IMLebanon

هل من عملية إسرائيلية برية في غزة؟ ومتى؟

 

 

قياساً على حجم الحركة الديبلوماسية الناشطة التي شهدتها بيروت منذ السبت الماضي تزامناً مع إطلاق عملية «طوفان الاقصى»، تعددت السيناريوهات اليومية التي تحاكي اليوم التالي، نتيجة المفاجآت التي تلاحقت منذ الساعة الاولى لبدايتها. ولأنها لم تكن تقليدية بات من الصعب تقدير مراحلها وما يمكن ان تؤدي اليه، ومنها صعوبة الحسم بإمكان القيام بعملية برية لاجتياح غزة. وعليه، طرح السؤال عن الظروف التي تُرجّحها او تنفيها؟

تتزاحم الاسئلة المتصلة بتداعيات عمليتي «طوفان الأقصى» التي أطلقتها حركة «حماس» في السابع من تشرين الاول الجاري و»السيوف الحديدية» التي ردت بها اسرائيل عليها بعد التقييم الاولي لأحداث الساعات الاولى الناجمة منها، من دون ان تتوافر الإجابة عن كثير من وقائعها. فما حَملته التطورات من متغيرات في الشكل والتوقيت والمضمون، يستدعي ترقّب الخطوات المقبلة الممكنة منها والمستحيلة، خصوصا تلك التي تحتاج الى البحث والتدقيق في الظروف التي سمحت بها، وفي انتظار فهم خلفيات المفاجآت التي جاءت بها على اكثر من مستوى عسكري وسياسي واستراتيجي.

وان كانت الدوافع من أسرع ما انتهت إليه العمليتان، فإنّ ما قصده طرفا النزاع الفلسطيني والاسرائيلي بَرزَ واضحاً في المراحل الاولى من العمليتين. ولذلك تعددت السيناريوهات التي تحاكي مستقبل العملية وما يمكن أن تقود اليه بين يوم وآخر من دون القدرة على استشراف المستقبل البعيد حتى ولو احتسب بالايام المقبلة. فكل ما هو واضح ان التحضيرات جارية لمسلسل طويل من الأحداث الدموية على أكثر من ساحة سواء الفلسطينية منها او في الاراضي المحتلة كما بالنسبة الى ما يمكن ان تشهده ما كان يسمّى «دول الطوق» وتلك المتصلة جغرافياً بالقطاع والحدود الاسرائيلية الشمالية مع لبنان والشرقية مع سوريا والأردن والجنوبية مع سيناء المصرية. فلكل جبهة من هذه الجبهات خصوصية مختلفة عن الاخرى، وعليها تترتب النتائج المختلفة.

 

فباستثناء الاقتحامات «الحمساوية» على تخوم غزة وعمق غلافها المحتل، وما قادت اليه من مواجهات دامية في العشرات من النقاط الساخنة المنتشرة على مساحات واسعة، كما في بعض المدن والقرى الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، ظهرت اولى التداعيات على الجبهتين السورية واللبنانية بما شهدته من مناوشات في نقاط حدودية عدة، قياساً على حجم ما شهدته الجبهات الاخرى لا سيما منها محيط غزة. وعليه، فإنّ الساحة الاردنية حافظت على هدوئها المعهود عدا عمّا شهدته الحركة الاستثنائية على المعابر المفتوحة مع الأراضي المحتلة خصوصاً «جسر الملك حسين» الذي تحوّل نقطة عبور إجبارية وآمنة للمقيمين في اسرائيل والراغبين بالفرار منها نتيجة ما أصاب حركة الطيران في مطار بن غوريون من مخاطر مُحدقة ولو لفترات محدودة ومتفاوتة أدت الى تجميد وإلغاء عشرات الرحلات الجوية المنتظمة اليه، ونتيجة عدم وجود أي وسيلة لاستخدام مطارَي حيفا ورامون في شمال البلاد ومنطقة النقب الجنوبية، بحيث تحوّل مطار عمان نتيجة الوضع الأمني المفاجئ الوجهة المفتوحة باتجاه دول العالم.

 

وقياساً على هذه الظروف الناشئة عما حصل وما شكلته عملية «طوفان الاقصى» من مفاجآت صاعقة وغير محتسبة، باشَرت المراجع الديبلوماسية والعسكرية التداول بمسلسل الأحداث المرتقبة التي يمكن أن تقود اليها المواجهة المفتوحة على شتى الاحتمالات، ومنها الحديث عن عملية برية لاجتياح قطاع غزة مرة أخرى بعد الانتهاء من السيطرة على الكيبوتزات والمستعمرات التي دخلتها حركة «حماس» تمهيدا لحصر المواجهة المقبلة بتخوم القطاع.

