IMLebanon

تدمر – القلمون: النظام وحزب الله في المربّع الأول من المواجهة!

اهتمام عسكري ودبلوماسي بتحوّل المعادلات الميدانية: هل بمقدور الأسد المحافظة على دمشق؟

تدمر – القلمون: النظام وحزب الله في المربّع الأول من المواجهة!

سياسي لبناني عاد بأجواء غير مريحة بعد لقاء أصدقائه من «الدائرة الضيّقة» في السلطة

من شأن سقوط  مدينة تدمر في يد «تنظيم الدولة الإسلامية» أن يدفع بأطراف الصراع في سوريا إلى إعادة الحسابات من جديد، تماماً كما دفع تقدم «جيش الفتح» المكوَّن من تحالف قوى المعارضة المسلحة و«جبهة النصرة» في إدلب وجسر الشغور إلى إحداث تحوّل على الخارطة الميدانية. القاسم المشترك بين «التحرير» شبة الكامل لمحافظة إدلب وسيطرة «التنظيم» على مدينة تدمر يتجلى في حقيقة أن قوات النظام السوري والميليشيات المقاتلة معها فقدت قدرتها في الحفاظ على المناطق التي كانت تحت سلطتها، وباتت تعيش حالاً أقرب ما يكون إلى حال الانهيارات في صفوف قواتها.

فإذا كانت ثمة قراءة للنظام وحلفائه بأن معركة تحرير إدلب لها حيثياتها وظروفها، بما تشكله من بعد استراتيجي حيوي لتركيا، آلت الحسابات الإقليمية على خلفية «عاصفة الحزم» إلى توحيد فصائل المعارضة السورية وتزخيمها ومدّها بالسلاح القادر على حسم المعركة، وإذا كانت الجبهة الجنوبية، بما تشكله من عمق استراتيجي للأردن، تشهد معادلة مماثلة، فإن ما حصل في مدينة تدمر شكّل ضربة موجعة للنظام، وأحدث الانهيار السريع لقواته صدمة وذهولاً لدى حلفاء النظام والمراقبين القريبين منه.

وفي رأي مراقبين، على صلة بالمعارضة السورية، أن تقدّم  التنظيم من «السخنة» إلى تدمر، التي تبعد عنها نحو سبعين  كيلومتراً، بآلاف المقاتلين في عربات وآليات، ما كان ليحصل لو لم يكن هناك غض طرف من قوات التحالف الدولي التي كان بإمكانها، لو أرادت التدخل، أن تشن غارات جوية على قوافل «التنظيم» المكشوفة، ما يعني أن ثمة رضىً ضمني على الاتجاه الذي سلكته قوات «التنظيم»، في وقت كان طيران التحالف يقصف «جبهة النصرة» في بلدة «التوامة» في إدلب بالقرب من الحدود السورية – التركية.

تلك التطورات تؤول إلى الاعتقاد بقوة أن ما قبل سيطرة «التنظيم» على مدينة تدمر ليس كما قبله. فإلى سيطرته المتجددة على حقول النفط ، وغرق النظام المتمادي في أزمة المحروقات والظلمة الحالكة في مناطق واسعة، فإن البُعد الاستراتيجي – العسكري – الميداني يضفي كثيراً من الحراجة على المشهد.

فسيطرة «داعش» على تدمر، التابعة لمحافظة حمص والواقعة في وسط سوريا، هي همزة وصل بين محافظات عدّة ومناطق النفوذ الراهنة لمختلف الأطراف. مدينة تدمر اليوم سهّلت سيطرة «التنظيم» على كل البادية، وعززت ارتباطه الجغرافي بمحافظة الأنبار العراقية، وفتحت الطرق باتجاه حمص وحماة والساحل السوري، وباتجاه حلب شمالاً والغوطتين الشرقية والغربية ودمشق جنوباً. وبالتالي فإن معالم المرحلة المقبلة ستتحدّد في ضوء الاتجاه الذي ستسلكه «داعش».

