IMLebanon

آلية واحدة ستتحكّم بالتعيينات العسكرية

يبدو واضحاً أنّ النقاشَ الذي فُتح حول آلية اتخاذ القرارات الحكومية سيستمر الى حين العودة الى التعيينات العسكرية التي تجاوزتها التطوّراتُ سابقاً. فالاستحقاقات في قيادة الجيش ستطلّ برأسِها مجدداً بعد اسبوعين ليبدأ الجدلُ مجدداً حول التمديد أو التعيين على مستوى ثلاثة مواقع في المؤسسة العسكرية. فما هي السيناريوهات المتوقَعة؟

تعجّ الأوساط السياسية والإعلامية في البلاد بروايات تتناول ما ستؤول إليه الأوضاع في المؤسسة العسكرية التي اقترب موعد البتّ بمصير ثلاثة مواقع بارزة فيها، أوّلها رئاسة الأركان التي تنتهي ولاية شاغلها اللواء وليد سلمان في 7 آب المقبل، تليها مديرية المخابرات التي يشغلها العميد ادمون فاضل في 20 أيلول المقبل قبل ثلاثة أيام على إستحقاق نهاية ولاية العماد قائد الجيش العماد جان قهوجي في 23 من الشهر نفسه.

وعلى هذه الخلفيات سيتجدّد الحديث مرة أخرى عن السيناريوهات المتوقعة القانونية منها في نظر البعض وغير القانونية في رأي آخرين، وستختلط فيها الرغبات والتمنيات مع القليل مما هو نظامي ودستوري وخلافهما في آن.

وكلّ ذلك يجرى على وقع قراءات وتفسيرات قانونية ودستورية جنّد لها أصحابها عدداً غير قليل من خيرة اصحاب الكفايات في القانون الدستوري من الوجوه التي ارتضت في مرحلة من المراحل تسخير علمها وإجتهاداتها خدمة لهذا الطرف او ذاك وفق منطق «غب الطلب»، وعلى قاعدة باتت شائعة: «قل لي ما تريده من هذه المادة القانونية أو هذا البند الدستوري لأقدمه لك مدعَماً بالحجج والأمثلة في ملحقات عدة، حتى ولو كانت لا ترضي اصحابها، «فالضرب بسيف السلطان» بات نهجاً معتمداً في لبنان جمّد تطبيق قوانين كثيرة وتجاوز كثيراً ممّا يقول به الدستور بما لا يرضي أصحاب هذه النظريات انفسهم. فهم يقرّون أمام لفيف من الأصدقاء أنهم مجبَرون أحياناً على تقديم هذا التفسير أو ذاك بلا أيّ حرج.

وطالما أنّ القانون والدستور باتا على مشرحة التفسيرات المتناقضة، فقد تغلّبت السياسة على ما يقولان به فوضعا جانباً في إستحقاقات مفصلية كثيرة ونُسجت تحالفات تجاوزتهما في أكثر من مناسبة، فكان التوافق أقوى ممّا يقول به الدستور في محطات عدة تجاوزت فيها البلاد مطبات كبرى.

واضح لمَن يريد أن يرى الحقائق ويتلمّسها كما هي أنّ ما يجري في البلد بُني على هذه الأسس وبات البتّ بملفات وقضايا كثيرة على قاعدة الصفقات المتبادَلة أحياناً أو على قاعدة الأكثرية والأقلية، وهو ما سيكون عليه الوضع في القريب العاجل على مستوى القيادات العسكرية.

وطالما أنّ أوّل الإستحقاقات يطاول رئيس الأركان في الجيش فقد باتت الكرة في مرمى النائب وليد جنبلاط الذي يستعدّ لإتمام هذه الخطوة في أفضل الظروف بالتفاهم مع رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الدفاع سمير مقبل. وعلى رغم الأجواء التي توحي أنّ النقاش في هذا الموضوع بات محسوماً من اليوم، فقد مهَّد له جنبلاط بسلسلة إتصالات شملت الى الوزراء من حلفائه وأصدقائه بقية الوزراء بلا استثناء.

يتذكّر المعنيون بالملف، الإتصال الهاتفي الذي أجراه جنبلاط بالعماد ميشال عون قبل فترة لتوضيح ما نُشر في إحدى الصحف والحديث عن «عملية غدر»، ليفتح خطوط التواصل معه. يومها جنى جنبلاط من الإتصال أكثر من مكسب، إذ تزامن مع أزمة المرسوم الخاص بدعم الصادرات الزراعية الذي اقترحه وزير الزراعة أكرم شهيب ليحصل على توقيعَي وزيرَي «التيار الوطني الحر» في مرحلة لاحقة، بالإضافة الى المرسوم الخاص بتوزيع حصص المستشفيات والمراكز الطبّية من موازنة وزارة الصحة الذي اقترحه الوزير وائل أبو فاعور في الجلسة التي شهدت «حوار الشوارع» قبل ثلاثة أسابيع، فنال هذا المرسوم ايضاً تواقيع الوزراء كافة ما عدا وزيرَي «التيار» لكنهما لم يعترضا عليه وتركاه يمرّ طبيعياً.

قد يسأل البعض ما دخل هذه الرواية بملفّ التمديد أو التعيين في المؤسسة العسكرية؟ والجواب يكمن في أنّ لها تتمة ترتبط مباشرة بملف التعيينات العسكرية وهي تقول: في لقاء حزبي سأل أحد المسؤولين الحزبيين جنبلاط عن الهدف من الإتصال بعون بعد المواجهات التي شهدها محيط السرايا بين الجيش وشبان «التيار» وهو في ذروة العزلة السياسية. فردّ جنبلاط برحابة صدر، وفي مجال شرحه للنتائج ردّ على السؤال بسؤالٍ آخر: ألم تنتبّهوا إلى أنّ هذا الإتصال أدّى الى صدور مرسومَين يتيمين عن حكومة توقفت عن العمل منذ 4 حزيران الماضي وهما للرفيقين اكرم ووائل؟

وهل سمعتم بصدور مراسيم أخرى غيرهما؟ وما رأيكم لو وصلنا الى التعيينات العسكرية فكيف سنواجه مرسوم التمديد لرئيس الأركان في 7 آب المقبل بغير التوافق مع مكوّنات الحكومة جميعها؟ لدينا أسماء أخرى لرئاسة الأركان ولكن هل من المنطقي أن نعيّن رئيساً للأركان ونعارض تعيين قائد جديد للجيش؟ لا، المعايير نفسها ستنسحب على المواقع العسكرية كافة.