IMLebanon

النفط يزداد تعقيداً لعوامل إقتصادية وتكنولوجية

يُعاني سوق النفط العالمي من مُشكلة إنخفاض الطلب التي أدّت إلى زيادة المعروض وبالتالي إنخفاض الأسعار بشكل دراماتيكي على الدول المُنتجة وذلك منذ أواسط العام ٢٠١٤. وقامت المملكة العربية السعودية بخطوة نوعيّة للخروج من هذا الوضع الذي يخلق عجزاً في موازنتها عبر خرق السوق النفطي الأميركي.

يُعتبر سوق النفط من أكثر الأسواق حجماً وكماً وذلك من ناحية أنّ أكثر من ٩٩٪ من السلع أو الخدمات تستهلك النفط في تصنيعها أو أقلّه في إستهلاكها.

وبالتالي أخذت الدول تهتم بشكل شبه كبير بهذا السوق وأصبح النفط مُنتجاً إستراتيجياً وضع الدول المُنتجة له على الخريطة الإستراتيجية العالمية وجعَلها تعوم على كمٍّ هائل من العملات الصعبة.

التاريخ يُخبرنا أنّ هذه المقولة بقيت صحيحة حتى مُنتصف العام ٢٠١٤ حيث أدّى إنخفاضُ الطلب العالمي على النفط إلى تُخمة في المعروض وبالتالي إنخفضت الأسعار ما يُقارب الـ ٧٠٪.

بالطبع التداعيات المالية على موازنات الدول المُنتجة للنفط كانت كارثية وأدّت إلى خلق عجز تاريخي في موازنات بعض الدول. هذا الأخير أوقف العديد من المشاريع الإستثمارية في هذه الدول وإرتفعت معها البطالة في القطاع النفطي والصناعة النفطية بأشكالها المُختلفة.

السياسات الإقتصادية التي إتبعتها الدول المُنتجة للنفط وتعلّق إقتصاداتها بالنفط كمدخول أساسي، هما السبب الأساسي في تسجيل هذا العجز التاريخي في الموازنات. لكنّ ثمة دولاً مُنتجة للنفط عمدت إلى ربط عملتها بالدولار الأميركي بحكم أنّ مداخيلها هي بالدولار.

وبالتالي أدّى إنخفاض سعر النفط إلى ضرب المداخيل في وقت بدأ الإحتياطي الفديرالي الأميركي زيادة أسعار الفائدة ما شكّل ضغطاً إضافياً على المالية العامّة لهذه الدول وإستنزف إلى حدٍ كبير إحتياطاتها من العملات الأجنبية.

وكأنّ هذه المشاكل لا تكفي الصناعة النفطية، أخذت الولايات المُتحدة الأميركية بالبدء بإستخراج النفط الصخري وذلك تحت ضغط أسعار الأعوام السابقة حين وصل سعر برميل النفط إلى ١٥٠ دولاراً أميركياً. وكان للتكنولوجيا دورٌ كبير في نجاح الإستخراج حيث أخذت كلفة الإستخراج بالإنخفاض بنسبٍ كبيرة من ٧٠ دولاراً إلى حدود الـ ٣٠ دولاراً أميركياً للبرميل الواحد.

وأضحى سوق النفط يعيش حالة توازن شبه ثابتة مع ثبات الطلب العالمي على النفط وتحت تأثير النفط الصخري حيث من جهة يؤدّي إرتفاع الأسعار إلى رفع الإنتاج من النفط الصخري مع إرتفاع الربحية ما يؤدّي إلى تخمة في المعروض. ومن جهة أخرى فإنّ إنخفاض الأسعار يؤدّي إلى وقف الإنتاج من النفط الصخري ما يُقلّل من المعروض وترتفع معه الأسعار بشكل تلقائي تؤدّي إلى الحالة الأولى.

من هذا المُنطلق نرى أنّ أسعار النفط تتأرجج في هامش يراوح بين ٤٠ إلى ٦٠ دولاراً أميركياً ولا شيء سيغيّر هذا الواقع إلا عاملان أساسيان:

أولاً- إزدياد الطلب العالمي على النفط وخصوصاً من الماكينة الإقتصادية العالمية. وهذا الأمر ليس بالوارد حالياً على الرغم من المؤشرات الإيجابية من الإقتصاد الأميركي.

