IMLebanon

 «ثورة النخل» ٢٠١٦ ضدّ «حزب الله»: «ثورة أرز» مصغّرة

هناك وجه شبه بين عامَي ٢٠٠٥ و٢٠١٦ وفق قراءة مصادر مطّلعة على خلفيات تفكير كواليس سياسية خليجية تُتابع مجريات ما تسميه «الهجوم المعاكس للرياض على حزب الله».

آنذاك، عام ٢٠٠٥، ارتكبت الإدارة السورية في لبنان خطأين استراتيجيَّين تسبّبا، مع أسباب اخرى، بانسحاب سوريا من لبنان وانتهاء زمن الوجود السوري فيه، وفي المقابل انطلاق مفاعيل ثورة الأرز اللبنانية ضدّ دمشق.

تمثل الخطأ الأوّل بإصرار الرئيس بشار الأسد على التمديد، الأمر الذي استغلّه الدوليون لمصلحة تنفيذ سيناريو دولي معد مسبقاً ضدّ سوريا في لبنان.

يقول أصحاب هذا الرأي إنّه لو تحسّبت حينها دمشق المرحلة بدقة وبشكل مبكّر، لكان أمكن للأسد أن يمتص الكثير من احتقان الموقف الدولي والاقليمي والداخلي اللبناني الذي انفجر في وجهه في آذار ٢٠٠٥.

كان يمكن لدمشق أن تُوافق على ترشيح شخصية محترَمة كانت مطروحة آنذاك لرئاسة الجمهورية، وبذلك تنشئ عهداً جديداً في لبنان يقدم شيئاً من التنازلات للسنّة والمسيحيين، ما يُتيح إمكانَ تأسيس حوار لبناني وخارجي مع سوريا في لبنان وليس القطيعة معها؛ أقلّه كان الأسد يستطيع إحراج سيناريو إخراجه من البلد بالطريقة التي حدثت.

غير أنّ الأسد رأى حينها أنّ التمديد هو خطّ دفاع سياسي داخلي وإقليمي ودولي في وجه العاصفة الدولية المقبلة عليه في لبنان. لكن، سرعان ما اتضح له أنّ الكائدين الدوليين له، وأبرزهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك، حوّلوا هذا الخط الى فخّ أوقعوا في مصيدته كلَّ المعادلة السورية في بلد الأرز.

الخطأ الثاني الذي وقع فيه الأسد هو عدم قيامه بخطوة استباقية مبكرة لامتصاص نتائج التغيّر الاستراتيجي الدولي الذي حدث حينها وتمثل بسحب الدوليين تفويضهم لدمشق بإدارة لبنان.

كان يمكن للأسد أن يستبقَ تفاعل عملية نضوج هذا التغير الدولي عبر سحب جيشه من لبنان الى البقاع وفق ما ينصّ «الطائف»، وذلك في توقيت يختاره بنفسه، الأمر الذي يحول دون أن يفرض عليه الدوليون وفق توقيتهم انسحاباً قسرياً من لبنان، يتّسم بالإهانة وتُظلّله أجواء أنه إذعان لـ»ثورة لبنانية» ضده.

هناك الآن داخل دوائر «١٤ اذار» مَن يقول نقلاً عن مصادر خليجية ودولية إنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله يُكرّر العام ٢٠١٦ المتسم بأنه يشتمل على متغيرات إقليمية ودولية مفصلية، الخطأين نفسيهما اللذين ارتكبهما الأسد في لبنان عام ٢٠٠٥ الذي كان مفصلياً أيضاً في تحوّلاته.

خطأ نصر الله الأوّل يقع في إصراره على تبنّي ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية حصراً، وذلك على نحو يُكرّر إصرار الأسد على التمديد. ويقع أيضاً في تشدّد نصرالله في رفض أيّ مرشح آخر غير عون، وهذا ما فعله الأسد عام ٢٠٠٥ برفضه الإتيان برئيس جديد على رغم أنّ جميع المرشحين الآخرين كانوا قريبين من قصر المهاجرين.

ربما يعتقد نصر الله أيضاً بأنّ ترشيح عون وإيصاله إلى بعبدا يشكل «خطأً دفاعياً استراتيجياً داخلياً» في مواجهة الهجمة الدولية والإقليمية الناشبة ضدّه والتي يُتوقع لها أن تتصاعد في المرحلتين المنظورة والتالية.

