IMLebanon

يا «نوستراداموس» الحرب… ماشي حالك؟

 

في ذاك الأربعاء قبل 11 عاماً، قبيل الساعة التاسعة صباحاً، أيّ «محلّل سياسي» كان يتوقّع حرب تمّوز؟ لكنّها وقعت. منذ «وقف الأعمال العدائيّة» وإلى اليوم، ومِن شاشة إلى أخرى، كم مِن «خبير استراتيجي» توقّع الحرب، وربّما جزم، بل ربّما حدّد الساعة الصفر؟ لكنّها لم تقع. الحرب لا تقع إلا عندما تقع. هذا ما يقوله التاريخ. ليس هذا ذمّاً للتحليل، القائم على معطى وخبرة ومنهج، بقدر ما هو محاولة لتفريغ «ثقافة التنجيم» التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة. للناس في الشارع أن يرتاحوا قليلاً.

أن يخرجوا مِن قلقٍ يأتي بصيغة: «شو، في حرب؟». عندما تأتي الحرب، سيعلم الجميع بأمرها. أكثر الحروب الكبرى، في التاريخ، لم يتوقّعها أحد بالمعطى الزمني الدقيق. إن وقعت الحرب غداً، فسيخرج مَن يقول: ألم أقل لكم إنّها آتية؟ هو يُردّد «نبوءته» تلك منذ سنوات، بل منذ عقود، ولو عاش قرناً لقضاه متنبئاً. الآن «اكتشف البارود» كألمعي بصّاص. المُحلّلون كانوا دائماً موجودين، في كلّ عصر، وإن بألقاب مختلفة.

كثر الحديث أخيراً عن الحرب. أنّها ستقع. أنّ ذلك بات وشيكاً. هي الحرب لا حرب. «أل» التعريف، هنا تحديداً، لازمة بدلالتها العميقة في ذاكرتنا. نحن الذين نقطن هنا، في لبنان، وما حوله نسبيّاً. الحرب مع إسرائيل هي الحرب، أمّا ما عداها، وإن بهظ الثمن، فإنّها تبقى حرباً. عندما يَسأل أحدهم في شارعنا، بقّال أو فوّال أو سائق أجرة: متى الحرب؟ فإنّه يسأل عنها إسرائيليّاً. أحياناً تتسع أقليميّاً وصولاً إلى العالميّة. في الآونة الأخيرة تكثّفت الإشارات الحربيّة هذه. بعضها كان مستجدّاً. هل ستقع فعلاً؟ مَن يَعلم. ربّما كان السؤال، الأجدى، هو عن سبب عدم وقوعها على مدى العقد الماضي. دائماً كان يُمكن أن تقع، في أيّ لحظة، لكن لم يحصل. كان يحصل، دوماً، ما يمنع حصولها… وأحياناً في اللحظة الأخيرة. بعض ما حصل لمنع حصولها لم يحصل لنا أن نعرفه. لم يصل إلى الإعلام. وحدهم المعنيّون، الحقيقيّون، يعرفونه. يوماً ما سنقرأه في مذكّرات أحدهم. لا يُؤخذ على الناس قلقهم، شعورهم البشري الطبيعي، إذ هي الحروب التي لا يُحبّها لذاتها عاقل (كما يقول العقلاء)… إنّما، في المقابل، يؤخذ على «ورثة نوستراداموس» بثّهم ذاك القلق المجّاني. بات لزاماً لجحافل المُحلّلين أن يكون لهم نقابة خاصّة بهم. أقلّه جهة يُمكن العودة إليها، مؤسساتيّاً، ولكم سيكون «السكوب» دسماً لو أُخذ مثلاً مِن «نقيب المحلّلين السياسيين»! وفق الشكل المنتشر حالياً للتحليل السياسي في بلاد العرب، بأكثريّته، فإنّ كلّ شخص يُمكنه أن يكون مُحللاً سياسيّاً. كشفت «نيويورك تايمز» الشهر الماضي «فضيحة» أحد هؤلاء المحلّلين، الذي تبيّن أنّه يجري مداخلاته مِن داخل مطبخ أحد المطاعم، حيث يعمل في «صنع الشطائر». أحياناً يُجريها أثناء جلي الصحون. لم يدرس أكاديميّاً ما له علاقة بالسياسة، كذلك ليس له خبرة عمليّة بها. لا بأس، هذا حقّه، بل هذا جيّد، وهو تأكيدٌ آخر أنّ كلّ شخص، وفق السائد، يُمكنه أن «يُحلّل». البعض يتحدّث عن «حسابات دقيقة». فات هؤلاء أنّه لو كانت الحروب مجرّد حسابات لحكم مدرّسو الرياضيّات العالم.

مال الناس إلى العرّافين على مرّ التاريخ. خاصّة في الحروب وقضايا المصير. هناك عرّاف برتغالي تنبّاً بداية العام الجاري بحرب عالمية ثالثة. قال إنّها ستكون نوويّة. حدّد موعدها، بدقّة، يوم 13 أيار. تناولت حكايته بعض كبرى وسائل الإعلام في العالم. جاء اليوم الذي حدّده ولم يحصل شيء. في النصف الأول مِن القرن الماضي شاع اسم الأميركي إدغار كايس في العالم. تنبأ بمعلومات عن الحرب العالميّة الثانية وأشياء أخرى. أصبح نجماً عالميّاً. لم يكن أكثر مِن صنيعة إعلاميّة. الميزة الإيجابيّة لأشخاص كهؤلاء أنّهم يقدّمون أنفسهم كعرّافين، لا كمحللين سياسيين أو كخبراء استراتيجيين، وبالتالي ينسجمون مع أنفسهم.

يُمكن القول إنّ الاستعداد للحرب، ولكل تهديد وجودي، هو أمر فطري لدى البشر. يُمكن الناس في بلادنا أن يعيشوا اليوم بأقل قدر مِن القلق، حيال الحرب تحديداً، خاصّة في ظلّ وجود أمناء على الميدان لم يخسروا حرباً قط، بل، وهذا الأهم، لم يخرجوا مِن إخلاصهم ذرّة للحفاظ على حيوات أهلهم. لهم كلّ الثقة. لعيونهم التي ما نامت. لمتابعتهم، ساعة بساعة، كلّ جديد، بل كلّ نفس، لدى عدو لم ينم أيضاً. لهؤلاء الذين إن حان حينها فإنّهم أسيادها. حتّى ذلك الحين، وبكل إصرار، سنحيا بكلّ ما استطعنا إلى الشغف سبيلا. لأولئك كلّ الثقة، وهذه، وحدها، رأسمال كلّ مَن لا رأسمال له.