 

وإن دخلت هذه المراجع في مناقشتها لكل ما هو متوقع فإنه على رغم من الحديث عن التحضيرات الاسرائيلية التي تلت «إعلان الحرب»، فإنّ هناك من لا يزال يشكك في احتمال قيام اسرائيل بعملية برية استناداً الى مجموعة من المؤشرات في مواجهة من يعتبر أنها حتمية في انتظار ساعة الصفر للقيام بها. وهو نقاش ما زال قائما وربما سيطول البحث فيه انتظاراً لبعض المعطيات الدولية التي يجب توفيرها قبل القيام بعملية دموية تُحيي في الأذهان اعمال التطهير العرقي والمذهبي التي شهدتها بعض دول العالم ولم تنس نتائجها بعد.

 

ومهما تعددت السيناريوهات المتوقعة، فإن معظمها يشير الى سيل من بحور الدم التي ستجري في شوارع قطاع غزة عَدا عن التكلفة العسكرية المقدرة لها على الجيش الاسرائيلي في توقيت لم تستوعب فيه بعد قيادتاه السياسية والعسكرية ما انتهت إليه عملية «طوفان الأقصى» التي نفّذها آلاف الحمساويين من البحر والبر والجو بتنسيق غير مسبوق بين مختلف هذه الاسلحة، والتي اساءت بنحوٍ لا نقاش فيه الى هيبة الجيش الاسرائيلي ونزعت منه الثقة التي نالها في الداخل والخارج.

 

ولمّا كان أصحاب النظرية الاولى ما زالوا يستبعدون العملية البرية استنادا الى معلومات قليلة عن احتمال وجود مبادرة أميركية سيحملها وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل في الأيام المقبلة لتلاقي مبادرات أخرى ما زالت في الظل، وإن تسرّب منها الاقتراح القطري الذي تحدث عن عملية تبادل للأسرى النساء لدى «حماس» بالسجينات الفلسطينيات، هناك حديث في الأقنية الديبلوماسية المقفلة عن اقتراح مصري مدعوم تركيّاً وهو موضوع نقاش مع الأميركيين، وربما كانت هناك مبادرة سعودية أخرى تحظى بالتغطية عينها وهي تستند الى محادثات التطبيع التي سبقت العملية الصاعقة التي جَمّدتها وأبعدتها عن سلم الأولويات الاقليمية والدولية.

 

وبالنظر الى ما يعوق النظرية الاولى، فإنّ الحديث عن حتمية الثانية له مقومات ما زالت تتقدم بأي اقتراح او تفكير بحراك سلمي يقود الى وقف للنار. ومَرد مكامن القوة في هذه النظرية القول انّ أي حل سياسي او ديبلوماسي ما زال بعيد المنال قبل ان تستعيد اسرائيل شيئاً مما فقدته في الايام الاربعة من هيبة لم تعرفها في حياتها وسط شعور بأنها مَسّت أيضاً داعميها الدوليين من واشنطن الى باريس ولندن وبرلين، وربما عواصم عدة في العالم لم ترتعد يوماً لما ارتكبه الجيش الاسرائيلي في القدس والضفة الغربية وغزة من فظائع، حتى رأت في اقتحام «حماس» لبعض البؤر الاستيطانية والكيبوتزات والمواقع العسكرية المحصنة ما سَمّته «المجازر» التي استنسخت فيها الوسائل الاسرائيلية في تعاطيها لعقود من الزمن مع سكان المدن الفلسطينية التي اقتحمتها وطريقة تعاطيها مع المسلحين في مواجهاتها الاخيرة والحروب المتلاحقة في الضفة وغزة.

 

وبناء على ما تقدم، تعترف مراجع ديبلوماسية وعسكرية بصعوبة تقدير احداث الايام المقبلة والتي تقاس بما هو مرتقب في الساعات لا بالايام. فمساعي تشكيل «حكومة الوحدة الوطنية» في إسرائيل قد يكون سبباً قبل تحديد ساعة الصفر لعملية برية. وقد يكون تكوين الترسانة العسكرية الاميركية والغربية التي وصلت طلائعها الى اسرائيل سبباً آخر، خصوصاً تلك التي تتحدث عن صواريخ متخصصة بضرب الأنفاق العميقة إن احتسب واضعو خطط الهجوم أن ما تحت أرض غزة من ترسانة بشرية وعسكرية أكبر مما هو فوقها. وقد يكون ذلك عائقا امام اي تقدم بري يضع الآليات المُدرّعة امام مخاطر جمة من دون احتساب كلفتها على المدنيين الفلسطينيين الذين يحتاجون الى مقومات العيش اليومية، وعندها ستسقط كل النظريات والتحليلات ليشهد العالم اكبر مجزرة في التاريخين القديم والمعاصر.