IMLebanon

الدائنون الأجانب يقتربون من حجز “المقعد” الأساسي على طاولة المفاوضات

 

الإنتخابات النيابية قد تداهم المفاوضات مع صندوق النقد وتؤجّل الإتفاق إلى ما بعد آذار المقبل

 

 

أدى إهمال الحلول العلمية والمنطقية في إعادة هيكلة الدين العام بعد التخلف عن السداد في مطلع آذار من العام 2020 إلى تعميق المشكلة. فالدين بالليرة اللبنانية استمر بالارتفاع بوتيرة مضطردة، فيما زادت حصة الأجانب أكثر من الدين بالعملة الأجنبية. الأمر الذي من شأنه تشكيل لوبي دولي للضغط على لبنان وفرض شروطه. وبالتالي تصعيب المفاوضات التي من المفترض أن توضع على السكة في الأيام القليلة المقبلة.

 

يُظهر التقرير الشهري الصادر عن جمعية المصارف الذي يلخّص الواقع الاقتصادي العام، أن “إجمالي الدين العام ارتفع لغاية نهاية حزيران إلى 147359 مليار ليرة ( أي ما يعادل 97.8 مليار دولار على أساس سعر الصرف 1507.5 ليرات للدولار) بعدما كان 144108 مليارات ليرة في نهاية العام 2020”. هذا الإرتفاع المقدر بـ3251 مليار ليرة في النصف الأول من العام 2021 نتج عن ارتفاع كل من الدين بالليرة اللبنانية بقيمة 1407 مليارات ليرة، والدين المحرر بالعملات الأجنبية بما يوازي 1844 مليار ليرة.

 

المصارف تتخلص من اليوروبوندز

 

على الرغم من هبوط أسعار السندات بالعملة الأجنبية، فقد سُجل تراجع محفظة المصارف من إجمالي محفظة سندات اليوروبوندز المقدرة بـ 35.2 مليار دولار، من حدود 9.4 مليارات دولار في نهاية كانون الأول 2020، إلى 8.2 مليارات دولار في نهاية حزيران 2021. هذا التراجع بقيمة تفوق المليار دولار، “قد ينعكس سلباً على البلد”، بحسب وزير العمل السابق والخبير في الشؤون المالية الدولية كميل أبو سليمان، “إذ إن ازدياد حصة الأجانب من هذه السندات يصعّب الشروط على لبنان في المفاوضات، لا سيما انها تتطلب الاستحصال على 75 في المئة من موافقة حاملي السندات لاعادة هيكلتها. وكلما ترتفع حصة الأجانب كلما تصعب الحصول على نسبة 75 في المئة “. والمشكلة الثانية بحسب أبو سليمان أن “البنوك اللبنانية التي تبيع هذه السندات لا تحصل على أكثر من قيمتها السوقية، فيما تمثل هذه السندات ديناً كاملاً ًعلى الدولة. فالقيمة السوقية لهذه السندات تتراوح اليوم ما بين 15 و20 سنتاً للدولار الواحد كحد أقصى. ما يعني أن البائع الذي يحصل على 15 إلى 20 دولاراً مقابل السند الواحد بقيمة 100 دولار أميركي، يمثل إلتزاماً بقيمة 100 دولار على الدولة اللبنانية، ويؤثر سلباً على قدرتها وموقعها التفاوضي. وعلى الرغم من تفهّم حاجة المصارف إلى السيولة إلا أن أبو سليمان يرى أن طلبها من المركزي عبر بيعه السندات يبقى أفضل بكثير من بيعها لجهات خارجية”. أبو سليمان الذي لطالما حذر من عملية بيع السندات، وتحديداً في الفترة الممتدة بين تشرين الأول من العام 2019 وشباط من العام 2020، التي شهدت أكبر عملية تخلص من السندات بالعملة الأجنبية من قبل البنوك، يذكّر بانه “كان الأجدى على لبنان شراء هذه السندات من الأجانب عندما تدنى سعرها عن 15 سنتاً للدولار، حيث كان باستطاعتنا إطفاء ما يقارب 3.3 مليارات دولار أو أكثر من الديون التي تحملها الجهات الخارجية بدفع ما يقارب 500 مليون دولار فقط”.