وفيما يخوض «حزب الله» معركة القلمون، التي يصفها بالمعركة الضرورية لتأمين الحدود اللبنانية على السلسلة الشرقية وحماية دمشق، ويعلن عن تحقيقه انتصارات ليست جازمة، من وجهة نظر المعارضة السورية، التي تصف وضعها بالمقبول في حرب الاستنزاف الدائرة هناك، وفيما يعمد الحزب إلى دفع مقاتلي المعارضة باتجاه جرود عرسال، ويبني حساباته على حصرهم في تلك البقعة، تمهيداً لمعركة مقبلة أشّر إليها أمين عام «حزب الله» وألمح إلى أنه سيخوضها بعيداً عن موقف الحكومة اللبنانية والجيش، دخل المعطى الجديد على خط الحسابات العسكرية والأمنية، ذلك أن طريق وصول «التنظيم» من جنوب حمص إلى المناطق الحدودية مع لبنان في القصير والنبك ويبرود، والتي سبق أن  خاض «حزب الله» وقوات النظام حربهما فيها وسيطرا عليها باتت اليوم مفتوحة، ما يعيد الحزب والنظام إلى «المربّع الأول» من المواجهة، في وقت تدور التساؤلات حول مدى قدرة الحزب المُستنزَف، ومعه النظام المتهالك، على خوض حروب جديدة على الجبهات نفسها التي خرج السيّد حسن نصر الله ليعلن الانتصار فيها، في وقت تدفع بيئته الشعبية فاتورة مرتفعة من الدم.

وإذا كان من المبكر الجزم بالمسار الذي سيسلكه كل من «جيش الفتح» بعد انتصاراته في إدلب وجسر الشغور، وتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يمسك بالوسط وعقدة الوصل في مختلف الاتجاهات، والاتجاه الجفرافي – الميداني المسموح به إقليميا ودولياً للتقدّم، فإن تساؤلات تُطرح في الدوائر السياسية والدبلوماسية والعسكرية عن مدى قدرة النظام المحافظة على العاصمة دمشق وخطوط امتدادها إلى الساحل السوري، في ظل مخاوف من حصول انهيارات متسارعة ليست في حسابات الأطراف الدولية الراغبة في دفع رأس النظام بشار الأسد إلى طاولة المفاوضات في «جنيف  3» تمهيداً لانتقال سياسي للحُكم من دون انهيار بنية النظام، ولا سيما المؤسسة العسكرية، التي يمكن الرهان عليها بعد إعادة تأهيلها لضبط الأرض وبسط سلطة الدولة كي لا تتحول سوريا إلى دولة فاشلة على غرار ما حصل في ليبيا.

التحوّلات المتسارعة على الأرض تشي بأن ثمة سباقاً بين المخاوف من انهيار النظام وانفلات الأمور وقدرة اللاعبين الدوليين، وربما الإقليميين، على إعادة ضبط اندفاعة المعارضة قبل التوصل إلى التسوية السياسية. فقبل أيام زار سياسي على صلة قديمة بدمشق العاصمة السورية، والتقى بعضاً من أصدقائه من الدائرة الضيّقة في النظام، فعاد بأجواء غير مريحة لامساً مخاوف جدية لدى هؤلاء على دمشق وعلى قدرة النظام في التماسك الداخلي.

أجواء تترافق مع معلومات عن أن كميات كبيرة من الذهب قد سُحبت أخيراً من البنك المركزي السوري إلى روسيا، ليست جزءاً من ثروة عائلة الأسد التي كانت أخرجتها من البلاد سابقاً، بل تعود إلى احتياط البنك المركزي. فهل بات النظام على قاب قوسين أو أدنى من السقوط أم أن ما نشهده ليس سوى فصل من الفصول! وهل تدفع التحوّلات بـ «حزب الله» إلى إعادة الحسابات في معاركه الراهنة والمأمولة غداً… أم أنه بات أسير لعبة السقوط في الهاوية؟!