فتحت إستقالة الوزير ناصيف حتّي من منصبه في وزارة الخارجية، وتعيين الوزير شربل وهبة مكانه، الباب أمام المزيد من التحليلات والإجتهادات والآراء الفقهية القانونية والدستورية، لجهة ما إذا كان التعديل الوزاري الذي تمّ، أو حتّى أي تعديل وزاري مُشابه ربّما، بحاجة إلى جلسة ثقة جديدة من مجلس النواب، الذي سبق ومنح الحكومة الثقة بناء على بيانها الوزاري مُجتمعة، أو أنّ هذا الإجراء لا يحتاج إلى جلسة ثقة جديدة، خصوصاً وأنّ تفسير النصوص الدستورية أصبح وجهة نظر أحياناً، ترتبط بالخلفيات والمواقف السياسية، بينما هذا الأمر أو هذه الإشكالية الدستورية تُطرح على البحث عند كل تشكيل حكومة أو تعديل وزاري. فماذا يقول أهل الإختصاص في هذا المجال؟ وماذا يقول النصّ والسوابق أيضاً؟
ولأنّ في لبنان كلّ شيء مُمكن ومعقول، فإنّ هذا الأمر فيه وجهتا نظر: الأولى، تقول بأنّ لا داعي لجلسة ثقة جديدة سيما وأنّه لا يوجد نص صريح بذلك، ولا توجد سوابق حصلت منذ العام 1926. أما الرأي المقابل فيستند على نفس القاعدة ألا وهي غياب النصّ ليؤكّد أنّه لا بدّ من مثول الوزير الجديد أمام المجلس النيابي لنيل الثقة، لأنّه لا يُمكن طرح أو سحب الثقة منه طالما لم يستحصل عليها من مجلس النواب.
بارود: لسنا بحاجة لثقة جديدة
يرى الوزير السابق والخبير الدستوري المحامي زياد بارود في حديث خاص لـ”نداء الوطن” أنّ “هذا الأمر فيه شقّان، إنطلاقاً من قراءة النصّ الذي لا يحتمل الإجتهاد: الأول يرتبط بسلطة التعيين، فالمادة 64 من الدستور في فقرتها الثانية، حدّدت سلطة التعيين برئيسي الجمهورية والحكومة اللذين يوقّعان مرسوم تشكيل الحكومة، وعملاً بمبدأ موازاة الأشكال والصيغ الذي يعني أنّ السلطة التي تُعيّن هي التي تُقيل، فهناك من عيّن الوزراء بمرسوم تشكيل الحكومة، أي رئيس الجمهورية والحكومة، وبالتالي فإنّ قبول الإستقالة وإستبدال وزير بآخر يحتاج إلى مرسوم يوقّعه رئيسا الجمهورية والحكومة”.
ويتابع بارود: “في الشقّ الثاني: هل نحن بحاجة إلى ثقة جديدة؟ الجواب هو: لا يوجد نص دستوري واضح وصريح بهذا الأمر ولكن، أوّلاً الثقة التي يصوّت عليها مجلس النواب هي ثقة للحكومة مُجتمعة بالإستناد إلى بيانها الوزاري، وليس لكلّ وزير على حدة، ويتمّ التصويت على الثقة بناء على البيان الوزاري. كذلك لا توجد سابقة في هذا المجال، عندما كانت تتمّ إستقالة وزير أو إقالة وزير وتعيين البديل، لم يكن يحصل الذهاب إلى مجلس النواب لنيل الثقة”. ويؤكد بارود أنّه “يمكن لمجلس النواب أن يطرح الثقة في أي لحظة بالوزير الجديد، وبالتالي ما الفرق بين جلسة ثقة عند تعيينه أو في وقت آخر؟ فالضمانة الدستورية موجودة وقائمة طالما أنّك تستطيع طرح الثقة. وفي الخُلاصة، لسنا بحاجة إلى جلسة ثقة، ولا توجد سوابق ولا توجد مخالفة دستورية أو ما يُحكى من باب الحرص الزائد، ولم يسبق أن حصل هذا الأمر منذ العام 1926 حتى الآن”.
مالك: يجب الحصول على الثقة
بدوره، يقول الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك لـ”نداء الوطن”: “إن هذا الموضوع إشكالي كبير ويحتاج إلى التعمّق بالبحث والدراسة، ولكن أنا مع المنطق الدستوري السليم. فمع غياب النصّ الصريح، نرى وجوب مثول الوزير الجديد أمام مجلس النواب، علماً أنّ العادة والأعراف ذهبت خلاف هذا الإتّجاه، والبرهان الأسطع لهذا الإتّجاه هو ما ورد في المادة 37 من الدستور التي نصّت صراحة على حقّ أيّ نائب بطرح الثقة بأي وزير، وبالتالي كيف لنائب أن ينزع الثقة عن وزير لم ينلها أصلاً من مجلس النواب”؟
ويؤكّد مالك أنّ “النظرية القائلة بعدم ضرورة نيل الثقة مع حِفظ حقّ النائب بطرح الثقة لا تستقيم، لأنّ هذا الوزير لم ينل الثقة حتى تُنزع عنه، وبالتالي يجب أن ينال الثقة، سيّما وأنّ الحكومة عندما تنال الثقة تنالها ببُعدين: الأوّل سياسي يتمثّل بالبيان الوزاري، والثاني شخصي يتمثّل بشخص الوزراء وسيرتهم”. ويتساءل المحامي سعيد مالك: “ماذا لو تبيّن أنّ الوزير المُعيّن، على سبيل المثال، له علاقات مشبوهة وهو اليوم يتسلّم زِمام الخارجية اللبنانية، كيف يُمكن نزع الثقة عنه ما دام لم يستحصل عليها أصلاً”؟
في المحصّلة، سيبقى تفسير النصوص الدستورية وجهة نظر طالما لا يزال منطق العلم والمؤسسات بعيد المنال.