IMLebanon

المطلوب معالجة سياسية لمنع الفتنة

 

يستدعي الأشتباك الذي حصل في الشحار الغربي يوم الأحد الفائت، والذي أودى بحياة مرافقين لوزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب التوقف ملياً أمامه، ودراسة أسبابه وخلفياته والأخطار التي ترتبت عليه، للخروج بالدروس اللازمة لمعاجلة الأمر سياسياً، وتجاوز كل الأثقال والحساسيات التاريخية والعصبية المتجذرة في جبل لبنان الجنوبي وخصوصاً في منطقة الشحار الغربي منذ القرن الثامن عشر إلى اليوم.

 

مع إدراكنا لأهمية القرارات التي صدرت عن المجلس الأعلى للدفاع بعد إجتماعه أول أمس الاثنين والتي بدأ تنفيذها على الأرض من قبل القضاء والأجهزة الأمنية، فإن ذلك لا يكفي لمعالجة الأمر في المديين المتوسط والبعيد.

 

لا بد من النظر بتعمق إلى الأمر ببعده السياسي، وذلك انطلاقاً من وجود نشاطات وجهود مكثفة تسعى الى تغيير موازين القوى السياسية القائمة في هذه المنطقة منذ ما يزيد عن قرنين ونصف القرن، والمؤسف في الأمر إن القوى المستجدة على الساحة السياسية تنسى أو تتجاهل ما ترتب على المحاولات التي جرت في الماضيين البعيد والقريب من اجل تجاوز الوقائع والعصبيات المتجذرة في الجبل، مع كل ما ترتب على ذلك من احداث ونتائج كارثية منذ عهد الإمارة الشهابية إلى ثورة 1958 وسنوات الحرب الأهلية، وفترة الغزو الإسرائيلي عام 1982 وما رافقها من مآسي وتهجير لمسيحي الجبل، والتي مازال لبنان يعمل جاهداً للملمة آثارها بأبعادها الاجتماعية والعمرانية والأمنية.

 

مع الإقرار بضرورة القيام بعمل أمني وقضائي لتوقيف المتسببين بالحادث واستعادة هيبة الدولة في المنطقة، لا بد ان يترافق ذلك مع معالجة الأسباب السياسية المباشرة، التي ولّدت حالة الاحتقان والتوتر، والتي تحولت إلى موجة من الاحتجاجات الغاضبة، وما رافقها من احداث دامية يوم الأحد الماضي.

 

في هذا السياق لا بد من الاعتراف بأن ما حدث في الشحار ليس وليد لحظته، وإنما هو نتيجة التراكمات السياسية، التي بدأت مع الانتخابات الأخيرة وتبلورت بشكل واضح خلال فترة تشكيل الحكومة الحريرية، وتعمقت آثارها من خلال التحركات السياسية والخطابات الموتورة لقيادات التيار الوطني الحر، وخصوصاً خطابات رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل، والتنافر الحاصل في الرؤية السياسية وعلاقات لبنان مع الدولة السورية، بالإضافة الى الخلافات المستمرة  داخل مجلس الوزراء بين وزراء تكتل لبنان القوي وباقي الوزراء من مختلف الأحزاب والقوى السياسية الأخرى حول مختلف القضايا السياسية، وخصوصا ما يعود منها لتقاسم النفوذ والعلاقة مع سوريا.

 

تدعو الحكمة السياسية أن نتساءل عن المنفعة الوطنية التي يمكن ان يجنيها لبنان من حكومة مشكّلة من ثلاثين وزيراً يمثلون معظم الكتل والأحزاب الممثلة في مجلس النواب اذا كانت هذه الحكومة غير قادرة على إشاعة أجواء من التفاهم السياسي والانسجام بين أعضائها، والذي يشكل الأرضية السياسية المناسبة لتحقيق الإستقرار الأمني. من الطبيعي أن تنعكس الخلافات داخل مجلس الوزراء، والخطاب السياسي الشعبوي المتفلت للتيار الوطني الحر ورئيسه، سلباً على وضع الاستقرار العام، وإن تسخن الأجواء الشعبية تحرك العصبيات المذهبية والعائلية والمناطقية، هذا بالإضافة الى الخلافات العميقة حول علاقات لبنان بمحيطه العربي وخصوصاً مع النظام السوري.

 

في رأينا تقع مسؤولية إجراء مراجعة سياسية شاملة للأوضاع السائدة منذ اجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة على عاتق رئيسي الجمهورية والحكومة، والخروج بخطة لضبط الخطاب السياسي للقوى المشاركة في مجلس الوزراء والدعوة لوقف كل التحركات والخطابات والتصريحات الموتورة، مع كل ما تتضمنه من نبش للقبور وإثارة الغرائز وشد العصبيات وتهديد صيغة العيش المشترك وتسوية الطائف. لا بد ان يفهم الجميع بنتيجة هذه المراجعة الشاملة بأن مجلس الوزراء ومجلس النواب هما المنبران الصالحان للحوار والنقاش السياسي، وبأن على الجميع الكف عن اعتماد الخطاب الشعبوي المباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتحقيق مكاسب سياسية شخصية أو فئوية على حساب استقرار البلد وآمنه.

 

في الواقع يجب أن لا تكتفي الدولة بمساعي لملمة نتائج وذيول الجريمة التي حدثت من خلال تنفيذ مقررات المجلس الأعلى للدفاع، بل يبقى من الملح جداً التطرق الى معالجة الأسباب السياسية المباشرة للحادث.

 

تستوجب هذه المعالجة وقف هذا الخطاب الطائفي «المتفلت»، واحترام خصوصيات بعض المناطق وخصوصاً في الشمال وفي الجبل، والتي شهدت توترات سياسية وأمنية على خلفية زيارات وخطابات سياسية مفعمة بعبارات التحدي والاستفزاز، والتي يمكن أن تشد العصبيات وتستولد الفتنة.

 

في النهاية لا بُدَّ من أن يدرك الجميع بأن المصالحة التاريخية في الجبل قد حدثت من خلال الجهود الخاصة لوليد جنبلاط والبطريرك مار نصر الله بطرس صفير، وبأنه لا رجوع عنها.

 

كفى متاجرة بعواطف ومشاعر المسيحيين في الجبل، لقد انقضت الحرب وتعلّم اللبنانيون ما يكفي من دروسها المؤلمة، وإن اتفاق الطائف والدستور قد طويا هذه الصفحة المؤلمة الى غير رجعة، ولا بد بالتالي من وقف كل هذه المحاولات البائسة لتطويق زعامة وليد جنبلاط.