IMLebanon

معضلات نتنياهو الأربع في مواجهة نتائج الحرب

 

 

يقول فيلسوف الحرب كارل فون كلاوزويتز بأن الحرب هي «متابعة للسياسة ولكن بوسائل اخرى»، ويبقى من بديهيات الامور ان يرمي قرار الحرب الى تحقيق اهداف سياسية محددة وواضحة، لانه في غياب الاهداف السياسية تتحول الحرب الى وسيلة عبثية للقتل والدمار. وكان من سوء طالع الحكومات الاسرائيلية المتتالية منذ عام 1956 وقصر نظرها ان خاضت حروباً متتالية مع جيرانها ومع الشعب الفلسطيني دون تحديد للاهداف السياسية التي تسعى الى تحقيقها من خلال هذه الحروب.

وبالفعل فقد خرجت اسرائيل من سيناء بعد احتلالها بمساعدة كل من فرنسا وبريطانيا دون تحقيق اية مكاسب سياسية، والتي كانت من المفترض ان تؤدي الى حالة من الاستقرار الدائم لحدودها مع مصر. وتكرر غياب الهدف السياسي في حرب حزيران 1967، حيث فشلت اسرائيل في استغلال النجاح العسكري «الباهر» من اجل تحقيق السلام مع الدول العربية المجاورة لها.

 

في حرب رمضان 1973، نجح الرئيس انور السادات في استغلال العمل العسكري الناجح بعبور قناة السويس وتدمير «خط بارليف» وترجمته الى هدف سياسي، من خلال قراره السياسي الجريء بزيارة اسرائيل وفتح الطريق لمفاوضات، ادت في نهاية المطاف الى اتفاقيات سلام بين مصر واسرائيل عرفت باتفاقيات «كامب دافيد».

وفشلت اسرائيل ايضاً في بلورة اية اهدافها السياسية عملية لحروبها في لبنان بدءاً من عملية الاجتياح لجنوب لبنان عام 1978، ومروراً بعملية الغزو عام 1982، ودخولها الى العاصمة بيروت، ووصولاً الى حرب 2006 مع حزب الله، حيث انتهت جميعها بالعودة الى حالة «الستاتيكو» كرست حالة من الاستقرار الهش.

 

ولم تنجح اسرائيل في حروبها مع الفلسطينيين وخصوصاً في قطاع غزة في بلورة اية مبادرة سياسية لعقد هدنة دائمة مع السلطة الفلسطينية في رام الله او مع حماس في غزة. ولا يبدو بأن حكومة نتنياهو اليمينية هي قادرة او على استعداد للخروج من مأزق غياب الاهداف السياسية عبر الحرب المدمرة الجارية في غزة، والتي قتلت وجرحت عشرات الالوف من السكان المدنيين، بالاضافة الى تدمير ما يقارب اكثر من ثلث الوحدات السكنية في القطاع، مع تدمير شبه كامل لكل البنى التحتية الاساسية بما فيها المدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة وشبكات المياه.

من هنا يبدو واضحاً بأن رئيس الحكومة نتنياهو سيجد نفسه في مواجهة اربع معضلات رئيسية، اثناء الحرب، وبعد نهايتها بقبوله مرغماً في ظل الضغط العالمي المتصاعد على قبول وقف لاطلاق النار، وبالتالي العودة لقبول حالة «الستاتيكو» التي كات قائمة في قطاع غزة، قبل عملية حماس العسكرية على المستعمرات الاسرائيلية في «غلاف غزة».

 

المعضلة الاولى، اوجدها نتنياهو نفسه من خلال تحديد هدف العملية العسكرية بتدمير البنية العسكرية والحكومية لحماس في قطاع غزة وتخليص جميع الاسرى والرهائن الاسرائيليين والاجانب الموجودين لدى حماس. في رأينا سيكون من المستحيل ان ينجح نتنياهو في اقناع حلفائه الاميركيين والاوروبيين في الاستمرار في تغطية عملياته العسكرية، مع كل ما تتسبب به من عمليات قتل اعمى للمدنيين، لفترة زمنية طويلة تسمح له بتحطيم كامل البنية العسكرية لحماس والمنتشرة في كل قطاع غزة، وخصوصاً ما اختفى منها تحت الارض من مخابئ وملاجئ وانفاق تمتد لمئات الكيلومترات، وفق بعض التقديرات.