 

تبحث عن السيولة بالدولار

 

مصادر مصرفية فضلت عدم ذكر اسمها أشارت إلى أن عمليات بيع سندات “اليوروبوندز” من قبل المصارف لا تعود إلى خشيتها من الاقتطاعات عليها، فهي اصبحت أمراً واقعاً لا مفر منه. إنما الهدف هو تعزيز سيولتها: أولاً، من خلال حصولها حالياً على مبلغ مالي مساوٍ لما ستحصل عليه في المستقبل بعد إعادة الهيكلة. وثانياً، تتوفر من أخذ مؤونات على هذه السندات بنسبة 45 في المئة كما فرض مصرف لبنان. هذه المصادر لا تستبعد أن “تستمر علميات تسييل سندات “اليوروبوندز” في الأسواق العالمية مع كل ما تحمله هذه العملية من انعكاسات سلبية على لبنان. فهي تجعل “رقبة” الوطن تحت مقصلة صناديق ومؤسسات عالمية صعبة المراس لا تعرف الرحمة أو التعاطف”.

 

تغيّر الموازين

 

من أصل دين أجنبي بقيمة 35221 مليون دولار (قيمة الاكتتابات الإسمية + الفوائد المتراكمة ّ+ المتأخرات) تشكل حصة غير اللبنانيين منه ما نسبته 61 في المئة. فاذا استثنينا محفظة المصارف التجارية بقمية 8182 مليون دولار، ونحو 5500 مليون يملكها مصرف لبنان، فان قيمة ما تمتلكه الصناديق والمؤسسات الأجنبية من الدين اللبناني بالدولار يبلغ نحو 21539 مليون دولار. رقمٌ يقترب من نسبة 75 في المئة التي تحدث عنها الوزير أبو سليمان، ويقوض مفخرة لبنان وعنصر اطمئنانه المزيف أن عنصر الامان في الدين العام هو أنه داخلي. المفارقة أن حصة المصارف من سندات “اليوروبوندز” انخفضت من حوالى 17 مليار دولار في نهاية العام 2018 إلى 8.2 مليارات في منتصف العام 2021. فيما ارتفعت حصة الأجانب في هذه السندات من حدود 9 مليارات دولار إلى أكثر من 21 ملياراً. وهي تتوزع بين صناديق استثمارية، ومؤسسات مالية، منها: أشمور، جي بي مورغان، توتال، إنفسكو، يو بي أس، أش أس بي سي… وغيرها.

 

الوقت ليس من مصلحة لبنان

 

هذه المخاطر والانكشاف على الصناديق والمستثمرين الأجانب المعرضة للارتفاع أكثر مع كل يوم تأخير في بدء المفاوضات والاصلاحات، يقابلها برأي أبو سليمان “مشكلة في توقيت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. والتي قد تؤخر ظهور النتائج الايجابية، أي تسديد الدفة الأولى الأساسية، إلى ما بعد الانتخابات النيابية. ذلك أن “الاجراءات العملية تفترض المرور بالمراحل التالية:

 

– عقد اتفاق مبدأي مع وفد صندوق النقد الدولي بعد النقاش والمفاوضات.

 

– البحث على الصعيد المحلي إن كانت الشروط المسبقة أو اللاحقة قابلة للتحقق.

 

– عرض الاتفاق على مجلس الوزراء لدراسة مدى قابلية تحقيقه والاتفاق على اقراره.

 

– إقرار القوانين المصاحبة في مجلس النواب.

 

– رفع الاتفاق إلى المجلس التنفيذي في الصندوق.

 

إنطلاقاً مما تقدم يستبعد أبو سليمان تحقق كل هذه الخطوات قبل دخول لبنان في الانتخابات النيابية القادمة. خصوصاً إذا ما رسى القرار على تقريب موعدها إلى آذار. ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المطبات والعراقيل التي مرت بها المفاوضات مع الصندوق خلال المرحلة الماضية.