ثانياً- تطوّر تكنولوجي يسمح بخفض كلفة إستخراج النفط الصخري وبالتالي زيادة المعروض ومعه إنخفاض أسعار النفط. إلّا أنّ سياسة التعتيم التي تتبعها الشركات النفطية الأميركية حول هذا الموضوع تجعل من الصعب لا بل من المُستحيل معرفة مدى تطوّر الأبحاث العلمية التي تقوم بها هذه الشركات حول هذا الموضوع. يظهر ممّا تقدّم أنّ الولايات المُتحدة الأميركية «تمسك» بسوق النفط بيدٍ من حديد وذلك بجانبيه العرض والطلب:

أولاً- العرض: حيث إنّ صناعة النفط الصخري في الولايات المُتحدة الأميركية أصبح لها وزن كبير في السوق ويُمكن للولايات المُتحدة الأميركية أن تستخدم هذه الصناعة في سياستها الدولية (ضرب دولة مُنتجة للنفط) أو دعم إقتصادها داخلياً؛

ثانياً- الطلب: حيث إنّ الولايات المُتحدة الأميركية حافظت على إستيرادها للنفط الخارجي وبذلك أصبحت هذه الدول عرضة لعقوبات من الولايات المُتحدة الأميركية التي يُمكنها إستبدال الكميات المُستوردة بإنتاج محلّي من النفط الصخري.

هذا الأمر يضع الدول المُنتجة للنفط أمام عدد قليل من الخيارات أوّلها خفض الإنفاق العام والعودة إلى الوراء من ناحية أنّ العجز المُسجّل في موازناتها لا يسمح لها بالقيام بإستثمارات لتنويع إقتصاداتها. كما أنّ رفع الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية لعب دوراً سلباً على الإستثمارات في هذه الدول وأرغم البعض منها على رفع الفائدة للحفاظ على الإستثمارات فيها.

وهنا تأتي الخطوة السعودية كـ»ضربة معلّم» حيث قامت شركة أرامكو العملاقة بشراء أسهم شركة Motiva Enterprises LLC وهي مصفاة نفط أميركية بقدرة ٦٠٠ ألف برميل يومياً (ممّا يجعلها من بين الأكبر حجماً في الولايات المُتحدة الأميركية) ومصفاة Port Arthur إضافة إلى ٢٤ ميناء توزيع.

وبحسب الإتفاقية التي وقعتها شركة أرامكو مع شركة رويال داتش النفطية، ستحصل المملكة العربية السعودية – بشكل غير مباشر – على حصرية بيع البنزين والمازوت في محطات الوقود التابعة لشركة Shell في ولايات أميركية عدة (جورجيا، نورث كارولينا، ساوث كارولينا، فيرجينيا، ميريلاند، واشنطن دي سي، الجانب الشرقي من ولاية تكساس، ومعظم ولاية فلوريدا).

وهذا الأمر يُشكل مخرجاً ذكياً للأزمة التي تطال المملكة نتيجة إنخفاض أسعار النفط العالمية حيث إنّ أرباحها ستزداد حكماً نتيجة الأرباح الآتية من عمل المصفاتين ونتيجة الحصرية.

هذا الأمر يُثبت البعد الإستراتيجي للسياسة النفطية للمملكة العربية السعودية والتي إستفادت حكماً من دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي على خلاف سلفه الرئيس باراك أوباما يسعى إلى دعم المملكة العربية السعودية إقليمياً.

يبقى القول إنّ سوق النفط أصبح يزداد تعقيداً نتيجة عوامل إقتصادية، جيو- سياسية وتكنولوجية. وهذا الأمر يدفع الدول إلى الإبداع للمحافظة على مكانتها على الخريطة الإستراتيجية النفطية.

وهنا نطرح السؤال عن الإستراتيجية النفطية التي سيتبعها لبنان خصوصاً بعد إقراره لمراسيم النفط والتي لم تعد عائقاً أمام المضي في إستخراج النفط مع العلم أنّ إستخراج النفط والغاز وحده لم يعد ضمانة لكي يتمكّن لبنان من بيع إنتاجه.