IMLebanon

خيارات الحريري… أحلاها مُرّ!

من المبالغة القول إنّ في الإمكان تقديم توصيف دقيق للمشهد الرئاسي جراء الضباب الكثيف المتكوّن على الخط الرئاسي، والذي يحجب رؤية كلّ ما يحيط به محلياً وخارجياً، وعلى وجه التحديد سعودياً.

الصورة الحالية على الخط الرئاسي هي نفسها الصورة التي كانت ماثلة قبل عودة سعد الحريري، لم يتبدل شيء، فالجامع الاساس بين الصورتين أنّ الحريري قبل العودة كان ينتظر أن يبلور موقفه النهائي لحسم خياره بترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وبعد عودته ما زال ينتظر… ولكن ليس معلوماً الى متى سينتظر.

واضح أنّ الاندفاعة الرئاسية السريعة التي مدّتها مشاورات الحريري وحركته بحيوية ولّدت مناخاً تفاؤلياً بقرب تصاعد الدخان الابيض الرئاسي، قد تفرملت. دارت مشاوراته دورتها على القيادات السياسية، وربما تدور دورة ثانية في القريب العاجل، قطع وعداً لميشال عون بأنه سيعلن خياره العوني خلال مهلة اسبوعين، وها هي المهلة تتآكل، ولا جديد حولها.

تحدث الحريري عن مشاورات خارجية لا بدّ منها، والسعودية هي المحطة الاساس فيها. قيل إنّه سافر الى السعودية أو تواصل معها، وقيل إنه لم يظفر بما سعى اليه فأجواء المملكة غير مشجّعة.

وقيل إنه لم يستسلم وسيكمل مشاوراته بهدوء وبلا ضجيج. ولكن أيّ مآل ستصل اليه هذه المشاورات – إن بدأت – في ظلّ مناخ سعودي غير مشجّع، ومناخ محلّي منقسم على ذاته، وفي مناخ اقليمي ودولي مشتعل، لا يُشجّع على المجازفة والقول إنّ لبنان مقبل على تسوية رئاسية بمعزل عمّا يجرى من حوله.

في أيّ حال، المدى الزمني ليس مفتوحاً امام الحريري، وموعد النطق بكلمته يقترب تبعاً للوعد الذي قطعه لعون، سواء أكمل هذه المشاورات بشقيها الداخلي والخارجي أو لم يكملها، وسواء تلقى كلمة السر السعودية أو لم يتلقَّها، ومع كلمته المنتظرة سيتفاعل الداخل إما سلباً او إيجاباً، وللسلبية أثمانها السلبيّة في جانب وقد لا تستثني أحداً بمَن فيهم الحريري نفسه، وللإيجابية أثمانها الربحية في جانب آخر.

هذه الأجواء الملبدة داخلياً وغير المشجعة سعودياً، تُبقي الكرة في ملعب الحريري، وتجعله يقف على مفترق خيارات، أحلاها قد يكون مرّاً بالنسبة اليه:

– الاول، أن يتراجع عن خيار عون وخيار فرنجية، ويعلن الذهاب الى خيار الرئيس التوافقي، وإن كان لهذا الخيار مقبولية لدى شريحة سياسية كبيرة، إلّا أنه يصطدم بحاجز عون ومن خلفه «حزب الله».

– الثاني، أن يتراجع عن خيار عون، ويبقى على خيار فرنجية، وهنا يقع امام مشكلة متجددة مع عون وفريقه، ويضع مصداقيته امام اختبار صعب، كما يضع نفسه امام محاولة اعادة ترميم خيار فرنجية الذي أصيب بتصدع كبير جراء توجّه الحريري نحو ترشيح عون.

وبالتالي النتيجة الحتمية لهذا الخيار أنه سيخسر عون الذي سيذهب الى التصعيد المفتوح حتماً، وقد لا يربح فرنجية الذي من حقه في هذه الحالة أن يفكر مليّاً بصدق النوايا والتوجّهات.

– الثالث، أن يبادر بعد عودته الى بيروت، انطلاقاً من كونه اصبح أسير توجّهه نحو دعم ترشيح عون لرئاسة الجمهورية، ولا يستطيع التراجع عنه، الى رمي الكرة في ملاعب كلّ الآخرين على قاعدة «عليّ وعلى أعدائي»، وليحصل ما يحصل.

فيشهر موقفه هذا علناً، ويعلن صراحة تأييده لعون رئيساً، إذ من شان ذلك أن يُحدث دويّاً هائلاً في المشهد الرئاسي، ويضع القوى السياسية أمام الأمر الواقع، ويربكها، ويفرض عليها اعادة انتاج مقارباتها او تطويرها او تغييرها تبعاً للواقع الجديد.

إلّا أنّ نتائج هذا الخيار قد لا تكون مضمونة أبداً، ذلك أنّ إسقاط هذا الإعلان، على واقع داخلي منقسم على ذاته اصلاً، من شأنه أن يزيد الانقسام والارباك، ويفرز البلد بين معسكرين؛ «مع» و»ضد»، ويرفع من وتيرة الخطاب بينهما… فأيّ انتخاب سيحصل في هذا الجوّ؟ وماذا سيكون عليه موقف الحريري ووضعه ساعتئذ.

ثم إنّ هذا الاعلان بمعزل عن أيّ غطاء سعودي واضح وصريح، قد لا تكون ضربة موفقة، بل بالعكس، فإنّ الحريري قد يفكر أكثر من مرّتين قبل الذهاب الى مثل هذا الخيار، إذ ستكون له أكلافه وأثمانه، التي قد لا يكون الحريري قادراً على دفعها أو على تحمّل تبعاتها وعواقبها.

