IMLebanon

عن يوميات مواطنين تأقلموا مع “فوضى” المؤسسات الرسمية

 

يوم الإثنين الماضي، فتحت دائرة أمانة السجّل العقاري في زحلة أبوابها لإستقبال معاملات المواطنين على مختلف أنواعها. خبر بدا ساراً بالنسبة لأصحاب المعاملات الذين انتظر بعضهم أكثر من ثمانية أشهر حتى يتمكّنوا من التقدّم لإنجاز أبسط معاملة يحتاجونها من الدائرة، في وقت بدا مصير العمل في مختلف دوائر العقارية الموزّعة على محافظات لبنان، غير منفصل عن حالة الترقب التي سادت على أثر تهاوي الرؤوس في دوائر المتن، بعبدا وعاليه، نتيجة لما شهدته من عمليات توقيف واسعة في صفوف موظّفين طالتهم الشبهات بالفساد، ولا يزال بعضهم ملاحقاً قضائياً.

 

حتى تاريخ الإثنين الماضي إذاً، كان موظّفو أمانة السجّل العقاري في البقاعين الأوسط والغربي قد امتنعوا عن استقبال أي معاملة جديدة، وتفرّغوا لإنجاز المعاملات التي تراكمت لديهم نتيجة للأعطال القسرية التي دخلت فيها الدائرة، وتضمّنت أيضاً إضراب الموظفين. إلّا أنّ الفرج الذي انتظره المواطنون بعد طول تململ من صدّ الأبواب بوجه الناس ومعاملاتهم، يبدو أنّه بقي جزئياً فقط، وخصوصاً بعدما أخفى الإعلان عن بدء إستقبال كافة أنواع المعاملات، حقيقة أنّ أبواب دائرتي زحلة والبقاع الغربي لن تشرّع أمام المواطنين إلا ليوم واحد في الأسبوع، أي يوم الإثنين، فيما ستبقى مقفلة بوجههم باقي أيام الأسبوع بذريعة التفرّغ لإنجاز المعاملات التي تكون قد تكدّست في الدائرة خلال هذا اليوم.

 

آلية جديدة يبدو أنّها تسبّبت بإرباك شديد لدى المواطنين الذين توقّعوا زحمة مُعقّبين وسماسرة في أول يوم من الأسبوع، وهذا ما حصل فعلاً. إلا أنّ ما لم يحسب البعض حسابه أن يكون تدارك الوقوع بالزحمة سيرتّب الإنتظار أسبوعاً آخر حتى يتمكّنوا من التقدّم بطلباتهم، وذلك أيضاً مع إمكانية لمواجهة الزحمة نفسها كل أسبوع، طالما أن لا نيّة للعودة إلى الروتين السابق الذي يسمح بإنسياب المعاملات بشكل طبيعي يومياً.

 

ولكن ككل مرّة، أكّد من إلتقتهم «نداء الوطن» خلف الباب الحديد، وقد وقفت إحدى الموظفات كسدّ يمنع المرورعبره نحو مكاتب الموظفين في يوم الثلثاء الذي خلف تطبيق هذه الآلية، أنهم سيتأقلمون مع الأمر. وإذا كان القرار بفتح أبواب أمانة السجّل ليوم واحد فقط، فليكن كذلك. المهم بالنسبة لهم أن يطمئنهم أحد أولاً أنّ الآلة الطابعة التي منع تعطّلها المواطن من الحصول حتى على إفادة عقارية خلال الفترة الماضية، باتت متوفرة.

 

وقد أُبلِغ المواطنون أن آلة طابعة جديدة صارت في الخدمة، بعدما تأخر أيضاً توفير مادة الحبر اللازم لها، التي تمّ تأمينها أيضاً رُميت علبتها الكرتونية في يوم الدائرة المفتوح مع كميات النفايات التي طافت من سللها الموزعة على جوانب الرواق الذي يفصل مكاتب الدائرة وحضن أيضاً الآلات الطابعة المعطلة.

