IMLebanon

المجلس النيابي وأبو علي

 

 

سمعناهم… وأصواتهم تلعلع من على منبر المجلس النيابي، كأنهم أبطال زَنْدٍ وفلاسفة شعر، وليس بينهم لا أبو علي ولا أبو العلاء (1).

يناقشون الموازنة، ولأن الجلسة النيابية متلفزة، هبَطَ الوحي وحدثتِ الأعجوبة، فإذا العيون العمياء قد تفتَّحت على الفضائح والقبائح، وإذا الألسنة الخرساء قد تحرّكت تنديداً: بالهدر والصفقات والفساد والشبهات والسمسرات ومخالفة الدستور، وكأنهم يخاطبون مجهولاً فاراً من وجه العدالة، فيما هذا المجهول الذي تولّى الحكم على مدى السنين الخوالي، هو حاضرٌ معهم وعندهم وحولهم على كراسي المجلس النيابي والحكومة، مرفوع الرأس موفور الكرامة ناصع الكفّ والجبين.

ضدَّ مَنْ إذاً، ترتفع أصوات السادة النواب؟ وعلى مَنْ يعترضون؟ ومَنْ يعارضون؟ ومَنْ يراقب مَنْ؟ ما دام المجلس والحكومة من سلالة واحدة وُلدت بالحرام الإنتخابي، وراحت تقمِّص ذاتها بالتمديد.

كلُّهم يحاضرون بالعفّة، يستحضرون «روح الشرائع» (2) وروح الله، حتّى خُيّلَ إلينا، أنّهم جماعة مختارة من المصلحين والمرسلين الأخيار، أو كأنهم الناطقون الرسميون باسم عدالة السماء على الأرض، ولم يراقصوا تلك «المومس الفاضلة» على ما جاء في مسرحية الفيلسوف الفرنسي، جان بول سارتر.

وهكذا، تنتهي الجلسة المتلفزة وتتوقف الألسنة عن الثرثرة، والمتّهمون السجناء الذين ألقى الشعب القبض عليهم، يفرُّون من وراء قضبان المجلس النيابي، ولم يثبت لعلماء الإجتماع أن السجن من شأنه أن يردع السجين عن إعادة ارتكاب المخالفة.

يناقشون أبواب موازنة استفاقت بعد إثني عشر عاماً من القبر الذي إسمه الزمن المتجمّد، والموازنة متراس للقنص السياسي والرسائل الإنتخابية، وقلّما كان التصدّي للضرائب موازياً للضرب على أَقْفيةِ الخصوم بالعصا البيضاء.

لعلَّ من وراء زيادة الضرائب صفقة أيضاً مكتومة عن العيون والعيان، وقديماً كان رؤساء الأقاليم الرومان يستفيدون من التحصيل الضريبي، ولما نصحوا الأمبراطور الروماني تيباريوس «Tiberius» بزيادة الضرائب كتب إليهم يقول: «على الراعي الصالح أن يجِزَّ صوف نعاجه لا أنْ يسلخ جلودها…»

نحن ننصح الأمبراطور الذي يفتّش عن موارد للخزينة، أنْ يسترجع المال العام المنهوب من «رؤساء الأقاليم» عندنا الذين ما أنْ تربعوا على واحدة من كراسي الحكم حتى انتفخت جيوبهم وتضخَّمت خزائنهم وارتفعت قصورهم، وعليهم ينطبق وصف الشاعر موسى شرارة مخاطباً مدير اليانصيب الوطني بقوله:

يا مديرَ اليانصيبِ الوطني دُلَّني مِنْ أينَ أَصبحتَ الغني لمْ تتاجرْ لم تسافرْ لم ترِثْ عَـنْ أبيكَ الفذّ غيرَ الرَسَنِ

لا تستقيم هذه الدولة، ما دامت دولة بلا دستور ولا مراقبة ولا محاسبة، والمعارضة معدومة في نظام يعاني القلق والإختلال الديمقراطي، بحيث تصبح الديمقراطية الوجه الآخر للإستبداد، «هكذا يرى أرسطو أن الديمقراطية تصبح إستبدادية إذا كانت لا تخدم جمهور الشعب».
ولكن.. الى متى سيظل واقع هذا الشعب العظيم، شبيهاً بالشعب الفرنسي قبل الثورة، ينظر إليه الإرستقراطيون والبورجوازيون على أنه الطبقة الحقيرة الثالثة.

1– أبو العلاء: هو الشاعر أبو العلاء المعرّي.
2– «روح الشرائع» كتاب في فلسفة الشريعة والدستور للكاتب الفرنسي مونتسكيو
.