IMLebanon

من «سايكس ـ بيكو» إلى «كيري ـ لافروف»

ينظر سياسيّ مخضرَم إلى مستقبل المنطقة نظرةً متشائمة، معتبراً أنّ كلّ ما يجري في الإقليم، بل على مستوى العالم العربي، سيصبّ في النهاية في مصلحة إسرائيل التي على رغم كلّ ما جرى، وكلّ الهزائم التي منِيت بها ما تزال تَحظى بالحماية الغربية مشفوعةً بغضّ النظر الروسي، إنْ لم نقُل المراعاة الروسية.

ينطلق هذا السياسي في نظرته هذه من حدثِ الانسحاب العسكري الروسي الجزئي الأخير من سوريا الذي لم تنتهِ التفسيرات والتحليلات لأهدافه وأبعاده والخلفيات فصولاً بعد، فهذا الانسحاب شملَ حسبَ المعلومات فائضَ القوة التي كانت موسكو دفعت به إثرَ إسقاط تركيا طائرةَ السوخوي الروسية قبل بضعة أشهر فوق جبل التركمان على الحدود السورية ـ التركية، بغية الضغط على تركيا ووقفِ تدخّلها في الأزمة السورية عبر دعم المجموعات المسلحة المعارضة للنظام السوري،

كذلك أرادت موسكو من هذا الانسحاب إبطال الذرائع هنا وهناك عن أنّ التدخّل العسكري الروسي في سوريا هو الذي يعوق الحلّ السياسي للأزمة السوريّة، وقد سبقَ هذا الانسحاب بأيام مواقف اميركية عكست ما يشير الى تحميل موسكو المسؤولية عن عدم انطلاق مفاوضات جنيف بين ممثلي النظام والمعارضة، فجاء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالانسحاب الجزئي ليبطلَ هذه الحجّة الاميركية، وغيرها من الحجج الاقليمية والدولية، ولوحظ أنّ بوتين استتبع خطوتَه بمواقف سياسية شدّد فيها على وجوب الإسراع في التوصّل إلى حلّ سياسي في سوريا، لكنّه نبّه في الوقت نفسه الى أنّ ما سحبَه من قوات يمكن أن يعيده في أيّ وقتٍ يشعر فيه أنّ ميزان القوى الذي أرساه التدخّل الروسي في الميدان السوري قد اختلّ أو قد يكون عرضةً للاختلال.

ويرى هذا السياسي المخضرم أنّ هذه الخطوة الروسية التي تأخذ في الاعتبار التشجيعَ على الحلّ السياسي، لا تلغي في أيّ شكل من الأشكال استمرار الحرب الروسية على «داعش» و«جبهة النصرة» وأخواتهما، في اعتبار أنّ هناك تحالفاً دوليّاً معلناً للقضاء على هذه التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق وفي أيّ مكان في المنطقة والعالم، نظراً إلى أنّ خطرَها بات يهدّد الجميع.

ويضيف السياسي نفسُه أنّ الوضع في سوريا سيرسو عاجلاً أم آجلاً على حلّ، لأنّ هناك اتّفاقاً أميركياً ـ روسيّاً واضحاً في هذا المجال، وهذا الحلّ سيطلّ على حلّ للأزمة اليمنية أيضاً، بدليل حديث وزير الخارجية الاميركي جون كيري الاسبوع الماضي عن أنّ الحرب في سوريا واليمن يجب ان تتوقّف، ما يشير الى وجود قرار بهذا المعنى قد اتُّخِذ في واشنطن وموسكو. وكذلك بدليل التفاوض الجاري بين المملكة العربية السعودية والحوثيين في المناطق الحدودية المشتركة بين الجانبين.

ويقول السياسي المخضرم أيضاً إنّ أحداً لن يتفاجَأ بلقاء بل بلقاءات، ستبدأ قريباً بين كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، لتكريس الواقع السياسي والجيوسياسي الجديد الذي دخلت فيه المنطقة، بحيث إنّه سيكون هناك ما سيُسمّى «إتفاق كيري ـ لافروف»، ولكن لن يكون على غرار «اتفاق سايكس ـ بيكو» الذي تحلُّ هذه الأيام ذكراه المئوية، وإنّما سيكون اتفاقاً على وقفِ الحروب وتحقيق حلول سياسية للأزمات في سوريا واليمن وغيرهما، إذ لن يكون هناك تقسيم لسوريا على رغم إعلان الأكراد السوريين «النظام الفيدرالي» في المنطقة الخاضعة لسيطرتهم، فـ«الدولة الكردية» لا يمكن تركيا تحديداً أن تقبل بها، وستكون مستعدّة لشنّ حرب لمنعِها، والموقف نفسه تتّخذه سوريا والعراق وإيران، وأقصى ما يمكن الأكراد أن يحصلوا عليه في هذه البلدان هو «الإدارة الذاتية» أو «الحكم الذاتي».

وفي هذا السياق يكشف سياسيون بعضَ المعلومات عن المحادثات التي أجراها رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو في طهران مطلعَ آذار الجاري، والتي يبدو أنّها ستتابع في الزيارة القريبة التي سيقوم بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لأنقرة، إذ اتّفقَ الجانبان الايراني والتركي على ضرورة بذلِ الجهود المشتركة ومع المجتمع الدولي لإيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية، وشدّدا على بقاء سوريا دولةً موحّدة، وذلك على رغم بقاء الخلاف بينهما حول النظام الذي تدعمه طهران وتعارضُه أنقرة التي تقف في المعسكر المنادي بتنحّي الرئيس السوري بشّار الأسد.

على أنّ هذا السياسي يخرج في قراءته للأحداث الجارية في المنطقة، باستنتاج مفاده أنّ المجتمع الدولي، وعلى رغم كلّ الأزمات التي تعانيها هذه الدولة أو تلك، لا يهمّه إلّا حماية أمن إسرائيل.

ويتخوّف السياسي من أن تنتهي هذه الأزمات بأخذ العرب الى ما يمكن تسميته «مدريد ـ 2» أي مؤتمر للسلام مع إسرائيل يمكن ان ينعقد في مدريد التي انعقد فيها مؤتمر «مدريد ـ 1» الشهير، أو يمكن ان ينعقد في جنيف أو فيينا أو بروكسيل أو أي عاصمة أو مدينة أوروبية أو غير أوروبية، لينتهي هذا المؤتمر إلى تسوية لمصلحة إسرائيل وليس لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي تستمرّ الدولة العِبرية في قضمِ أراضيه تدريجاً، استباقاً لِـما سُمّي «حلّ الدولتين»، فهي قضَمت أخيراً ثلاثة آلاف كيلومتر مربّع في الضفّة الغربية ضمن خطة سيَبقى للفلسطينيين بموجبها 35 في المئة منها، وربّما تكون الخطة الإبقاءَ على رُبع المساحة من أراضي فلسطين التاريخية لتقوم عليها الدولة الفلسطينية في إطار «حلّ الدولتين».