IMLebanon

“لا للحرب” بلا “لكن”… إنقاذاً لبقايا “جمهورية الركام”

 

 

لا يفاجئك تقاطع مسؤولين في مواقع حساسة على اعتبار أنّ «الوضع خربان»، وأنّ توسّع «حرب الاستنزاف» في الجنوب قد يطيح المناعة القليلة المتبقية في حفنة مؤسسات وفي وحدة وطنية مثخنة بالالتهابات. هم يرسمون من موقع المعرفة الأكيدة صورة فيها من الخبايا والتفاصيل ما يدفع إلى دعوة كل قوى المجتمع الحيّة، مهما تناقضت توجهاتها، إلى مبادرة فورية، عنوانها الوحيد منع الانزلاق إلى حرب قد تودِّع تداعياتها إمكان قيامة لبنان.

 

لا نحتاج إلى من يخبرنا عمّا يختبره كل لبناني غير «مُدوْلر» أو لم ينجُ بوديعته قبل أن يطبق عليها الأخطبوط المصرفي المجرم. ولا تحصى شواهد شلل المؤسسات وحُفر الطرقات والقضاء «المقبوع» ورواتب العسكريين المذلّة وفلتان المعابر وازدهار «الدواعش» والعملاء بالمئات، وكل ما يخطر في البال من نواحي تدنّي الأمن ومستوى حياة المواطنين وانحدار أخلاق أهل السلطة والسلطان الذين، لو ضربنا صفحاً عن ارتكاباتهم قبل 17 تشرين، نجدهم لم يكفّروا بعدها بإصلاح ولا زاحوا من درب مؤهلين لخطوة إلى الأمام.

 

وإذ إنّ ما أوردناه، رغم فجاجته، يدخل في اليوميات، فأقل الواجب التمييز بين سلّة المشكلات المتشابكة، وإلحاح يفرضه وضع الجنوب على كل حريص يريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه من «جمهورية الركام».

 

يجري الترويج العمد لفكرة أنّ إسرائيل مردوعة بتواصل أميركي إيراني يعلّق توسيع جبهة لبنان انتظاراً لوقف النار في غزة. هدف إشاعة هذا المناخ امتصاص استنكار أكثرية اللبنانيين المعلن أو المضمر لنمط عيش خطير فُرض عليها منذ أربعة أشهر ونيّف. يدعم هذه «النشرة التوجيهية»، من ناحية مقابلة، تقديراتُ خبراء بأنّ إسرائيل قَلبت «حرب المُشاغلة» لمصلحتها باغتيالها عشرات القياديين في «الحزب»، ما لم تحقّقه أبداً في «حرب تموز»، فلا يضيرها استمرار هذا المنوال.

 

رغم ذلك، فإنّ نُذُر الحرب أقوى من تمنّي إيران و»حزب الله» بقاءها محصورة لتنتهي بهمروجة انتصار عنوانُها عدم تحقيق إسرائيل أهدافها واستباق المحور المقاوم هجوماً حتمياً على لبنان. وليس أدلّ على نوايا إسرائيل العدوانية إلا تجاوزها الدامي لـ»قواعد الاشتباك» وتهديدات جنرالاتها التي من السذاجة ضمّها إلى «الحرب النفسية» معطوفة على وهْم أن نتنياهو «مجنون» يتصرف على هواه.

 

حديث الحرب المدمّرة جدّي وليس «تهبيط حيطان». والاستهانة به خدعة للّبنانيين أولاً الذين يرفضون أن يستفيقوا على «يوم قيامة» شبيه بما رتَّبه «طوفان الأقصى» على غزة. ولا داعي لترديد بديهيات عن «حرب تأسيس ووجود» تخوضها الدولة العبرية بعد 7 أكتوبر، ولا يجوز مواجهتها بإهمالها أو بمواقف رسمية تضليلية تتطابق وسرديات إيران.

 

لنبسّط الأمور. إحتمالات الحرب، وفق متفائلين بعدم حصولها، تتجاوز الخمسين في المئة. وجميعنا نعرف نوعية إجرام إسرائيل حين تقرّر تعميم الإيذاء. وإذ إنّ لبنان لا يحتمل حرباً قصيرة أو طويلة، وعاجزٌ عن تأمين الحدّ الأدنى من سبل العيش لمواطنيه، فإنه لا يمكن التفرّج على زوال ما تبقّى لنا من مرافئ ومرافق وجسور وبضعة سدود ومؤسسات تعمل باللحم الحي. ولأننا لا نسلّم لـ»حزب الله» بحق مصادرة إرادتنا الحرة، فواجب القوى السياسية والمجتمعية، الرافضة تدمير ما تبقّى، أن تقول بالفم الملآن «لا للحرب». وهي قوى يمكنها الاختلاف على كل شيء، من نشأة الكون ووجود الآلهة، مروراً بخلاف الموحّدين الدروز الجنبلاطيين مع «أهل السنّة» الحريريين على وزارة التربية و»أِفك» أمل شعبان، وصولاً الى تخوين نانسي عجرم، أما واجبها اليوم فهو الانضواء الموقت تحت شعار رفض الحرب بدون «لكن» رمادية، ولا ثرثرات وشعبوية.