IMLebanon

والآن، ماذا عن المليونَي نازح سوري؟

أخطر ما في التدابير الأخيرة، الضابطة لتدفُّق النازحين السوريين، أنها تثير الإنطباع بأنّ الأزمة قد إنتهت، وأنّ المعنيين بها أدَّوا قسطهم للعلى… وناموا. لكنّ الأزمة باقية وتنمو وما تزال تهدِّد بتفجير لبنان. وعلى الجميع ألا ينسى ذلك أو يتناسى!

هناك إلتباس واضح في مسألة دخول السوريين إلى لبنان. فالوزير المعني رشيد درباس يقول إنّ دخول السوريين إلى لبنان، بعد التدابير الجديدة أصبح صفراً. فهل هذا التطمين واقعي؟

البعض يقول إنّ ذلك لا يمكن حسمه ما دامت الحدود بين لبنان وسوريا سائبة في العديد من المناطق. والأرجح هو أنّ التدفُّق إلى لبنان قد تراجع إلى حدود قياسية، لكنه لم يتوقف تماماً.

وفقاً لممثلة مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة نينيت كيللي، كان التدفُّق الشهري إلى لبنان يقارب الـ59 ألف نسمة حتى الربع الأخير من العام 2014، فتراجع إلى نحو 37 ألفاً في الأشهر الثلاثة الأخيرة، أيْ قبل التدابير اللبنانية الرسمية.

ويتوقع العديد من الخبراء أن يكون التدفُّق قد إنخفض منسوبه، لكنه لم يتوقف. وهذا يعني بالنسبة إليهم أنّ الأزمة مستمرة، وأنّ قنبلة اللاجئين الموقوتة ما زالت موجودة، لكنّ موعد الإنفجار تأخّر إلى موعد أبعد بقليل.

ووفقاً لكيلي، هناك حوالى مليون و150 الف لاجئ سوري مسجلين في لبنان اليوم، إضافة إلى 500 الف تعتقد المفوضية أنهم غير مسجلين في قيودها، أيْ مليون و650 ألف نازح أو لاجئ سوري، ما عدا السوريين غير المصنَّفين في خانة نازحين. وعلى الأرجح، هناك ما يقارب المليونَي سوري في لبنان حالياً، ومعهم نحو نصف مليون فلسطيني.

ولذلك، ثمة مَن يحذّر من مقاربة ملف اللاجئين السوريين في لبنان من زاوية المراهنة فقط على خفض نسبة الدخول إلى حدود الصفر. فهذه المراهنة ليست واقعية على الإطلاق.

وكلّ التجارب السابقة أثبتت أنّ السلطة اللبنانية عاجزة عن إقفال الحدود في وجه العبور غير الشرعي. فالمعابر بين لبنان وسوريا كثيرة، ويختلط فيها التسلّل العسكري والأمني بأعمال التهريب المختلفة، للأشخاص والسلع الممنوعة والمسموح بها.

وفي كلّ مرحلة، كانت هناك مصلحة لطرف ما في الإبقاء على فوضى الحدود. وفي بداية النزوح، كان «حزب الله» صامتاً على الفوضى لأنه في حاجة إلى إستخدام الحدود للعبور عسكرياً في الإتجاهين. وحتى حليف «الحزب»، «التيار الوطني الحر»، لم يجد تشجيعاً منه في المطالبة بإقفال الحدود في وجه الوافدين من سوريا.

ومن هنا، فإنّ الحراك الذي حاولت قوى، في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أن توحي بأنها تمارسه لضبط تدفّق اللاجئين، كان شكلياً لا فعلياً. فضبط الفوضى الحدودية أمام التدفُّق العسكري في إتجاه سوريا كان شرطاً أساسياً لوقف التدفُّق المدني السوري في إتجاه لبنان. ولو قامت هذه القوى بالخطوات المناسبة لتشديد القبضة على الحدود، حين كان النازحون بالآلاف لا بعشرات الآلاف ولا بالملايين، لكان لبنان في وضع أفضل بكثير.

وأما اليوم، فالجميع يسأل: سواء إنقطع التدفُّق السوري تماماً أم بقي عند مستويات متدنية، ماذا سيفعل بلد الأربعة ملايين للتخلص من أعباء مليونَي سوري ونصف مليون فلسطيني، بدأ بعضهم يحوِّل خيمته الصفيحية أو القماشية إلى مخيّم من حجارة «الخفّان» المسقوف بالباطون والحديد، كما حصل في القرعون وسواها، ما ينذر بمخاطر التوطين «الواقعي»؟

وهل سينام لبنان على أمجاد الوهم بأنّ التدفُّق قد توقَّف… على المعابر الشرعية والرسمية فقط؟ وهل هناك خطأ أكبر من إيهام المجتمع الدَولي بأنّ مشكلة النازحين السوريين في لبنان باتت «محلولة»؟

سيجد المجتمع الدَولي فرصة سانحة كي يقول للبنان: إذاً، لا تطالبونا بشيء بعدَ اليوم، فلا مشكلة لاجئين تزعجكم. تدبَّروا شؤونكم بأنفسكم!

هل هذا ما يريده البعض للبنان؟