IMLebanon

المجلس الوطني: دقّت ساعة الديموقراطية

هل تجوز تسميته بالحزب الكبير، أم أنه الاطار التنظيمي لأكبر حركة سياسية عرفها لبنان في تاريخه المعاصر؟ إنه المجلس الوطني لقوى «14 آذار» الذي سيولد مساءَ اليوم من رَحَم المؤتمر الثامن لهذه القوى في الذكرى العاشرة لانطلاقتها.

وُلد هذا المجلس قيصرياً، بعد سبع سنوات من إطلاق فكرة تأسيسه على يد الدكتور فارس سعيد. يومَها لم تكن الظروف مهيّأة لانشائه، وتكرّرت المحاولة في العام 2011، لكنها فشلت ايضاً الى أنّ أبصرت النور في الذكرى العاشرة لـ 14 آذار. لم تكن ولادة هذا المجلس سهلة، فقد استلزم انشاؤه اتصالات حثيثة بين مكوّنات 14 آذار، ولا سيما منها الحزبية، فأجرت الامانة العامة هذه الاتصالات مع الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع وحزب الكتائب، وأثمرت اعلاناً مبدئياً عن إنشاء «المجلس الوطني» في الخلوة التي عقدت في مجمّع «البيال»، على أن تُستكمل اليوم في المؤتمر المركزي لـ 14 آذار الذي سيشهد الولادة.

لن يكون هذا المجلس الوطني مجرّد نزهة سهلة، فطبيعة تكوينه تحمّله مسؤوليات كبيرة، فهو مؤلَف من تعدّد طائفي ومذهبي ومناطقي غير مدروس، بمعنى أنه لا يخضع لأيّ قيد أو توزيع طائفي، هو ببساطة مجموعة من الشخصيات والاحزاب والناشطين الذين قرّروا أن يكونوا مجتمعين في إطار جامع، وأن يتكلّموا لغة العيش معاً، انطلاقاً من وهج اللحظة الاولى التي وُلد فيها لقاء 14 آذار، أيْ لحظة 14 آذار 2005.

لن يكون هذا المجلس نزهة سهلة، لأنه يشكل أوّل تجربة ديموقراطية حزبية في لبنان، فقد بات من المسلَّم به، أن يكون رئيس هذا المجلس، أو أمينه العام، كما لجانه وهيئاته، منتخبين جميعاً من القاعدة، أيْ من الهيئة العامة للمجلس، التي تشمل مئات الاعضاء.

كما أنّ هذا المجلس لن تكون رحلته سهلة، لأنه سيفرض على نفسه تمويلاً ذاتياً، يعطيه استقلالية وهامش مناورة ليس موجوداً لدى أيٍّ من الاحزاب اللبنانية، وهذه المسألة تكتسب أهمية كبرى، لأنها تفعل عمل المجلس، وتؤكد حريته في المراقبة والمحاسبة، وتعطيه دفعاً في تخطيط السياسات الـ 14 آذارية، وفي تفعيل الاقتراحات والتوجّهات التي ستوضع على طاولة قيادة 14 آذار.

بعد الولادة القيصرية، سيحين أوان الممارسة وكيفية ترجمة عمل المجلس وتفعيله. سيتركّز دورُ اللجنة التي ستضع النظام الداخلي للمجلس، والتي ستأخذ وقتاً لن يكون طويلاً لاعداد هذا النظام، على صَوْغ آلية تنظيمية مرنة تأخذ في الاعتبار قوة الاحزاب وحضورها، كذلك حضور المستقلين، وطريقة التفاعل بين المكوّنَين.

كذلك سيكون على عاتق هذه اللجنة، أن تنشئ النظام الداخلي، وآليات انتخاب الرئيس، واللجان وأمناء السر، وهيئات المجلس كافة، خصوصاً هيئات الاغتراب التي يعوّل عليها كثيراً نظراً لقوة مؤيّدي «ثورة الاستقلال» في المهاجر.

في اختصار، سيكون لقوى «ثورة الاستقلال»، مجلس وطني فريد من نوعه، لم تشهد الحياة السياسية في لبنان مثيلاً له، لا في تنوّعه الطائفي، ولا بحجمه العابر للمناطق والاحزاب، ولا في قدرته على إعطاء المثال على تجربة العيش الواحد، كذلك على تجربة الديموقراطية الحزبية، التي كانت منذ تأسيس لبنان رمزاً لضعفه وقوّته.

وسيكون للبنان حركة سياسية منظَّمة على قياس واقعه التعدّدي، قادرة على إعطاء الجواب الصحيح، وسط لغة العنف والموت التي تعصف بالمنطقة العربية والعالم. هذا الجواب ربما يكون النموذج الوحيد في العالم المكوَّن من التقاء إسلامي مسيحي متفاعل ومصمّم على مواجهة لغة الاصولية والتطرف ونزاع الحضارات، تكفي جردة سريعة من المحيط الى الخليج، من الشرق الى الغرب، للتأكد بأنّ ما سيولد اليوم، ليس مجرد مجلس وطني محليّ ضيّق، إنما هو تجربة فريدة سبّاقة، تشكل الرد السلمي المناسب، على كلّ ما يهدِّد السلامَ والأمنَ في لبنان والمنطقة: إنه نموذج الغد.