IMLebanon

فرصة للإصلاح  

 

 

إنهم على حق في كل ما يقولونه، لأنه صرخة ألم صادرة عن معاناة كبيرة تتجاوز قدرة المواطن اللبناني على التحمل، لدرجة أنه فاض الإناء… بل لقد فاض من زمن، ولكن كان ان انفجر في هذه السانحة.

 

إنّ الشارع في هذه الانتفاضة إنما هو يغص بهذه الحشود الحاشدة ليس فقط بسبب ما يعانيه اللبنانيون إنما أيضاً بسبب فقدان الثقة بينهم وبين المسؤولين، إنّ هناك هاوية سحيقة بين الجانبين، والدولة هي المسؤولة عن هذه الهاوية وليس المواطن المغلوب على أمره الذي جلّ همّه أن يتمكن من ظروف حياته ولقمة عيشه بكرامة.

 

والشارع اليوم أمام سلّة إصلاحات مهمّة من شأن الأخذ بها أن تواجه الأزمة الاقتصادية الكبيرة، ولا نقول أن تتغلّب عليها، إلاّ انها ستحد منها كثيراً بالتأكيد.

 

وهذه فرصة للإصلاح لا يجوز أن تفوت على البلاد والعباد، والسلبية المطلقة لا يمكن أن تشكل حلاً لأصحابها وللآخرين، فهل يكتفي المعتصمون في الشارع (وهم أصحاب حق واضح من دون أدنى شك) هل يكتفون بمواجهة أي إقتراح أو خطة إصلاحية ذات طابع إنقاذي بالقول لا… لا… لا…؟

 

وفي التقدير أنه يجب إلتقاط الفرصة وإعطاء مهلة قصيرة للمسؤولين ليضعوا الخطة الإصلاحية موضع التنفيذ… وفي ضوء ما تكون النتائج يُبنى على الشيء مقتضاه، علماً أنّ الساحات والشوارع والطرقات باقية مكانها وفي الإمكان الرجوع إليها ساعة يشاء المتظاهرون… وذلك كي لا يتحمّلوا نتائج إسقاط هذه الفرصة السانحة، فتكون جهودهم ومطالبهم قد ذهبت هباءً.

 

تكراراً لا شك في ان المتظاهرين على حق، ولا شك في أنه طفح الكيل، ولا شك في أنّ الحالة لم تعد تطاق، ولا شك في أنّ الذين حكموا البلد وتحكّموا به طوال عقود وعقود كلهم مسؤولون عن وصول البلاد الى هذه الأوضاع المأساوية الموجعة، ولا شك، أخيراً وليس آخراً، في أنّ سلبيات وفساد وارتكابات تلك العقود لا يمكن التوصل الى إزالتها في ساعات أو أيام، ولكن لا بدّ من إعطاء الفرصة لهذه المحاولة الأخيرة التي يجزم كل مَن اطلع عليها، وهي لم تعد سراً، بأنها تحمل بذور إصلاح جذري.

 

ويجب الإقرار بأنّ لبنان اليوم لم يعد لبنان الذي عرفناه قبل حرب ١٩٧٥، يومها كان ١٠٪ من الأثرياء و٢٠٪ من الذين هم على خط الفقر، بينما كانت الأكثرية الساحقة من الشعب ٧٠٪ من الطبقة الوسطى التي هي أساس الثبات الاقتصادي الذي هو العمود الفقري للإزدهار… أمّا اليوم فالأكثرية الساحقة تقف تحت خط الفقر في وقت تتجمّع الثروات في قلة نادرة من اللبنانيين، بينما زالت الطبقة الوسطى من الوجود، وهذا ما تسبّب بالإخلال في التوازن الاجتماعي الذي ولّد هذا القدر من البؤس والتعاسة جرّاء الفقر المدقع.

 

صحيح أنّ علم الارز جمع تحت أفيائه الجماهير في مختلف الساحات على امتداد رقعة الوطن من الجنوب الى الشمال ومن الغرب الى البقاع شرقاً، إلاّ أنّ بذور الطائفية والمذهبية البغيضتين لا تزال موجودة وعلى استعداد لتنبت مجدداً… فحذار.