– الرابع، أن يمارس لعبة إحراج للمعترضين على توجّهه نحو تأييد عون، بأن يبادر الى اعلان تأييده عون عشية جلسة مجلس النواب المخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية في 31 تشرين الاول الجاري. ويُقرن هذا الإعلان بتحدّي هؤلاء المعترضين، بدعوتهم الى النزول الى الجلسة والاحتكام للعبة الديموقراطية.

إلّا أنّ نتيجة هذا الاعلان غير مضمونة أيضاً، فقبل الحديث عن الإحراج والقول إنّ المعترضين سينزلون إلى جلسة 31 تشرين او لا ينزلون، لا بدّ من السؤال أولاً، هل سينزل عون نفسه الى الجلسة؟

أعلن فرنجية صراحة من على منبر عين التينة، أنه مستمر في ترشيح نفسه حتى ولو بقيَ معه نائب واحد، وعون قال سابقاً إنه لا ينزل الى جلسة منافساً لأيّ مرشح، بل ينزل اليها مرشحاً وحيداً وضامناً للفوز، إذ إنّ «المنافسة» مع أيّ مرشح آخر، قد تنطوي على كمين من شأنه أن يؤدي الى فوز المرشح الآخر، فكيف بالنسبة الى فرنجية الذي ما زال يستقطب مؤيّدين له علنيين ومستترين؟

ولا بدّ من السؤال ايضاً، هل سينزل «حزب الله» الى الجلسة في هذه الحالة؟ علماً أنّ الحزب حريص على أن يراعي عون ويماشيه في أيّ خطوة يمكن ان يذهب اليها للوصول الى القصر الجمهوري، وفي هذه الحالة لا يمكن أن ينزل الى جلسة يغيب عنها عون.

إلّا أنّ ما يحرص عليه اكثر من أيّ أمر آخر ويقدمه على كلّ ما عداه، هو العلاقة مع نبيه برّي، وبالتالي فإنّ الحزب ممسك بمسلّمة اساسية لا يتخلى عنها تحت أيّ اعتبار، وخلاصتها «بري أولاً»، فكما أنه لا يَنزل الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بمعزل عن حضور برّي، (علماً أنّ بري لم يتخلّف عن حضور كلّ الجلسات الانتخابية السابقة)، فهو في الوقت ذاته لا ينزل الى جلسة، وبرّي معترضاً على مرشح معين، عون او غيره.

هناك مَن قرأ هذه المسلمة «في الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله، إذ إنّ نصرالله عندما تحدث عن حكومة وحدة وطنية في العهد الجديد، يعني حكومة تجمع الجميع، وهذا معناه أنه للوصول الى مثل هذه الحكومة، يفترض أن يكون عون المرشح محلّ إجماع ومتفقاً عليه قبل الانتخاب.

أي أنّ كلام نصرالله يستبطن دعوة الى تفاهمات ترضي القوى الاساسية، علماً أنّ تفاهمات بهذا الحجم، قد لا تتمّ بين ليلة وضحاها بل إنها قد تفتح بازاراً طويلاً عريضاً وتتطلب وقتاً لفكفكة مطالب كلّ طرف وتحديد حجم التنازلات المتبادلة، وهنا يبرز السؤال هل عامل الوقت لمصلحة عون ام ضده.

وفي الخلاصة هنا، فإنّ لبننة الاستحقاق – طالما أنّ الخارج لا يتدخل- تقتضي ألّا يكون هناك معترضون كبار على المرشح (عون). ولذلك من الصعب أن تعقد جلسة يكون فيها معترض بحجم برّي، وبالتأكيد إنّ «حزب الله» لن يكون مشاركاً فيها.

– الخامس، أن يبقى على خيار عون، لكن شرط ألّا يعلن ذلك رسمياً إلّا بعد تلقيه إثباتاً من القوى الاساسية في ما كان يُسمى «8 آذار»، أي «حزب الله» وبرّي وفرنجية. وثمّة معلومات لدى بعض «الحلفاء الجدد» لعون، تفيد بأنّ الحريري قرّر ألّا يلدغ من الجحر مرتين، ولا يتكرر ما حصل معه حينما مشى بخيار فرنجية، والتحفظات السعودية التي نشأت آنذاك اضافة الى اصطدام هذا الترشيح بما منعه داخلياً من بلوغ حافة الانتخاب.

وبحسب هذه المعلومات، أنّ الحريري لن يطلب ذلك شخصياً، بل سيطلب من عون الاستحصال على موافقة «8 آذار» أولاً، وبعدها يعلن موقفه.

قد يفسّر هذا الخيار على أنه هروب الى الامام، إلّا أنه لا يلقي الكرة في يد «8 آذار»، بل في يد عون وحده، إذ إنّ الاستحصال على موافقتها كلها، شبه مستحيل، ومعلوم حجم العقبات التي تعترضه وتعارضه في هذا الجانب.

كلّ هذه الخيارات ممكنة، والذهاب الى أيٍّ منها، ينطوي على إشارة غير مباشرة انما واضحة، إلى أنّ الحريري لم، لا بل لن يتلقّى «الضوء الأخضر» الذي من شأنه أن ينير طريق عون الى رئاسة الجمهورية وكذلك طريقه هو شخصياً الى رئاسة الحكومة.