IMLebanon

صراخ التصعيد

 

لا أحد يمكنه أن ينكر أن للبنان حقوقاً في المياه البحرية الجنوبية وأن حل النزاع مع إسرائيل هو أمر ضروري لتكريس هذه الحقوق والثروات التي تختزنها، ولا يحق بالتالي لإسرائيل أن تتصرف في المنطقة المتنازع عليها لأن في ذلك اعتداء على حقوق وثروات محتملة للبنان.

 

قبل كل شيء منطقة النزاع المعترف بها لبنانياً وإسرائيلياً ولدى الأمم المتحدة هي تلك الواقعة بين الخطين 1 و23، ولا يكفي أن يتحدث اللبنانيون عن أن المساحة المتنازع عليها تمتد حتى ما يعرف بالخط 29 ومن ضمنه حقل كاريش، الذي يطوره الإسرائيليون لاستخراج الغاز منه في أيلول المقبل.

 

كيف لنا أن نطالب بالخط 29 ونحن حتى اليوم لم نقدم على تعديل المرسوم 6433 الذي يطال حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، وكيف يمكن لنا أن نطلب من عدو أن يعترف بحقوق لنا بينما نحن لم نعترف بها رسمياً بعد؟

 

في ملف النفط والغاز يبقى التخبط اللبناني سيد الموقف، لأن المنطلق في معالجة هذا الملف هو منطلق أبعد ما يكون عن المصلحة الوطنية ومصالح اللبنانيين، فـ»حزب الله» يريد من هذا الملف أن يثبت أنه ما زال القوة العسكرية التي تقارع إسرائيل، ويرغب على الدوام في بث المعنويات لدى بيئته والتهديد بمحو إسرائيل تلك الدولة المأزومة والمنهكة كما يصفها، وكأن لبنان دولة مزدهرة مستقرة وشعبها يعيش برخاء، ويمكن أن يسأل الحزب في هذا الملف وفق ما يقول المثل اللبناني «بدنا ناكل عنب أو بدنا نقتل الناطور؟».

 

أيضاً هناك المنطق المذهبي والطائفي في هذا الملف فالشيعة يريدون أن يجير انتصار الترسيم ونبش الثروات لصالحهم، فيما يريد فريق من المسيحيين وتحديدا «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل أن يجير هذا الإنجاز لصالحه ولصالح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

 

هناك أيضاً منطق الاستفادة المالية ووضع اليد على هذا القطاع. فمهما حاولت الأطراف السياسية المهتمة بملف النفط والغاز التأكيد على وطنية تحركها وأنها تريد لعائدات هذا القطاع أن تكون في خدمة لبنان واللبنانيين، فالحقيقة تبقى أن هؤلاء يريدون الاستفادة لأنفسهم ولجماعاتهم ولزيادة ثرواتهم من خلال صفقات وتركيبات مع الشركات التي يمكن أن تعمل في هذا القطاع، فالكل يعرف أن هؤلاء لن يسمحوا بالعمل لأي شركة إن لم يحظوا بحصة من الكعكة بأي شكل من الأشكال.

 

كل ما تقدم لا يرقى إلى الطامة الكبرى التي يلوح بها من يعيش خارج الواقع اللبناني المأزوم حقيقة والمتدهور على الدوام، وهذه الطامة هي التهديد المتواصل بشن الحرب ضد العدو الإسرائيلي فإذا كانت هذه الحرب لإزالة إسرائيل من الوجود في خلال أيام فأهلاً وسهلاً، أما إذا كانت المقارعة في استخدام الأسلحة على أنواعها والتباهي بالقدرات على التدمير والقتل، فمن المؤكد أن لبنان لن يجني منها شيئاً سوى المزيد من المآسي والخراب والدمار، ولن يجد الجريح مكاناً يعالج فيه أو حتى مسكناً للألم وربما لن يجد المهجر مكاناً يأوي إليه، وحتى الخبز قد لا يجده في هذه الدولة المأزومة حقاً.

 

في هذا الملف ومن علامات الإهمال اللبنانية، كان من الواضح أن الوضع السياسي في إسرائيل ليس مستقراً وأن الحكومة لا تتمتع بأغلبية صلبة وأن حل الكنيست وارد في كل لحظة، وأن ذلك قد يهدد مفاوضات الترسيم مع لبنان وهذا ما حصل بالفعل وارتفعت الصرخة اللبنانية مجدداً مطالبة بعدم المماطلة، ولكن السؤال هل يعتقد المسؤولون اللبنانيون أن العدو الإسرائيلي سيطبق أجندة لبنان في هذا الإطار إذا وجدت، أم سيستجيب للعشوائية اللبنانية؟

 

سذاجة وأنانية المسؤولين اللبنانيين المتعاطين بملف النفط والغاز أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، ولم نعد نملك سوى التهديد والوعيد وأصبحت أمنيتنا لا أن نستخرج الغاز والنفط بل أن نخرج سالمين من حفلة صراخ التصعيد.