IMLebanon

بين التطبيع والدولة الطبيعية

 

قد يكون اتهام معارضي الثنائي الشيعي له بأنه يذهب نحو التطبيع مع إسرائيل لقبوله “اتفاق الإطار” للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل حول الحدود البحرية والبرية مغالياً، لذهابه بعيداً في الاستنتاج ولاستباق أصحابه التفاوض. وقد يكون هذا الاتهام رداً على ديماغوجية اتهامات مناصري “الثنائي” ضد الدعوة إلى حياد لبنان عن صراعات المنطقة، بالعمالة. أو قد يكون التسرع في اتهام “الثنائي” بالتطبيع ردة فعل على حملات الترهيب التي اعتاد مناصرو “الثنائي” الترويج المبرمج لها، في كل مرة يطرح المعارضون لهيمنة “حزب الله”، مسألة سلاحه أو استرداد قرار الحرب والسلم إلى كنف الدولة.

 

وبصرف النظر عما إذا كان صحيحاً الانطباع بأن سجالاً كهذا تنطبق عليه قاعدة من يدق الباب يسمع الجواب، فإن الواقعية تقتضي ملاحظة بعض التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: لو أن سعد الحريري أو أياً من رموز قوى “14 آذار” أعلن القبول بـ”اتفاق الإطار” لكان فريق الممانعة خوّنه وقال فيه ما يستوجب محاكمته… إلا أن كل ذلك لا يلامس جوهر هذا التطور والوجهة التي يسلكها التفاوض الآتي ونتائجه المنتظرة.

 

هناك زوايا أخرى لقبول “الثنائي” التفاوض بدءاً من الأسباب المرجحة. سواء كان ذلك بهدف تفادي المزيد من العقوبات الأميركية على حلفاء “حزب الله”، أو كان ذلك لتبديد وتغطية الاتهام الموجه إليه بأنه أفشل المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة جديدة أمام الجمهور الواسع ولا سيما المسيحي. وسواء كان القبول بالتفاوض جاء نتيجة حسابات تفرض بعض الليونة من إيران و”حزب الله” تجاه الجانب الأميركي بدلاً من التنازل لفرنسا في لبنان، أو كان السبب أن قوى الممانعة تعمل على كسب بعض الوقت في انتظار مفاعيل الاندفاعة الأميركية في تطبيع العلاقة بين إسرائيل ودولتين خليجيتين، فإن أياً من التفسيرات لا يلغي ترقب البت النهائي في مسألة الحدود.

 

تراوح التقديرات حول ما سيؤول إليه التفاوض بين حدين. توقعات بعض الأوساط السياسية المواكبة لقرار القبول بفتح الملف تفيد أن هناك جدية في التعاطي معه، ستقود إلى نتائج سريعة قريباً، ربما قبل آخر السنة، لأن مقدماته تتعلق باقتناع “الثنائي” أن الوضع الاقتصادي والظروف الأمنية في البلد والتطورات الإقليمية إضافة إلى تفادي العقوبات تتطلب خلطاً للأوراق استدعى الموافقة منذ شهر تموز على “اتفاق الإطار”، أخرته إسرائيل حتى آخر أيلول. وفي المقابل تدعو أوساط أخرى إلى ترقب احتمال خضوع التفاوض للانتكاس لحاجة إقليمية، بحجة ألغام تركت حول نقاط التفاوض سواء كانت في مزارع شبعا (المستثناة من البحث) أو في نقاط أخرى على الحدود البرية، حيث يتردد أن النقاط الثلاث عشرة التي جرى تصحيح معظمها ما عدا واحدة (الـB1 ) على الخط البري، بات عددها 27 نقطة، هذا فضلاً عن وجود ثغرات أخرى قد تكون الذريعة.

 

الاتفاق على الحدود قد يعيد لبنان دولة طبيعية، لأنه يقفل جزءاً حساساً من حدوده المفتوحة، ويتيح له استغلال موارده الطبيعية، وينزع ورقة توظيفها لأهداف إيرانية، من دون تطبيع مع إسرائيل. وفي كل الأحوال فإن أي تنازلات لبنانية عن بعض المطالب، سواء في البر أو البحر، عهد “الثنائي” بها إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بدلاً من أن يتحملها هو، واحتفظ بالإشراف على مسارها من الخلف.