IMLebanon

إتصالات الراعي والرئاسة الضائعة في غابة الخلافات المسيحية

 

تشتعل الساحة السياسية على وقع الإرتفاع الجنوني للدولار والتدهور الدراماتيكي لليرة، وتأتي كل هذه الكوارث وسط تأزّم سياسي وقضائي لا مثيل له في تاريخ البلد. وتتقاطع المعلومات لتؤكّد عدم وجود أي مبادرة كبيرة على نار حامية تلجم التوترات السياسية والقضائية والأمنية، ويواصل «حزب الله» اللقاءات مع مختلف الأطراف لحشد أكبر قدر من الأصوات لمرشحه رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، وكان آخرها الإجتماع مع رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل.

وعلى خطّ بكركي، يُكثّف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي جهوده من أجل الوصول إلى حلّ رئاسي منشود، ويعمل على 3 خطوط: الأول مسيحي بامتياز، والثاني وطني، والثالث يتمثّل باجراء اتصالات مع مراجع دوليّة. ويتواصل البطريرك الراعي بشكل أساسي مع سفراء فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والسعودية، وفي السياق يُجرى تواصل رفيع بين بكركي والإليزيه من أجل القيام بمحاولات جديدة للوصول إلى الدفع باتجاه انتخاب رئيس. وتتطابق وجهات النظر بين بكركي والإليزيه حول الإستحقاق الرئاسي، وجرى تقسيم غير معلن للأدوار، إذ يتولّى الجانب الفرنسي تقريب وجهات النظر بين الدول الخارجية المتنازعة والمؤثّرة في الملف اللبناني، وعلى رأس تلك الدول أميركا والسعودية وإيران.

وتقوم باريس باتصالات على أعلى المستويات مع طهران، ويُطرح الملف اللبناني كطبق أساسي في المباحثات، لكن بكركي لم تتبلّغ من الإليزيه حدوث أي خرق خارجي قريب في الملف الرئاسي. ويعمل البطريرك الراعي على الخطّ المسيحي، ويحصل ذلك من خلال التواصل مع جميع الأفرقاء المسيحيين، وقد التقى النائب ملحم رياشي موفداً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع.

ويحاول الراعي توحيد آراء الكتل المسيحية الوازنة، وعلى رأسها «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ»، لكن المعطيات في هذا الملف لا تزال سلبية، فالتباعد هو في جوهر التعامل مع الإستحقاق. وأبلغ باسيل بكركي مجدداً عدم ترشّحه للرئاسة واستعداده للبحث باسم وسطي، وهذا الموقف لم يفتح ثغرة في جدار الأزمة، كما يعمل باسيل لإيصال مرشّح «مطواع»، ويعرض لائحته على عدد من القوى، ووصلت هذه اللائحة إلى معراب.

وتتمسّك «القوات» بترشيح رئيس حركة «الإستقلال» النائب ميشال معوّض وترفض لائحة باسيل، في حين يرفض باسيل السير بمعوض أو أي مرشّح مدعوم من القوى السيادية. ويغيب مشهد الإجتماع الموسّع للأقطاب الموارنة عن طاولة بكركي بسبب التباعد بين القوى، ويشتدّ الخلاف بين باسيل وفرنجية مما يزيد الملف الرئاسي تعقيداً.

وتؤكّد بكركي أنّ أي مبادرة تقوم بها لا تهدف إلى تسويق مرشّح أو دعم اسم على حساب آخر، وتلتقي جميع الأقطاب المسيحيين، ومن المقرّر أن يتشاور الراعي مع فرنجية وباسيل ورئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل وعدد من النواب المسيحيين. وتعلم بكركي جيداً أنّ باسيل لن يسير بفرنجية وهذا ما أبلغه باسيل للراعي، فيما يأتي اللقاء المسائي الذي جمع أمس الراعي بباسيل للمزيد من التشاور الرئاسي.

تملك بكركي جدول أعمال واضحاً للقاءات، وينصّ بنده الأول على ضرورة النزول إلى المجلس النيابي لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهذا الأمر يهدف من خلاله الراعي إلى رمي كرة النار الرئاسية في ملعب المعطلين وعلى رأسهم النواب المسيحيون الذين يقاطعون الجلسات الإنتخابية. كما يحاول الراعي أن يستوعب كل الأفرقاء المسيحيين لكن ضمن حدود إحترام المؤسسات والمواعيد الدستورية، ضمن لقاءات يعقدها مع هؤلاء، أولها مع باسيل على أن يلتقي اليوم فرنجية على مأدبة الغداء مع العلم أنّ الأخير هو الذي طلب الموعد كما يقول المطلعون على موقفه، وتعتبر بكركي أن تصرفاتهما تؤدّي إلى مزيد من الشرذمة المسيحية وحرمان الجمهورية من رئيس يليق بها في زمن هي الأحوج إلى رأس يديرها.

لا يروق لبكركي بقاء الموقع الرئاسي بلا رئيس، أو كسر إرادة المسيحيين في مثل هكذا استحقاق، وتركّز على رفض منهج التعطيل المنظّم الذي يقوم به أفرقاء مسيحيون طمعاً بالكرسي أو لتحقيق القدر الأكبر من المكاسب، وسط خوف بطريركي متنامٍ من إفراغ المواقع المارونية في الدولة كمقدّمة لضرب كل أُسسها ووضع اليد عليها.