وفي نظر هؤلاء أنّ نصرالله أضاعَ غير فرصة تشبه الفرص التي فوّتها الأسد عام ٢٠٠٥، منها فرصة الإتيان برئيس للجمهورية من «٨ آذار» مقبول عربياً، ما كان سيُجنّبه ثقل المواجهة المباشرة الجارية حالياً بينه وبين الرياض، وسيفيده بإنشاء عهد رئاسي قادر على إنتاج توازن في البلد يقبله الدوليون بين الرياض من ناحية وطهران ودمشق من ناحية ثانية.

الخطأ الثاني يجد تعبيره في أنّ نصر الله عام ٢٠١٦ يُكرّر تجاه وجود قواته في سوريا، خطأ الأسد نفسه الذي وبدلاً من أن يسحب قواته من لبنان وفق توقيت يختاره بنفسه وأجندة إعادة انتشار متمرحلة لا توحي بالهزيمة، فإنّه انتظر العاصمة الدولية لتقتلعه من بلد الأرز اقتلاعاً.

ملخّص الفكرة هنا، أنّ الحزب يُحاكي سلوك الاسد بعدم اتخاذه قراراً مبكراً بالانسحاب من سوريا يحدّد هو نفسه توقيته، ما سيُضطره لاحقاً للانسحاب منها تحت ضغط توقيت دولي يكرّر ضده في سوريا نتائج مفاعيل القرار ١٥٥٩ نفسها ضدّ الوجود السوري في لبنان عام ٢٠٠٥.

هل تصحّ هذه المقاربة؟ وهل فعلاً التاريخ يُكرّر نفسه على هذا النحو الاستنساخي؟

«ثورة النخل»

الدوائر المراهنة على نجاح تكرار هذا السيناريو، تلفت الى اعتبارات او وقائع عدة تحدث الآن في لبنان:

أوّلها وجود تشابه رمزي بين الوفود الحزبية والسياسية والأهلية اللبنانية التي تتوافد منذ أيام الى السفارة السعودية في بيروت، لتؤسّس لانتفاضة رأي عام لبناني ضدّ ما تسميه سياسة «حزب الله» لإلحاق لبنان بالمحور الإيراني، وبين ساحة الشهداء التي تقاطر إليها عشرات آلاف اللبنانيين عام ٢٠٠٥ لتنشأ ثورة شعبية ترفض الوصاية السورية على لبنان.

وترى هذه الدوائر أنّ ما يحصل الآن هو بداية إرهاصات «ثورة النخل» ضدّ إيران في لبنان عبر التصويب على «حزب الله»، وذلك على نحوٍ يحاكي ولو بشكل مصغر، «ثورة الأرز» اللبنانية ضدّ سوريا عام ٢٠٠٥.

وتقول هذه النظرية إنّ السعوديين في تحرّكهم الراهن لإنشاء مظهر ثورة شعبية ضدّ «حزب الله» في لبنان، لا ينطلقون من فراغ، حيث لديهم تجربة قريبة في مصر ساهموا خلالها بعمق في تأطير مناخ شعبي مصري أسفر عن انتفاضة «٣٠ يونيو» التي أخذت أكبر دولة عربية من معادلة حكم الإخوان المسلمين الى عودة العسكر للحكم، والى الثأر بمفعول رجعي من تواطؤ الرئيس باراك أوباما على حسني مبارك.

ثاني الاعتبارات التي تلفت اليها المصادر عينها تؤشر إلى ضرورة ملاحظة أنّ «ثورة النخل» السعودية «الملوّنة» تعصف ريحها في لبنان في توقيت تذهب فيه الأزمة السورية الى أوّل تجربة جدّية لتنفيذ وقف النار في خمس مناطق، ويصادف أنها كلها تقع داخل حدود منطقة «سوريا المفيدة».

وإذا نجحت خطة هدنة وقف النار، فسيعني هذا أنّ النظام في سوريا بات يقف على أرض سياسية وديموغرافية واضحة محمية من موسكو، وتتمتع بغض طرف عنها من واشنطن. في المقابل، لا تركيا ولا الرياض نجحتا حتى الآن في إنتاج الأرضيّة السياسية والديموغرافية الواضحة التي تمكنهما من التفاوض بإسمها في سوريا.

ويبدو واضحاً حالياً أنّ كلاً من أنقرة والرياض حدّدا موقفهما من خطة وقف إطلاق النار التي بحسب أجندة الموفد الأممي ستيفان دو ميستورا المدعومة من مجلس الأمن تشكل أوّلَ بند في العملية السياسية السورية.

تركيا تشترط وقفَ إطلاق نارٍ ناقص الأكراد وليس فقط ناقص «داعش» و«النصرة». والسعودية تريد من وقف إطلاق النار أن يُفضي الى إدراج «نشاط حزب الله في سوريا» على لائحة الإرهاب جنباً الى جنب مع «داعش» و«النصرة». وتسعى الرياض الى تمهيد مناخ التسوية في سوريا منذ الآن بحيث تضمن ألّا يقبض الإيرانيون ثمنها في الإقليم ولا «حزب الله» في لبنان.

