IMLebanon

سيناريوهات سلبية تنتظر لبنان؟

يعتقد البعض أنّ التهويل الذي عبّر عنه إقتصاديون وسياسيون نابعٌ من يأسٍ شخصي أو لأسباب تتصل بالنزاع الداخلي، لكنّ بعضاً منه قريبٌ من الجدّية. فإذا إستمرت المملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج ماضية في حربها على حزب الله بـ «وقود لبناني» ستكون البلاد على موعدٍ مع سيناريوهات سلبية لا يمكن تقدير أضرارها من الآن. كيف ولماذا؟

أمام مسلسل الإجراءات العقابية المتدحرجة التي تتخذها المملكة العربية السعودية ومعها مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي إزاءَ المواقف اللبنانية في المؤتمرات الأخيرة تزامناً مع الحملة غير المسبوقة التي يشنّها «حزب الله» على المملكة وحلفائها، لا يمكن أيُّ لبنانيٍّ أن يغفل إمكان أن تطاول هذه الاجراءات أكثر من فريق ووجهة سياسية وحزبية لا سيما الحلفاء التاريخيين لها في لبنان بالإضافة الى مؤسساته العسكرية والأمنية بالدرجة الأولى وهي في عزّ المواجهة المفتوحة مع الإرهاب على الحدود وفي الداخل.

وأمام هذه الوقائع السياسية المتسارعة يظهر معظم اللبنانيين من مختلف المواقع الرسمية والحزبية والوطنية عاجزين عن فهم المقاصد السعودية وتلك المتضامنة معها بدليل الخلاف الناشب في الداخل اللبناني والخارج الإقليمي على تقويمها وتفسير أهدافها ومراميها كما بالنسبة الى ما هو مطلوب من لبنان لمعالجة الوضع واستعادة العلاقات الطبيعية التي كانت قائمة بين لبنان والمجموعتين العربية والإسلامية.

ما هو واضحٌ ومعلن الى الآن أنّ ما بُني من مواقف قاسية بحقّ لبنان واللبنانيين إنما جاء على خلفية مجموعة الأحداث المتزامنة في اليمن والبحرين وصولاً الى العراق وسوريا وما يمكن أن تكشفه الأيام المقبلة من «شبكاتٍ» لحزب الله يُقال إنها شُكلت لإثارة الشغب في عدد من الدول كالمملكة والكويت والبحرين عدا عن المشاركة الفعلية في أحداث اليمن تسليحاً وتدريباً كما في دول عربية وإسلامية أخرى تخوض مواجهة قاسية ومضنية مع ما تسميه «التمدّد الإيراني» في مجتمعاتها، عدا عن السعي الى «تشييع» المسلمين السنّة في هذه الدول وإلحاقها المحور الإيراني.

وفي النظرة الى خلفية الإجراءات الجديدة بما فيها تلك التي لجأت إليها دول مجلس التعاون الخليجي سلسلة من المآخذ التي تتصل بمحاولة حزب الله «وضع اليد» على المؤسسات الدستورية في لبنان نتيجة تعطيل الإنتخابات الرئاسية لتتحوّل هذه المؤسسات وسيلة لتطويع سياساتها مع ما يخدم المحور الإيراني الخارج للتوّ من نطاق الحصار والعقوبات الإقتصادية الى رحاب الدولة النووية ومعها حلفاؤها الإقليميون وأبرزهم حزب الله الذي تجاوز في أدواره السياسية والعسكرية والإعلامية والأمنية الإستخبارية كلَّ المؤسسات الدستورية في لبنان امتداداً الى خارج الحدود الى أن بات «رأس الحربة» لهذا المشروع.

وكلّ ذلك يجري بعدما أُصيب أبطاله الآخرون في دمشق وبغداد بالوهن والعجز الكلّي عن إدارة ملفاتهم الداخلية وحماية حدودهم ومدنهم واضطرار إيران الى تسليم ملفاتهم الى موسكو لتدير المواجهة بآلتها العسكرية وقدراتها السياسية والديبلوماسية والإقتصادية المتوافرة.

ومن هذه النقطة بالذات تنطلق السيناريوهات السلبية التي تتحدّث عن مستقبل الوضع في لبنان بعد الإجراءات العقابية التي فوجئ بها اللبنانيون في زمنٍ لم يهضموا فيه ولم يستوعبوا بعد، ترددات الأزمة السورية التي ألقت بثقل أزمة اللاجئين السوريين والفلسطينيين على أراضيه بما لا يمكن أيّ دولة في العالم استيعابه مهما عظمت قدراتها. فيما قدراته الإقتصادية متواضعة وبُناه التحتية قاصرة وقدراته المالية والتربوية والصحّية محدودة ومساحته الجغرافية صغيرة تضيق باللبنانيين قبل بقية المقيمين على أرضه.

وثمَّة مَن يخاف ممّا هو آتٍ في المرحلة المقبلة من استحقاقاتٍ إقليمية والتي سيكون على لبنان أن يتخذ فيها قراراتٍ حاسمة لا تحتمل الضبابية، فبعد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة ومؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في جدة جاء في الأمس مؤتمر وزراء الداخلية العرب في تونس ليقع لبنان في التجربة نفسها. وعليه، ماذا سيكون موقفه في القمة العربية المقبلة في موريتانيا وهل يمكنه أن يحتمل مزيداً من الضغوط وسياسته الخارجية في يد فريق 8 آذار وحلفائه؟

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ ما يتحدث عنه أحد أبرز السيناريوهات الخطيرة المتداوَلة على نطاق ضيق أن يلحق لبنان جراء السياسة الخارجية المعتمدة بمصير الدولة السورية تغييباً عن المؤتمرات العربية والإسلامية والإقليمية وبما فيها الجامعة العربية ومؤسساتها الإقليمية.

والأخطر من كلّ ذلك أن تكون المخارج المقترَحة باتت ضيقة الى حدِّ اختصارها بواحد قد لا يكون منه أيّ بديل وملخصه انسحاب «حزب الله» من سوريا واليمن ووقف «مخططاته» في السعودية والكويت والبحرين للعبور بالبلاد الى برّ الأمان وفكّ الطوق الخليجي الذي يحكم على رقاب اللبنانيين.

وفي اعتبار أنّ مثل هذا المخرج لا يمكن البحث فيه إلّا من باب التمنّيات، فإنّ ما هو أسوأ وأخطر يتحدث عن تطورات سلبية تهدف الى تحقيقه بأيّ ثمن، وهو ما طرح سؤالاً كبيراً حول كلفته على لبنان واللبنانيين. ولذلك فما هو آتٍ قد لا يتوقعه عقل عاقل!؟