اما الشق الثاني في هذه المعضلة، فيتركز على عملية ايجاد الرهائن واستعادتهم سالمين الى عائلاتهم، الذين باتوا يشكلون قوة ضاغطة على الحكومة من داخل المجتمع الاسرائيلي.

المعضلة الثانية، امكانية النجاح في الاستمرار في تركيز الحرب على غزة حتى النهاية، ومنع امتدادها الى جبهات اخرى، وخصوصاً نحو الحدود الشمالية لمواجهة تهديدات حزب الله وحلفائه من اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين، وصولاً الى الحوثيين في اليمن.

يبدو بأن حماوة الجبهة المتصاعدة مع حزب الله وحلفائه عبر «الخط الازرق» باتت تهدد بامكانية الخروج على قواعد الاشتباك التقليدية التي كان معمولاً بها في الفترة السابقة بين اسرائيل وحزب الله انطلاقاً من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والتي امتدت لتشمل جميع القطاعات الحدودية الاخرى، لكن يبدو من اجواء التصعيد بأن هناك نوايا مبيتة لدى اسرائيل لتوسيع هذه العمليات العسكرية لتشمل العمق اللبناني، والتي ستدفع حزب الله الى تهديد حيفا وما بعد حيفا.

المعضلة الثالثة، وهي تتعلق بمستقبل السلطة في غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية، كرّر نتنياهو في مناسبات عديدة موقفه من ضرورة ابقاء السيطرة الاسرائيلية على القطاع بعد انتهاء الحرب، رافضاً بالمطلق تسليم المسؤولية لقوات دولية، مطعمة بقوى عسكرية من الدول العربية المجاورة، وخصوصاً من مصر والاردن والامارات سواء على المعابر او داخل القطاع نفسه.

وكانت اخر هذه التأكيدات قد صدرت عن نتنياهو شخصياً أبان اجتماعه مع القيادات المحلية للمستعمرات والبلدات الموجودة في غلاف غزة، في مقر القيادة العسكرية في تل ابيب الاسبوع الماضي. ويتناقض هذا التصريح مع ما سبق ان صرح به نتنياهو الى «فوكس نيوز» الاميركية بأن «اسرائيل لا تريد اعادة احتلال القطاع او حكمه»، ويأتي هذا التصريح ليناقض ما سبق ان صرّح به نتنياهو لمحطة «ABC» الاميركية بأن اسرائيل ستحتفظ «بمسؤولية الأمن في قطاع غزة لفترة زمنية غير محددة» بعد انتهاء الحرب مع حماس.

في الواقع تتعارض نوايا وتصريحات نتنياهو  ومستقبل الامن في غزة مع الرؤية الاميركية، والتي تتحدث منذ اسابيع عن امكانية تكليف قوة دولية، مطعمة بقوات عربية لادارة الامن في القطاع لفترة زمنية محددة، والى حين جهوز السلطة الفلسطينية للقيام بهذه المهمة، وبالفعل فقد عبّر وزير الخارجية انطوني بلينكن عن هذه الرؤية الاسبوع الماضي. وكان الرئيس محمود عباس قد عبّر عن جهوزية السلطة للسيطرة على القطاع، شرط ان يكون ذلك من ضمن حل شامل لاقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967.

كما طالب عباس امام بلينكن في رام الله بعقد مؤتمر دولي يعطي «الضمانات الدولية» لحماية الشعب الفلسطيني من عمليات القتل الوحشي التي تنفذها اسرائيل، مع تحديد اجندة زمنية لانهاء الاحتلال الاسرائيلي.

المعضلة الرابعة والابرز التي يواجهها نتنياهو فهي تتعلق باعترافه بمسؤوليته عما جرى في 7 تشرين في غلاف غزة، حيث بدأت ترتفع المطالبات السياسية والشعبية بمطالبته بتحمل المسؤولية عما حدث، وبالتالي الاستقالة هو وحكومته اليمينية، وتشكل هذه الضغوط خطراً فعلياً على مستقبل نتنياهو السياسي وعلى مستقبل الليكود في السلطة. ويبدو بأن اعضاء المجالس الاقليمية في جنوب اسرائيل يقودون الحملة لدعوة نتنياهو للاستقالة مع حكومته، ويؤيدهم في ذلك ناشطون من حزب الليكود نفسه، والسؤال يبقى هل يستقيل نتنياهو؟