IMLebanon

على «ضفاف الإتفاق النووي»: صورة تحوّلت خبراً ومحادثات تحكمُها العِبَر

إقتنصَت الصورة الخبر، مرشد الثورة آية الله السيّد علي خامنئي ممدَّداً على فراش المرَض، فيما البهو الخارجي يكتظّ بالمفاوضين. لقد أصبح الاتّفاق على النووي في «متناول اليد»، هكذا أعلنَت المنسّقة العليا للسياسة الخارجيّة والأمن في الاتّحاد الأوروبّي فيديريكا مورغيني… ثمّ استدركت: هناك بعض التفاصيل… ما هي؟

في الوسط الديبلوماسي مَن يؤكّد أنّ الصورة «مشغول عليها»، وأنّ مخابرات بنيامين نتنياهو بالتعاون مع «إيباك»، وبعض الجمهوريّين في الكونغرس، اجتهدوا لنشرها في هذا التوقيت، لإحداث صدمةٍ وحمل المندفعين على التمهّل والتريّث في إبرام الإتفاق، لأنّ جديداً قد يَطرأ في طهران، ويؤدّي إلى خَلط الأوراق. إلّا أنّ إدارة الرئيس باراك أوباما تلقّفَت المستجد بإزدواجيّة مرِنة: تصعيد في الخطاب الإعلامي ضد إيران، ورسائل مطمئنة من تحت الطاولة تُشدّد على استمرار التفاوض حتى تبلغ الأمور خواتيمَها.

وزير الخارجيّة جون كيري كان واضحاً في الرياض، «لن نغفلَ عن نشاطات طهران التي ترعى الإرهاب». سفيرُه في بيروت ديفيد هيل عاد فاستذكر تورّطَ حزب الله في سوريا، بعد طولِ صمت، لا بل بعد طول «غضّ الطرف». مستشارة الأمن القومي سوزان رايس كانت أكثر جرأةً: «أمن الخليج مصلحة حيويّة، ويبدأ بالحيلولة دون حصول إيران على النووي».

ماذا بعد؟

الأمير سعود الفيصل يدفع بالأمور نحو منحى تصعيديّ، ويؤكّد ممنوعين: «القنبلة النووية الإيرانيّة، والتخَلّي عن سياسة زعزعة الاستقرار في المنطقة، والتدخّل في شؤونها». إلّا أنّ الأميركي، وبعد جولات طويلة ومعقّدة من المفاوضات مع طهران، قد أصبح في المقلب الآخر، تفاهُم متقدّم على النووي، وتنسيق وتعاوُن في عدد من الساحات العربيّة الملتهبة.

في الكواليس الديبلوماسيّة ثمَّة مَن يُردّد أنّ الفيصل سأل نظيرَه الأميركي: لقد انتقدتم وأنتم في الطريق إلى الرياض، طهران وحمّلتموها مسؤولية دعم الحراك الحوثي في اليمن، فماذا فعلتم؟ أجابه الأخير: «موقفُنا واضح، إنّنا مع الشرعيّة في اليمن، ومع الاستقرار، وقد عبَّرنا عن ذلك عمليّاً في مجلس الأمن، وكان القرار واضحاً بمضامينه وأبعاده».

إنتهَت الزيارة، لكنَ مفاعيلها لم تنتهِ. المتابعون الديبلوماسيّون يؤكّدون أنّ كيري وضعَ ملاحظات أساسيّة على قيام هلال سنّي، عمادُه «الإخوان المسلمين»، في مواجهة الهلال الشيعي. أشارَ إلى خطورة خطوط التماس المفتوحة بين «الهلالين» من العراق، إلى سوريا، فلبنان، واليمن، وصولاً إلى سائر الساحات العربية والإسلاميّة المنتفضة.

وذكَّرَ باستحالة التوفيق بين أمن الخليج من جهة، والحِرص على تأجيج النزاع على المحاور المشتعلة من جهة أخرى، وشَدّدَ على مدى النفوذ الذي يتمتّع به «الإخوان» في الساحات العربيّة والإسلاميّة، راسماً علامات استفهام حول مدى صِلاتهم بالجماعات الإرهابيّة، خصوصاً أنّ الرئيس المصري الذي استقبلته الرياض قبل أيام عنده قراءة واضحة في هذا الشأن.

لم يُدافع كيري عن طهران، ولكنّه دافعَ بقوّة عن المصالح الأميركيّة، مشَدّداً على ملاحظتين، الأولى: إنّ سياسة بلاده يصنعها الأميركيّون، وإنّ السياسة الخارجيّة تُصنع في واشنطن، و»لا أحد يملي علينا ما يجب فعله» في إشارةٍ واضحة إلى زيارة نتنياهو الأخيرة. والثانيّة: بعد عقود طويلة من الخصومة إستنتجنا بأنّه يستحيل رمي إيران في البحر، إنّها مكوّن أساسي من تاريخ المنطقة وجغرافيّتها، وبالتالي لا بدّ من الحوار.

صورة خامنئي ممدَّداً على فراش المرض، تُوازيها وتُماثِلها صورة الوضع العربي الممدّد على فراش الأزمات المتكاثرة المتفاقمة. والطرفان يحتاجان إلى الطبيب الأميركي، وربّما الدواء، والعلاج أيضاً. وكلٌّ يحاول ضبط ساعته وفق توقيت واشنطن. قد يتوهّم البعض بأنّه في ظرفٍ ما قد يكون قادراً على إحداث تغيير في الأجندات، أو تعديل في سُلّم الأولويات، ولكن عند ساعة الحقيقة يرى أنّ التقرير والتدبير رهنُ إرادة البيت الأبيض.

لاحظَ كيري أنّ هناك رؤوساً حامية تريد أن تدفعَ بالأوضاع نحو مزيد من المواجهات، سواءٌ في العراق أو سوريا، أو اليمن، ومصر وليبيا… وحتى في لبنان الذي لن يكون في منأى عن التداعيات، لكن في المقابل فإنّه يتأبّط الملفّات جيّداً، ويضبط الاستحقاقات وفق المواعيد التي تُحَدّدها المصلحة الأميركيّة، لا تلك التي تُحدّدها صورة أو نزوة.