IMLebanon

نتنياهو يوسِّع الحرب مطمئناً: واشنطن تدعمنا

 

على الجميع أن يَتلقّن الدرس: لم تُقْدِم إسرائيل على تصعيدها النوعي، بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، لو لم يحصل بنيامين نتنياهو على ضوء أخضر أميركي وأوروبي، مباشر أو غير مباشر. وهذا ما سينطبق أيضاً على رفح، حيث اختراق الخطوط الحمر وارد في أي لحظة، وكذلك جنوب لبنان.

ألغى نتنياهو زيارة للولايات المتحدة احتجاجاً على موقفها في مجلس الأمن، حيث سمحت بإصدار قرار بوقف النار. ولكن، بين الإسرائيليين والأميركيين خلاف في التكتيك لا أكثر.

الولايات المتحدة تدرك أنّ معركة رفح ستتخللها انتهاكات إنسانية قاسية وتتجنب تلويث صورتها بها. كما أن الغربيين يفضّلون اليوم إطفاء النار في الشرق الأوسط كي يتفرغوا لأوكرانيا، حيث الوضع دقيق. وعلى أبواب الانتخابات الرئاسية، يحاول بايدن إمساك العصا من الوسط، لعله يحظى بدعم العرب والمسلمين واليهود في آن معاً.
ولكن، في العمق، الأميركيون ملزمون بدعم إسرائيل. بل إن الاتفاقات المعقودة بين الطرفين تجعل إسرائيل، عملياً، الولاية الأميركية الـ51. وعلى رغم موقف نتنياهو الاحتجاجي، استمرت المفاوضات بين الطرفين عن بُعد، بقيادة أرفع أركان الأمن. وما رَشح عنها لا يوحي إطلاقاً بوجود توتر بين البلدين. والدليل هو أنّ إدارة بايدن ستمضي في إرسال المزيد من المساعدات العسكرية الوازنة إلى إسرائيل في هذه المرحلة.
هذه المساعدات الموضوعة قيد الدرس حالياً تقدّر قيمتها بنحو 18 مليار دولار، وتشمل 25 طائرة F- 15 طالبَ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتسريع تسلّمها خلال زيارته لواشنطن قبل أيام. ويجري التداول بأن إدارة بايدن أبدت استعدادها للتجاوب في هذا المجال.
وإذ يقضي القانون الأميركي بالحصول على موافقة من الكونغرس، بالنسبة الى ما يتعلق بالاتفاقات الضخمة لبيع الأسلحة، فإنّ الديمقراطيين والجمهوريين في لجنتي الشؤون الخارجية يُجرون مراجعة غير رسمية قد تسمح بالموافقة عليها، قبل أن يتم إبلاغ الكونغرس بها، في شكل رسمي.

بل إن إسرائيل هي الدولة الأولى في العالم التي حصلت من الولايات المتحدة على طائرات F-35 التي تمثّل الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة الأكثر تطوراً. وقد تسلمت إسرائيل 36 طائرة من هذا الطراز، من أصل 50، في شكل مساعدات عسكرية. وهذا امتياز لم يحصل عليه أي حليف آخر للولايات المتحدة. وللتذكير، هذه الطائرات المتطورة هي التي استخدمتها إسرائيل للإغارة على القنصلية الإيرانية في دمشق.
وكذلك، تتسلم إسرائيل من واشنطن صواريخ وقنابل ذات قدرات تدميرية هائلة، بينها أكثر من 1800 قنبلة من طرازَي «إم كي 84» و»إم كي 82». وحتى اليوم، تجاوزت قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل الـ260 مليار دولار، منها نحو قرابة 125 ملياراً في شكل مساعدات عسكرية.
ووفق مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الطرفين في العام 2016، وهي سارية على مدى 10 سنوات، من 2019 إلى 2028، تحصل إسرائيل من الولايات المتحدة على مساعدات بقيمة 3.3 مليارات دولار سنوياً، مخصصة لبرامج التمويل العسكري في الدول الأجنبية، توازيها 500 مليون دولار كمساعدات في مجال البحث واستخدام أنظمة الدفاع الصاروخي، كالقبة الحديدية.
لكن المذكرة تتضمن إمكان تقديم الولايات المتحدة مساعدات إضافية إلى إسرائيل في حالات الحرب الطارئة، وهو ما يجري اليوم في غزة وجنوب لبنان. ولذلك، أقامت واشنطن جسراً مفتوحاً أرسلت عبره إلى إسرائيل كميات هائلة من الأسلحة والذخائر منذ 7 تشرين الأول الفائت. ويضاف إلى الدعم العسكري الأميركي، دَعم آخر أوروبي غربي يقدّر بمئات الملايين من الدولارات، وفيه تحتل ألمانيا المرتبة الأولى.

وأهمية الدعم العسكري الذي تحصل عليه إسرائيل من الولايات المتحدة وحلفائها لا تقتصر على تحصين قدراتها القتالية وتمكينها من خوض الحروب، كما تفعل اليوم، بل يكمن أيضاً في كونه يعبّر عن الضوء الأخضر الأميركي والأوروبي لما تفعله إسرائيل. فاستمرار تدفق الطائرات المقاتلة الحديثة والذخائر والصواريخ والقنابل إلى إسرائيل يعني أن لا «فيتو» أطلسياً على ما تقوم به. وبالتأكيد، لو اتخذت واشنطن قراراً بقطع هذه المساعدات عن إسرائيل، فإن نتنياهو سيجد نفسه مضطراً إلى وقف الحرب وتحجيم طموحاته التوسعية، سواء في ما يتعلق بالعملية المنتظرة في رفح أو بما يخص الجبهة مع لبنان.
لكن إدارة بايدن تعتمد مقاربة لا تخلو من التناقض. فهي إذ تطلق التحذيرات وتدعو نتنياهو إلى تجنّب الدخول في مغامرات خطرة في رفح ولبنان، فإنها لا تتورّع عن تسليمه المقاتلات الأكثر تطوراً والصواريخ والقنابل الأكثر تدميراً في العالم. ولذلك، هو سيمضي مطمئناً في خطوات جديدة أكثر خطورة. فعملية القنصلية في دمشق هي أول الغيث، وستليها عواصف في غزة ولبنان.