IMLebanon

لا «ثقة» بقيادة الجيش: «دفاعاً عن المسيحيين!؟

إذا صحّ أن تحفّظ أحدُ الوزراء على مضمون قرار تكليف الجيش اتخاذَ الإجراءات لإعادة سيطرته على عرسال وحمايتها من تهديدات الإرهابيين، رفضاً منه مخاطبة «قيادة» مشكوك في شرعيّتها وقائد «مختلََف على التمديد له»، فإنّ ذلك يعني أنّ آخرة الدنيا قد اقتربت. فمَن سجّل التحفظ على قيادة الجيش يحمل لواء الدفاع عن المسيحيين. كيف يمكن تبرير ذلك؟

حتى كتابة هذه السطور لم يصدر أيّ بيان توضيحي عما شهدته جلسة مجلس الوزراء أمس الأول وما تسرّب من المناقشات التي دارت خلال الجلسة، يؤكد هذه الرواية بالتفصيل وزير المال علي حسن خليل وقد تولّى جمع الملاحظات على صيغة البيان الأوّلية الذي أرجئ البت به من جلسة سابقة وإعداد الصيغة التوافقية التي دعا اليها رئيس الحكومة.

عكست الرواية التي نشرها بعض وسائل الإعلام ردات فعل مستهجَنة في الأوساط السياسية والمسيحية كما في مختلف الأوساط التي ما زالت تراهن على الجيش اللبناني كمؤسسة عسكرية ضامنة للسلم الأهلي وحماية البلاد من كلّ المؤامرات التي تُدَبَّر لها، على رغم أنّ هناك مَن تريّث في الحكم عليها قبل التثبّت من صحّتها، لكنّ الصمت المطبَق حيال ما نشر وعدم النفي قد أثبت الواقعة.

وعلى هذه الخلفية يروي أحد الوزراء الذين شاركوا في المناقشات ما حدث في الجلسة، فقال: «بعدما تجاوزنا البتّ بطلب وزيرَي الحزب التقدمي الإشتراكي وائل أبو فاعور وأكرم شهيب البحث في بعض بنود جدول الأعمال الطارئة مثل التعيينات المقترَحة في عدد من المستشفيات الحكومية، وتلك التي تعني تمويل «ايدال» فروقات نقل الإنتاج الزراعي بحراً بدلاً من البرّ إثر رفض وزيرَي «التيار» البتّ بها قبل البحث في قضية عرسال، انتقل البحث الى هذا الملف».

وأضاف: «بعدما توسّعت المناقشات في الملف انطلاقاً من مشروع البيان – القرار في شأن عرسال والذي أعدّه رئيس الحكومة بصيغته الأوّلية، طلب اليهم الإنتقال الى البتّ بالصيغة النهائية مصرّاً على أن يصدر كقرار موحَّد وبتوافق جميع الوزراء.

فتولّى وزير المال الأمر وجمَع التعديلات والملاحظات وجمّعها، فاستمع الى جولة جديدة من المناقشات المحصورة بعباراتٍ محدَّدة أثارت جدلاً لبعض الوقت من دون أيّ مفاجآت قياساً بالمواقف السابقة شبه الثابتة، وخضع النصّ الأوّلي لتعديلاتٍ عدّة الى أن نال موافقة الجميع، بمفاجأة واحدة عبّر عنها وزير الخارجية جبران باسيل الذي طلب شطبَ عبارة كاملة من النصّ تقول «إعلان المجلس ثقتَه الكاملة بالجيش وقيادته»، معتبراً أنَّ وضع قائد الجيش غير شرعي وقد مدّد له أكثر من مرة وقد تحوّل ملفاً خلافياً.

لم تمرّ الملاحظة مرورَ الكرام وأعادت الجدل الى بداياته، وعبّر أكثر من وزير عن رفضه الإقتراح شكلاً ومضموناً وسجّل ملاحظات قاسية عدّة خصوصاً أنّ الحديث عن فقدان الثقة بقيادة الجيش وقائده لا يمكن أن يمرّ متلازماً في بيان واحد مع دعوته الى تحمّل المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقه قيادةً وضباطاً ورتباءَ وجنوداً.

وفي ظلّ أجواء التضامن الذي عبّر عنه الأكثرية الساحقة من الوزراء بمَن فيهم وزيرا «حزب الله» محمد فنيش وحسين الحاج حسن، ووزير «المردة» روني عريجي و«الطاشناق» آرتور نظاريان، أُقرّ البيان بالصيغة النهائية التي أُعلنت في المعلومات الرسمية، وذلك بعدما لم يأخذ الوزراء بتعديلَين اقترحهما وزير العدل اللواء اشرف ريفي أوّلهما يقول بأن يشمل القرار تكليف الجيش «البقاع الشمالي كاملاً» لتتخطّى بذلك مهمته حدود عرسال وجرودها. وثانيهما ضمّ عبارة «ايّ سلاح غير شرعي يهدّد عرسال» مساوياً بين جميع المسلَّحين المنتشرين في تلك المنطقة على الأراضي اللبنانية أو السورية.

عند هذه الحدود انتهت الرواية التي نقلها وزراء من حلفاء باسيل وحلفاء حلفائه وبقيَت تردّداتها على الساحة السياسية ولا سيما في الأوساط المسيحية التي أبدت قلقها البالغ من مشروع التشكيك في قيادة الجيش وقائده في مرحلة هي الأخطر في تاريخ لبنان الحديث.

وعلى هامش الرواية يبقى من المهم تسجيل ملاحظة عبّر عنها قيادي مسيحي استهجن فيها هذا المنطق، معتبراً أنّه أخطر ما سمع به في المرحلة الأخيرة وهو ينذر بما يُدبّر للوطن بمسيحيّيه ومسلميه قبل الجيش.

فالجيش قيادة وضباطاً وجنوداً من أبناء هذا الوطن وليس من بينهم مَن هو مستورَد من الخارج، مشدِّداً على أهمية توضيح ما حصل في أسرع وقتٍ ممكن ضماناً للثقة المتبقية بآخر المؤسسات العسكرية الموحّدة للبنانيين والتي لم تدخلها بعد «السوسة» التي تنتج هذه الأفكار خصوصاً أنها صدرت ممّن يعتبر نفسه ممثلاً لأكثر من نصف المسيحيين.