاب الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله بارتياح الى ما تضمنه من مؤشرات ايجابية في الداخل ومن مؤشرات قوة في مواجهة التهديدات الاسرائيلية، قابلت إسرائل هذا الخطاب بقلق متصاعد عبّر عنه مسؤولون وخبراء وصحافيون أجمعوا على انه لا يجوز الاستخفاف بخطاب قائد المقاومة اللبنانية.

لقد بدأت التعليقات الاسرائيلية على خطاب السيد نصرالله منذ اللحظة الأولى لانتهائه، واحتلت فقرات منه الصدارة في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، ولمس الاسرائيليون من خلاله أنّ كل مراهناتهم على إضعاف حزب الله بعد تدخّله في سوريا قد باءت بالفشل، وانّ المعارك التي خاضها الحزب ويخوضها في الاراضي السورية لم تكن أكثر من مناورات حيّة ازدادت معها خبرة الحزب القتالية وقدرته على السيطرة على مناطق بكاملها، وعلى إخلاء قرى وبلدات من المسلحين الأشداء، وهو ما يجعل احتمال توغّل مقاتلي الحزب في عمق الشمال الفلسطيني المحتل احتمالاً جدياً بعد أن انتقلت الخبرة القتالية للحزب من الدفاع الى الهجوم.

ولعلّ دروس الحروب السابقة في جنوب لبنان عام 2006 وفي غزة عام 2008 و2012 و2014 قد أظهرت في وضوح محدودية القدرات الاستراتيجية للجيش الاسرائيلي، كذلك أظهرت هشاشة الجبهة الداخلية، خصوصاً في المستوطنات التي سارع أهلها الى إخلائها بعد ايام على بدء حرب الـ50 يوماً في غزة، فخرج الاسرائيليون باقتناع أنّ هؤلاء المستوطنين الذين زُرِعوا في محاذاة قطاع غزة لحماية الكيان الاسرائيلي قد باتوا هم الأكثر حاجة الى حماية الكيان لهم.

وإذا أضفنا الى المخاوف التي أثارها السيد نصرالله في خطابه الاخير ما يجري في القدس، وتحديداً في المسجد الأقصى من مواجهات تأخذ أشكالاً مختلفة، نستطيع أن نفهم حجم قلق الاسرائيلي على مستقبل كيانه الذي قدّم نفسه للعالم ولليهود في كل مكان أنه الدولة الأكثر أمناً، فإذا بأمنها الداخلي اليوم يهتز، وإذا بأمنها الخارجي على الحدود مفتوح في كل الاتجاهات.

امّا ارتياح اللبنانيين الى خطاب السيد نصرالله، فنابع من أنّ السيّد نصرالله قد أزال شبح التهديدات الاسرائيلية عليهم وفتح الابواب على مصارعها لانفتاح كامل على خصوم الأمس واليوم السياسيين، فحَيّاهم طرفاً طرفاً، ومرجعية مرجعية، ولم يكن ينقصه سوى أن يعدد أسماءهم إسماً إسماً.

لم يكن الارتياح وحده الى خطاب السيد نصرالله سيّد الساحة في لبنان، على أنه للمرة الاولى لا تنبري أصواتٌ من الطرف الآخر للرد عليه والتشكيك بنيّات أصحابه، ولكن ذلك لم يمنع من إثارة بعض التساؤلات حول خلفية هذا الانفتاح، وهل هو انعكاس لتفاهمات اقليمية، خصوصاً بين الرياض وطهران، أم أنه مقدمة لمثل هذه التفاهمات؟

بل انه ثمرة مراجعات جرت في هاتين العاصمتين الاقليميتين الكبيرتين في ضوء تطورات داخلية واقليمية ودولية، حيث أدرك الجميع انّ الاستمرار في لعبة عضّ الاصابع لن يكون في مصلحة أحد، وأن الفريق الذي يملك أوراق ضغط في هذا المجال يواجهه فريق آخر بأوراق ضغط في مجالات أخرى.

فإذا كان الايرانيون وحلفاؤهم مثلاً قد حققوا انجازات تحدّث عنها السيد نصرالله ووصفها بأنها ممتازة، فإنّ تراجع أسعار النفط مثلاً الى ثلث ما كانت عليه يشكّل ضغطاً كبيراً على ايران وعلى حليفتها روسيا، ما يؤكد أنّ لكلّ طرف سلاحه وأنّ على الجميع إذاً أن ينتقلوا من مرحلة الشد المتبادل الى مرحلة الاسترخاء المتبادل.

فهل ينجح خطاب السيد نصرالله في إشاعة أجواء الاسترخاء المطلوبة محلياً واقليمياً؟ أم أن لعبة إبقاء المنطقة في الأتون الدموي ما زالت أقوى من كل المبادرات؟

الاتفاق على التمديد لمجلس النواب، على رغم كل الاعتراضات عليه، يعكس حال الاسترخاء هذه، ولكن استمرار الخلاف على الانتخابات الرئاسية يوحي أنّ من يَشُد الحبال ما زال موجوداً وبقوة.

البعض رأى في خطاب السيد نصرالله مقدمة لتسوية سياسية، خصوصاً حين أحال نصرالله الجميع الى التفاهم مع حليفه رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون الذي أعلن رسمياً تبنّيه مرشحاً لحزب الله وترك له قرار الاستمرار في المعركة والوصول الى تسوية يكون فيها زعيم «التيار الوطني الحر» هو الناخب الاكبر.

ويعتقد هذا البعض أنّ لبنان هو أمام مسارين للانتخابات الرئاسية، أولهما تسوية تفضي الى توَلّي عون الرئاسة الاولى والرئيس سعد الحريري الرئاسة الثالثة، فتقبل الرياض هذه الصيغة. وثانيهما الاتفاق على مرشح تسوية من بين زوّار الرياض أخيراً، بما فيهم قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي ذهب الى العاصمة السعودية ليوقّع صفقة الهبة السعودية للجيش اللبناني في مهمة أناطها الدستور عادة برئيس الجمهورية، وفي حال غيابه للحكومة مجتمعة، فإذ بقائد الجيش يتجاوز كل هذه الاعتبارات بما يوحي أنه بات بعد معركة طرابلس والشمال الرئيس الفعليّ للبلاد، علماً أنه كان قد التقى، قبل سفره، السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في إشارة الى انّ لبنان يحتاج عسكرياً في معركته لمكافحة الارهاب الى الهبة السعودية والى التنسيق مع دمشق.