 

لم يكن مشهد هذه النفايات اللاحضاري في دائرة رسمية مستفزاً للحاضرين، طالما أن كل مواطن سيتمكّن أخيراً من تقديم معاملته. وعليه راح أصحاب هذه المعاملات يضعون جداولهم الخاصة، متوقّعين أن يكون أوّل اثنين مخصّصاً لتقديم المعاملة، الاثنين الذي يليه لقطع وصلها وتسديد رسومها في وزارة المالية، الثالث لإرفاق هذه الوصولات مع مستنداتهم، والرابع لإستلامها منجزة… إلا أن الأقل تفاؤلاً بينهم إعتبروا أن مسألة إنسياب المعاملات وفقاً لهذه الآلية، سيتطلب فعالية عالية للنظام الإلكتروني الذي يربط دوائر البقاع بالإدارة المركزية، وخصوصا في مصلحة مالية البقاع، التي يقترن إنجاز المعاملات العقارية بفعالية موظفيها وتجهيزاتها أيضاً.

 

عطل النظام الإلكتروني

 

مجدّداً كادت حسابات الحقل أن تكون غير موافقة لحسابات البيدر. إذ ما كادت أبواب أمانة السجل العقاري في البقاع تقفل على أوّل إثنين من إستقبال طلبات المواطنين، حتى انتشر خبر على هواتف أصحاب المعاملات، عن عطل طرأ على أحد موزّعات النظام الإلكتروني الذي يربط مصلحة المالية بالإدارة المركزية، وقد تسبّب به نقص في كمية المازوت الذي قد لا يسمح بإعادة تشغيلها.

 

شائعة تبيّن أنها ليست صحيحة كلياً، إذ أن أنظمة المالية في البقاع لا تزال موصولة بالإدارة المركزية، وإن تباطأ أداؤها نتيجة للضغط التي تسبّبت بها أعطال الشبكة. وهذا ما لا يسمح وفقاً للمصادر بإنجاز المعاملات بالسرعة التي يتوقّعها المواطنون. إلا أنّ العمل «ماشي» في مصلحة المالية كما تؤكد مصادرها. حتى لو إحتاج الأمر للصلاة حتى لا يصاب النظام الإلكتروني بعطل جوهري، على شاكلة ما حصل قبل أسابيع وعرقل العمل بشدّة لنحو شهر تقريباً.

 

يقول أحدهم إنّ صدر المواطنين تجاه معوقات الإدارة بدأ يضيق، وبالتالي صار هناك تفاوت في مدى تفهّم هذه المعوقات ممّن يتحمّلون مشقّة الإدارة لإستكمال معاملاتهم. بالنسبة لبعض هؤلاء، بدت الإدارة وكأنها متواطئة على الناس في تعطيل مصالحهم. لا بل إعتبر البعض عملية التعطيل في الإدارة العامة وكأنهّا جزء من أجندة مطلوبة لإبقاء البلد في حالة شلل. وإلا، سأل بعض هؤلاء، ما معنى أن يبقى هذا الشلل مفروضاً على الإدارة في عزّ حاجة الخزينة العامة لتفعيل الجباية، سواء أكانت من إستكمال المعاملات العقارية، أو تسديد الضرائب المالية المباشرة او الميكانيك وغيرها من مصادر الدخل التي يمكن أن تتوفر مباشرة من جيوب الناس للإدارة؟

 

ويتبيّن أنّ هذه التساؤلات ليست حكراً على المتضرّرين جرّاء تعطيل الإدارة العامة، بل تجد من يتبنّاها أيضاً في أوساط موظفيها، ولا سيما لدى من هم في مواقع المسؤولية. إذ أنّ الراتب ومطلب تعديله بما يتناسب مع حجم التضخّم كما يؤكد هؤلاء، وإن كان يشكّل الحافز الأساسي الذي يجعل الموظف ينتقل من بيته الى مكان عمله يومياً من دون أن يتكبّد الخسائر، ليس وحده ما يتسبّب بحالة الفوضى التي باتت تعمّ الدوائر الرسمية. وإنّما أيضاً النقص في الموارد الذي يكاد يتسبّب بنوبات عصبية لبعض الموظفين. إضافة الى ظروف مواقع العمل، ولم يعد بعضها قادراً حتى على توفير مستلزمات النظافة. الأمر الذي يجعل هؤلاء يتساءلون ما إذا كانت السلطة الرسمية واعية لمدى خطورة هذا الواقع على مستقبل الإدارة الرسمية؟ وبالتالي إذا كانت كذلك، هل لديها على الأقل تصوّر واضح حول ما إذا كان تحسين الواقع المالي في الإدارة يجب أن يسبق الإنتاجية، أم أن الإنتاجية يمكن أن تؤدّي الى تحسين هذا الواقع المالي؟