IMLebanon

يا للهول

 

نحن عنصريون،
نعم نحن عنصريون لبنانيون،
يا للهول… كما يقول عميد المسرح العربي يوسف وهبي.

لو قال هذا الكلام مرشّحٌ محنّط للانتخابات في دائرة إنتخابية تنتمي إلى بلاد من الأسطورة، لقامت عفاريتُ الأساطير مستهجِنَة ممتعِضة. لكنّ القائلَ رئيس الديبلوماسية اللبنانية الذي تحسب عليه وعلى دولته كل كلمة ينبس بها، وكل حركة يأتيها حتى في طريقة استقبال الضيوف؛ وزير الخارجية، في أعتى النظم التوتاليتارية، يجري اختياره من أهل الدماثة والبال الطويل، ومن مدوّري الزوايا الحادة، لكي يكون همزةَ وصل، ولسانَ حوار.

بعد خطابه المُشار إليه تأكّدتُ من وجوب فصل الوزارة عن النيابة، حتى لا يتوغّل الوزير في شبقه النيابي فيُحدثَ ضرراً للدولة التي يشترك في إدارتها…

ليس الوزير صاحب اجتهاد خاص في السياسة العامة، بل هو منفّذ السياسات التي يعبّر عنها البيان الوزاري المستلهم من توازن القوى ومصلحة البلد. لكننا اليوم نعيش عصراً آخر، استطاع وصفه بدقة ابنُ خلدون في مقدمته المتقدّمة إذ قال:

“عندما تنهار الدول يكثر المنجّمون والمتسوّلون، والمنافِقون “والمدّعون، والمغنّون النشاز، وقارعو الطبول والمتفيقهون، “وقارِئو الكفّ والطالع والنازل، ويختلط الصدق بالكذب، “ويسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف، وتظهر على السطح “وجوهٌ مريبة، وتختفي وجوهٌ مؤنِسة، وتزداد غربةُ العاقل، “ويصبح الانتماءُ إلى القبيلة أشدّ التصاقاً، وإلى الأوطان “ضرباً من ضروب الهذيان، ويضيع صوتُ الحكماء في “ضجيج الخطباء والمزايدات على الإنتماء”.

ولو كان معاصِراً لنا لأضاف إلى ذلك “عندما تنهار الدول يجهر وزير الخارجية بعنصريّته، فيردّ عليه رئيس الحكومة معترضاً، ويعقد الاجتماعات دون الرجوع إلى رئيس الحكومة، فيكتفي رئيسُ الحكومة بالاعتراض أيضاً، ويدشّن السدود والمحطات الكهربائية، فيما وزير الطاقة يناوله المقصّ ويُمسِك له الشريط، ويوعز لمدير مكتبه بالاستقالة، ليعيّنَه سفيراً من خارج الملاك، وتنحسر زاوية رؤيته من الأفق الإقليمي والدولي وما وراء البحار، لتنحصر في حيّز جغرافي انتخابي ضيّق، لم يضق صدرُه يوماً بأهله أو بالآخر، فبشري جبران ينتشر واديها المقدس في العالم، وإهدن مضافة العناصر، والكورة الخضراء مساحة تاريخية للعلم والثقافة والوطنية والعلمانية، والبترون من جرد حرب إلى ساحل عقلٍ وضو، تمرّ بوسط السعادة، دون أن تلوّثَها شبهةُ العنصرية.

لم استغرب ما سمعت فلقد بلوت هذا من قبل، ولكنني أشعر ألّا شيء تغيّر في الخطاب السياسي رغم التسوية التي تمّت، وأنّ الجزئيّات تتقدّم على الكليات، وأنّ مخاطبة الغرائز محت مخاطبة العقول. عند تنصيبه رئيساً للتيار، قال في حضوري – وقد كنتُ ممثلاً لدولة رئيس الحكومة – مَن يريد أن يتفاهم مع مسيحيّي الشرق، فعليه أن يتفاهمَ معنا أولاً، فمال نحوي سفير مصر الدكتور محمد زايد هامساً، “أنّ أقباط حيّ شبرا يفوقون مسيحيّي لبنان عدداً..”

واستمرّ في خطابه “إما أن يكون لنا ما نريد وإلّا فلا حاجة بنا إلى تلك الصخرة..”.

فيا للهول، مرةً أخرى، ولكن هذه المرة بلسان سعيد عقل الذي يقول:

لي صخرة علقت بالنجم أسكنها طارت بها الكتب… قالت تلك لبنان

سمعت الشيخ سامي الجميل وهو يقترح مخيمات موقّتة على الحدود السورية كإجراء أوّلي لعودة اللاجئين إلى بلدهم، وقد كانت هذه هي السياسة التي اقترحتُها عندما تولّيت مهمتي، فرفض وزير الخارجية وما زال، رغم أنّ المخيمات كانت ستمتص العبءَ الفائض على المجتمع، وتحمّل المجتمع الدولي والدولة السورية مسؤولية ذلك الوجود الموقّت. لطالما ناديتُ بضرورة إخراج الملف السوري من دائرة التجاذب لأنه شديدُ الخطر… ذلك أنك إذا أردتَ للأولاد أن يلعبوا كرة القدم قدّمتَ لهم مستديرة منفوخة بالهواء، لا قنبلة متخمة بالبارود.

عندما تولّى الرئيس ميقاتي تشكيلَ الحكومة أراد إبعاد معاليه من وزارة الاتصالات، لأنه كان قويّ الشكيمة في إدارتها أثناء تولّي الرئيس سعد الحريري، فأقنعه بوزارة الطاقة، فتولّاها وبقي في الاتصالات ولما بدأ الرئيس سلام بتشكيل حكومته اقترح نقله من الطاقة لقوة شكيمته أيضاً، فتولّى الخارجية وبقي في السابقتين. هذا المسار يجعلني أحزَر المركز الجديد الذي سينقل إليه إذا ضاق رئيس الحكومة الجديد بقوة شكيمته في وزارة الخارجية.

ومَن لنا عند ذلك بابن خلدون جديد.