وما تقدّم تحديداً هو الذي يُفسّر خلفيات العنوان الأساس الذي تضعه السعودية بحسب مصادر خليجية لمعركتها الراهنة في لبنان ضدّ «حزب الله»، ومفاده «عدم السماح لنصر الله بأن يعود الى لبنان من سوريا منتصراً»، لأنّ ذلك سيدفعه لأن يقايض «غنيمته السورية» بثمنٍ سياسي لإيران ولحزبه في لبنان.

باختصار، تستبق الرياض بدءَ موسم المقايضات في الأزمة السورية وبدء عملية توزيع الحصص على الفائزين في مقاتلة الإرهاب، وهذا ما يجعلها تُمارس في لبنان على غير عادتها سياسة حادة وليست سلسة، وعنوانها إما أن «يكون لبنان عربياً أو حتى لا يكون».

الاعتبار الثالث يلفت إلى أهمية أنّ معركة السعودية ضدّ «حزب الله» في لبنان كانت بدأتها واشنطن قبل أشهر عبر قرار الكونغرس اعتباره منظمة إجرامية. وهذا التوصيف تمّ انتقاؤه أميركيا ليكون مناسباً لتصميم حرب ناعمة ضدّ الحزب تُدار عليه في عقر داره اللبناني وليس فقط في الخارج.

فواشنطن تدرك أنّ الحزب الذي لديه تمثيل في الحكومة والبرلمان لا يمكن محاصرته داخل لبنان من خلال وصفه بأنه إرهابي، بل عبر إجراءات ذات طابع جنائي وما دون سياسية.

ويريد لافتو النظر الى هذا الجانب الاستنتاج بأنّ معركة الرياض مع حارة حريك هي جزء من معركة أميركا ضدّ الحزب وليست منفصلة عن واقع دولي يتّجه لينهي معه «فترة السماح» التي أُعطيت له في لبنان منذ نحو عقدين، وذلك على نحو يشبه قيام المجتمع الدولي عام ٢٠٠٥ بإنهاء مرحلة تفويضه دمشق إدارة أمور جاره اللبناني.

الى أين تتجه مواجهة الحزب السعودية في لبنان؟

تجيب مصادر مطلعة، من الواضح أنّ الحزب قرّر احتواءَ الهجوم السعودي كمرحلةٍ أولى وعدم مواجهته. وربما يترك نصر الله للرئيس نبيه برّي التكفل في خفض كلفة المواجهة المفتوحة والمباشرة مع السعودية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من كلّ حوار «المستقبل» – «حزب الله» في عين التينة، لم يبقَ له حالياً من أهمية إلّا معنى دور برّي السياسي في رعايته، ما يُعطي انطباعاً بأنّ كلاً من الرياض وحارة حريك يفضلان الحفاظ على «شعرة برّي» بينهما كاحتياط إستراتيجي يتمّ لاحقاً الاستنجاد بها لتسوية ليس وقتها الآن.

ترى المصادر عينها أنّ المواجهة الراهنة بين الرياض و»حزب الله» ستضع الطرفين في نهاية المطاف أمام تطبيقات مفهوم «حدود القوة»، بمعنى أنها ستظهر لهما أنّ قوتهما في لبنان ليست مطلقة. فالحزب سيكتشف أنّ قدرته على تحميل لبنان عبء الخلاف الإيراني – العربي محدودة ولها خطوط حمر اقتصادية وسياسية وأمنية لا يمكنه تجاوزها.

وفي المقابل ستكتشف السعودية أنّ «ثورة النخل» إن جاز التعبير التي كانت لها ترجمة في مصر وكانت لها مراديد في لبنان عام ٢٠٠٥ ضدّ دمشق، لن تحصد بالضرورة النتائج نفسها الآن ضدّ «حزب الله»، نظراً لأنّ تركيبة لبنان الداخلية تمنح كلَّ حيثية سياسية دينية فيه ملجأ يأويه حتى من القنابل النووية السياسية ويجعله قادراً أقله على الحفاظ على أولوياته وليس كلّ توجهاته.

مرجع أمني لبناني رفيع يقول: عام ٢٠١٦ هو عام صعب على كلّ المنطقة، وضمنها على لبنان الذي يتوقع منه أن يُبدي جسارة في تحمل تأثيراته الضخمة، وذلك في وقت أبدى فيه لبنان عدم القدرة على تحمّل ملفّ نفاياته!