IMLebanon

العفو عن الفاسدين.. كالعفو عن الميليشيات؟

 

 

انطلاقة «حكومة العهد الأولى» ما زالت عالقة بين فكيّ كماشة الخلافات السياسية التي لا تلبث أن تهدأ، حتى تعود للاشتعال من جديد.

أما انطلاقة ورشة الإصلاحات الموعودة داخلياً وخارجياً، وخاصة للدول المانحة في مؤتمر سيدر، فما زالت أسيرة مطرقة مكافحة الفساد، وسندان خطة الكهرباء، التي يبدو أنها بحاجة لتعديلات جذرية، على إيقاع عاصفة من النقاشات والخلافات، التي تؤدي إلى مزيد من التأجيل لهذا الملف الحيوي.

الإشكالية الفعلية التي تتخبّط فيها الحكومة هي غياب التوافق بين أطرافها على خطة واحدة وواضحة للتعاطي مع قضية الإصلاحات ومكافحة الفساد، ومع ملف الكهرباء.

في ملف الفساد تحوم الشبهات حول كل الأطراف السياسية، طبعاً بنسب وأحجام مختلفة، لدرجة أنه قد يتعذر إيجاد المرجع الصالح للمحاسبة وكشف المستور من الصفقات والسمسرات، التي تتجاوز أرقامها عشرات ومئات الملايين، وذلك على قاعدة مَن يُحاسب مَن، طالما الجميع متورط في هذا البلاء؟

قد تكون ارتكابات بعض الأطراف مجرّد تجاوزات إدارية ومالية بسيطة، ولكن الكيديات السياسية دائماً حاضرة لتضخيم الوقائع وتشويه المواقف، حتى لا يكون أحد «أنظف» من أحد! وقد تقتصر الملاحقات على الرؤوس الصغيرة لصغار المرتكبين، كما نشهد حالياً في بعض الملفات، ويبقى أصحاب الرؤوس الكبيرة وملايينهم المنهوبة من مال الدولة، بمنأى عن أي ملاحقة فعلية!

حتى كتابة هذه السطور، يمكن القول أن الدولة ليست جادة، بل هي عاجزة عن تنفيذ خطة جدية وحقيقية لمكافحة الفساد، والاقتصاص من كبار المرتكبين، كما فعل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مثلاً، والدليل على فداحة هذا العجز، أن المسألة تحوّلت إلى شعار يدور في طواحين الهواء، من دون أن تظهر أي خطوة عملية رغم وجود وزارة لمكافحة الفساد في الحكومة السابقة، ورغم كل الخطابات الرنانة من كبار المسؤولين.

الاستسلام لهذا العجز الفاضح من قبل الدولة يعني أن آفة الفساد ستستمر في نهش ما تبقى من هيكلية الدولة المالية، من دون حسيب أو رقيب، طالما أن الكل يغطي الكل، والبعض يُشارك مع البعض الآخر!

وعلى خلفية هذا الواقع المفجع، ثمّة من يقترح التوصل إلى توافق بين القوى السياسية يقضي بطيّ صفحة الماضي، بكل ما فيها من ارتكابات وموبقات، والعفو عن الفاسدين، شرط الالتزام بوقف الممارسات السابقة، والموافقة المسبقة للخضوع لأنظمة مؤسسات الرقابة الإدارية والمالية، من إدارة المناقصات إلى ديوان المحاسبة، وفي حال ثبوت عمليات فساد جديدة يتم فتح الملفات السابقة، وتفعيل قانون «من أين لك هذا» بحق المرتكب مهما علا شأنه!

ويستند أصحاب هذا الرأي على تجربة العفو عن جرائم الحرب بعد اتفاق الطائف واتفاق حل الميليشيات، وطيّ تلك الصفحة السوداء في تاريخ البلد.

أما التعاطي مع ملف الكهرباء فيمكن إخضاعه للقاعدة نفسها، على اعتبار أنه جزء من ملفات الفساد الشهيرة، ولكن إدارته في المرحلة الجديدة تخضع لنفس معايير العفو السابقة، وتكون قواعد الشفافية والحوكمة هي الأساس في جميع التلزيمات، بعد دمج الحلول المؤقتة مع الحلول الدائمة في الخطة المطروحة.

لا الخطابات النارية، ولا الاحتفالات الشعبوية، ولا حتى الاستعراضات العنترية، نفعت في الحد من التأزم المتفاقم في الوضع الاقتصادي، ولا في وقف لعبة تضييع الوقت، وإضاعة مليارات مؤتمر سيدر.

لبنان في غرفة العناية المركزة، ويحتاج إلى قرارات جريئة وعملية لإنقاذه!