جهد سعودي – مصري – فرنسي لتخفيف الضغط الأميركي – الإسرائيلي
يبدو ان محاولات الإدارة الأميركية لتصفير الحروب والتوترات في الشرق الأوسط وتوجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحويل المنطقة الى منطقة اقتصادية واسعة، بدأت تشمل الكيان الإسرائيلي وليس لبنان وفلسطين وسوريا فقط، إذ أشارت المعلومات مؤخراً الى ان ترامب ضاق ذرعا برئيس حكومة الاحتلال وطلب منه وقف الحرب على غزة بأسرع وقت. فجولته في دول الخليج والرسوم التي فرضها على أوروبا وكندا والصين، أظهرت انه يهتم بجني المال من كل العالم، والاستثمار الأميركي في كل العالم أكثر بكثير من اهتمامه بالعلاقات الدبلوماسية، حتى مع دول أوروبا الحليفة لأميركا ومع المنظمات الدولية ودول آسيا وبخاصة الصين.
مما يظهر من حسابات ترامب انه «مقاول عالمي» وليس رئيس دولة كبرى وعظمى، دماغه يفرز مشاريع وحسابات مالية وأفكارا حول كيفية جني الأرباح وتعزيز مكانة أميركا اقتصايا وماليا في العالم وعلى حساب دول العالم ومن جيبها ومالها، لذلك يفتقد كثيرا أحياناً للياقة السياسية والدبلوماسية في علاقاته مع الآخرين من زعماء دول وحكومات عالمية. وكانت آخر تجليّات توجهات ترامب في ما عبّرت عنه قبل أيام موفدته الى لبنان والمنطقة مورغان أورتاغوس في قطر خلال منتدى اقتصادي حول الاستثمارات في لبنان بقولها: «أن صندوق النقد الدولي ليس الخيار الوحيد أمام لبنان»، مشيرة إلى إمكان اعتماد البلاد على استثمارات دولية مباشرة بدلاً من القروض المشروطة، شرط تأمين بيئة مناسبة لجذب هذه الاستثمارات. معتبرة أن الفرصة لا تزال قائمة، لكنها مشروطة بخطوات سيادية واضحة.
لكن اللافت في كلام أورتاغوس كان ربطها الواضح بين تحوّل لبنان إلى بلد جاذب للاستثمار وبين نزع سلاح حزب الله، حيث ألمحت إلى أن الاستقرار الأمني والسياسي – وفق منظورها – لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود سلاح الحزب. وفي هذا عودة الى الشروط الأميركية الصارمة لدعم لبنان اقتصادياً بعد وضع اليد عليه سياسياً وإدارياً.
بهذا المعنى، وضعت الإدارة الأميركية لبنان على لائحة استثماراتها في المنطقة، استكمالاً لما توصلت إليه مع الدول الأخرى لا سيما دول الخليج وسوريا بعد رفع العقوبات عنها، بحيث تكتمل حلقة الاستفادة الأميركية الاقتصادية والمالية من كل مقومات هذه الدول، وبخاصة في عملية إعادة الاعمار في لبنان وسوريا، ولاحقاً من النفط والغاز اللبناني والسوري وفي مجالات استثمارية أخرى تجارية وصناعية.
لكن في ظل الشروط الأميركية سوريا ولائحة المطالب التي سُلّمت الى السلطة المؤقتة، وعلى لبنان قبل ذلك، وفي ظل رفض حزب الله أي كلام عن تسليم سلاحه إلّا بعد ضمانات وتأكيدات بإنهاء الاحتلال نهائيا ومنع تكرار الاعتداءات والبحث في سياسة وإجراءات دفاعية وطنية عملية تحمي لبنان، ستبقى الأمور تراوح مكانها، لا سيما بالنسبة للسلاح الثقيل لدى الحزب وهو الهدف الأول لمحاولات أميركا وإسرائيل الخلاص منه. حيث تشي كل التسريبات الإعلامية اللبنانية وغير اللبنانية من واشنطن بأن الإدارة الأميركية متمسّكة بشروطها لدعم لبنان ولا تراجع عنها، بحيث انها باتت معزوفة يومية لكل المسؤولين الأميركيين وبعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، وكأنه أمر مطلوب إعلامياً وسياسياً من «جوقة» طالبي نزع سلاح المقاومة وأحد أبرز عناصر قوة لبنان.
وبغض النظر عن اتجاهات الأمور وتوجهات الحزب في التعامل الهادئ حيناً والحادّ أحياناً أخرى في التعامل مع هذه الشروط والطلبات، لا بد من الإشارة الى جهد عربي سعودي – مصري بصورة خاصة يدعمه جهد فرنسي لتخفيف الاندفاعة الأميركية الضاغطة على لبنان، تبدّى في زيارات الرئيس جوزاف عون لكلٍ من الرياض والقاهرة وباريس، وما صدر خلالها من مواقف عن زعماء هذه الدول حول دعم لبنان بضرورة وقف العدوان وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي، واستكمال سيطرة الدولة اللبنانية وجيشها على كامل الأراضي اللبنانية بما فيها كامل الجنوب تنفيذاً لآليات تطبيق القرار 1701 ووقف الأعمال العدائية، ليقين هذه الدول انه من دون ذلك لا مخرج للأزمة اللبنانية القائمة ولا حلول لمشكلة الكيان الإسرائيلي بضمان أمنه ومستوطناته.
على هذا، فإن شروط ترامب الضاغطة على لبنان – كما على سوريا – وتعذّر تطبيقها نتيجة دقّة وحساسية الوضع اللبناني، ستعيق مشروعه لضم لبنان الى حلقة الدول التي يسعى للاستثمار فيها، كما ستعيق استعادة لبنان لعافيته السياسية والاقتصادية الكاملة. عدا ذلك، سيبقى التوتر قائماً في المنطقة لا سيما في لبنان وفلسطين وسوريا من دون التوصل الى حلول واقعية ومنطقية تعيد الحقوق لأصحابها وتضع أسس سلام أو تسويات عادلة.